إيرلندا وفلسطين: اعتراف "تحصيل حاصل"

12 ديسمبر 2014
عملت المنظّمات الإيرلنديّة بشكل لافت على مناصرة الشعب الفلسطيني(Getty)
+ الخط -

ليس مستغرباً أن يصوّت البرلمان الإيرلندي، أول من أمس، لصالح مذكّرة غير ملزمة، تطالب الحكومة بالاعتراف بدولة فلسطين، لتصبح إيرلندا الدولة الأوروبيّة الرابعة التي يتخذ برلمانها هذه الخطوة، بعد فرنسا وبريطانيا وإسبانيا. ولا تثير خطوة إيرلندا الدهشة، باعتبارها الدولة الأوروبيّة الأكثر دعماً لعمليّة السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على أساس حلّ الدولتين. ولطالما سعت إلى إنجاح عمليّة السلام والمفاوضات بين الجانبين، حتى يتمكّن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته الفلسطينيّة المستقلّة، ناهيك عن التزامها قولاً وفعلاً، بتقديم الدعم المالي والسياسي للشعب الفلسطيني في مختلف المجالات، وخصوصاً في مجالات التعليم والصحة والمساعدات الإنسانيّة للاجئين الفلسطينيين.

ويؤكد مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط ومنطقة البحر المتوسط في كلية كنغ في لندن، ومؤلف كتاب "إيرلندا والقضيّة الفلسطينيّة بين عامي 1948 و2004"، روري ميلر، أنّ القضيّة الفلسطينيّة احتلّت مكاناً مميزاً في ضمير الإيرلنديين، منذ أمد طويل، بما يتجاوز كثيراً الاعتبارات الجغرافيّة والاقتصاديّة أو السياسيّة، ويقوم عاطفياً ووجدانياً على تشابه محنة الشعبين، الأمر الذي تُرجم بالنشاط الإيرلندي في المنطقة حتى يومنا هذا".

ويشرح ميلر الأسباب التي جعلت إيرلندا، وهي البلد الصغير في أوروبا، مقارنة ببريطانيا وفرنسا وألمانيا، تتجرأ لتتخذ موقفاً متقدماً على صعيد دعم حقوق الشعب الفلسطيني. ويقول إنّ الحكومات الإيرلندية المتعاقبة، منذ انضمام إيرلندا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1973، رفعت لواء تأييد القضيّة الفلسطينيّة داخل أوروبا، وكانت العضو الأوروبي الأول الذي يدعو إلى قيام دولة فلسطينية في فبراير/شباط من عام 1980، عدا عن كونها الدولة الأوروبية الأخيرة التي سمحت لإسرائيل بتشييد سفارة لها في دبلن في عام 1993.

ويشير ميلر إلى أنّ "المواجهات والصدامات التي وقعت بين القوات الإيرلندية العاملة في لبنان والجيش الإسرائيلي وحلفائه من المليشيات اللبنانية في الفترة الممتدة من 1978 إلى 2000"، أدّت إلى توتير العلاقات بين البلدين، بعد أن قُتل 45 جندياً من القوّة الإيرلندية العاملة ضمن قوات الأمم المتحدة في لبنان. ووجهت الحكومة الإيرلندية آنذاك اتهاماً إلى إسرائيل بالتسبّب، بشكل مباشر أو غير مباشر، في مقتل 15 منهم على الأقل، واختطاف وإعدام جنديين إيرلنديين على يد جيش لبنان الجنوبي حليف إسرائيل.
ويُعتبر حزب "الشين فين"، وهو الجناح السياسي للجيش الجمهوري الإيرلندي، الممثل في البرلمانين الإيرلندي والبريطاني، ويُشارك في الحكم في إيرلندا الشماليّة، منتقداً قوياً لإسرائيل، وفق ميلر. وقد ربطته خلال السبعينيات من القرن الماضي، علاقات وثيقة مع فصائل المقاومة الفلسطينيّة. وفي عام 2006، وصف الناطق بلسان الحزب للشؤون الدوليّة وحقوق الإنسان في برلمان دبلن، أينغيوس أو سنوديه، إسرائيل بأنّها "واحدة من أكثر الأنظمة على الأرض خساسة وبغضاً". وفي شهر مايو/أيار الماضي، كان أو سنوديه واحداً من ثلاثة سياسيين إيرلنديين، منعتهم السلطات من مغادرة قبرص للانضمام إلى قافلة سفن الإغاثة إلى غزة.

وخلال العدوان الأخير على قطاع غزة، وفي جلسة لمجلس النواب الإيرلندي، طلب زعيم "الشين فين" السابق، جيرمي آدمز، من زملائه البرلمانيين الانضمام إليه في الوقوف لمدة دقيقة صمت، تضامناً مع "شعب غزة والشرق الأوسط"، من دون أن يشير إلى مواطني إسرائيل.
أما على مستوى الرأي العام الإيرلندي، فيشير ميلر إلى أنّ نحو 12 ألفاً من الشخصيات العامة الإيرلندية، ومن بينهم 52 من أعضاء البرلمان وأعضاء من البرلمان الأوروبي والشيوخ والسياسيين المستقلين، رفعوا عريضة إلى الحكومة تطالبها بمقاطعة إسرائيل، وهو ما تُرجم في نشاط المنظّمات غير الحكوميّة الإيرلنديّة، التي عملت بشكل لافت على مناصرة الشعب الفلسطيني عبر تنظيم حملات الدعم السياسي والاقتصادي، والمشاركة في الحملات العالمية المناهضة لجدار الفصل العنصري والاستيطان وكلّ سياسات إسرائيل العدوانيّة.

قد يتشابه اعتراف البرلمان الإيرلندي بدولة فلسطين، مع سواه من الاعترافات التي صدرت عن برلمانات أوروبية أخرى، كونها جميعها رمزيّة وغير ملزمة لحكومات بلدانها، غير أن اعتراف البرلمان الإيرلندي يأتي ترجمة رمزيّة لاعتراف إيرلندي شعبي ورسمي حقيقي، تبنّته دبلن منذ سنوات وتردّد صداه في دعم سياسي ومالي وصحي وتعليمي وتضامني، نجده في الكثير من القرى والمدن والمخيمات في الضفّة الغربيّة وقطاع غزة، وحتى في مخيّمات الشتات الفلسطيني في دول الطوق.

المساهمون