بدأت الدائرة الخاصة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استعراض ترشيحات من دوائر وأجهزة مختلفة، لاختيار النائب العام الجديد للبلاد، الذي سيتم تعيينه في سبتمبر/أيلول المقبل، بعد انتهاء فترة النائب العام الحالي نبيل صادق، إذ ينصّ الدستور المصري على أن يتولى النائب العام مسؤولية النيابة العامة لمدة أربع سنوات لمرة واحدة طوال عمله. ما يعني أن صادق البالغ من العمر 65 عاماً، سيغادر منصبه عائداً إلى منصة محكمة النقض أو كمسؤول في وظيفة حكومية أخرى، بعد أربع سنوات من خلافته النائب العام المُغتال هشام بركات. في السياق، ذكرت مصادر قضائية وحكومية لـ"العربي الجديد"، أن "السيسي يرغب في تطبيق التعديلات الدستورية الجديدة الخاصة بكيفية اختيار رؤساء الهيئات القضائية والنائب العام من دون إبطاء، ولا يريد الاصطدام بفترة فراغ كالتي عاشتها النيابة لنحو أربعة أشهر بعد اغتيال بركات. لذلك أمر منذ إقرار التعديلات في إبريل/نيسان الماضي، ببدء التحري عن ترشيحات الشخصيات القضائية الموالية للنظام وكذلك الأجهزة الأمنية لهذا المنصب الرفيع، الذي أثبتت السنوات الماضية ضرورة أن يكون شاغله متحلياً بسمات معينة، تمكنه من تنفيذ خطط السيسي في مواجهة الرأي العام المحلي والعالمي وتوثيق الصلات مع الأجهزة الأمنية والمخابراتية".
وأضافت المصادر أن "السيسي معجب للغاية بالطريقة التي أدار بها صادق النيابة العامة، تحديداً في ملفات مثل التحقيق المشترك مع إيطاليا في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، ومبادرته للرد على وسائل الإعلام الأجنبية، وهجوم دول أخرى على سياسة مصر القانونية. لذلك فهو يفكر الآن في الاستفادة منه من خلال دراسة تعيينه وزيراً للعدل في التعديل الحكومي العتيد، خلفاً للوزير الحالي حسام عبد الرحيم، لا سيما أن السيسي يريد كسر قاعدة أن يكون وزير العدل قاضياً سابقاً أو محالاً للتقاعد، بتعيين وزير لم يبلغ سن التقاعد بعد، وهو المقدر في مصر بـ70 عاماً".
وتبدو المنافسة على خلافة صادق شرسة بين العديد من القضاة الذين تباروا في السنوات القليلة الماضية في إرضاء النظام وتقديم الخدمات له، فدائرة السيسي أمامها قائمة مبدئية تضم 8 قضاة جميعهم تمت تزكيتهم من أجهزة ودوائر وشخصيات متباينة الخلفيات، لكنهم جميعاً موالون للنظام، والمفاجأة أن على رأس القائمة حتى الآن المستشار محمد شيرين فهمي، رئيس المحكمة التي قضى فيها الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي نحبه، وصاحب العديد من الأحكام المشددة المثيرة للجدل والمجاهر بموالاته للسلطة الحاكمة والذي كان على رأس المختارين لتولي قضايا العنف والإرهاب وأحداث ما بعد انقلاب يوليو 2013.
وأوضحت المصادر أن "شيرين فهمي كان حتى الأسبوع الماضي مدعوماً من الأمن الوطني وشخصيات قانونية كبيرة، لتولي هذا المنصب، لكن المخابرات العامة كان لديها بعض الاعتراضات في ما يخص علاقته الوطيدة بوزير العدل السابق أحمد الزند، الذي أصبح من الشخصيات غير المرحّب بها في محافل النظام منذ محاولته فرض سلطته المنفردة على القضاة وتحدّي إرادة السيسي بإبعاده عن المنصب في مارس/آذار 2016، بعد أزمة تصريحاته المسيئة للنبي محمد".
لكن شيرين فهمي كان واعياً لهذه السلبيات التي قد يستغلها بعض كارهيه لإبعاده عن الصورة، فحاول في الأشهر الماضية أن يحظى بثقة دوائر أكثر قرباً من السيسي عبر وسطاء حكوميين من بينهم وزير العدل الحالي، إلاّ أن وفاة مرسي داخل قاعة المحاكمة التي يترأسها قد تؤدي إلى تراجع أسهمه في هذه المنافسة.
وبحسب المصادر: "ترى بعض الشخصيات المؤثرة أن تعيين شيرين فهمي نائباً عاماً بعد كل اللغط الذي أثير حول وفاة مرسي ومدى إمكانية إنقاذ حياته وتأخر وصول الأمن وسوء معاملته من قبل فهمي نفسه أثناء كلماته الأخيرة، ستكون جميعها أسباباً للهجوم على قرار تعيينه نائباً عاماً. في المقابل، يرى آخرون أن فهمي هو الأفضل من حيث الكفاءة لتولي المنصب، فجميع التحقيقات التي أجراها كقاض للتحقيق في مخالفات قضاة الاستقلال والمتهمين بالانتماء للإخوان كانت ناجعة وترتب عليها إدانتهم. كما أنه من أقل القضاة الذين تلغي محكمة النقض أحكامهم لتميّزه في التسبيب وربط الأحداث والأدلة بصورة محكمة، فضلاً عن سابقة عمله بالنيابة العامة لفترة طويلة، وتحقيقه في قضايا شهيرة".
وكان شيرين فهمي قد اختير ضمن قائمة قصيرة من الشخصيات القانونية لحضور جلسات مناقشة التعديلات الدستورية الأخيرة، وعلى الرغم من كونه قاضياً جنائياً لم يعمل من قبل في المنازعات المدنية أو التجارية اختير إلى جانب شقيق السيسي المستشار أحمد سعيد السيسي، في القائمة المصرية للتحكيم في المواد المدنية والتجارية التي يحددها وزير العدل دورياً، ويسمح لمراكز التحكيم الإقليمية والدولية المختصة بفض المنازعات القانونية بالاستعانة بالأسماء المدرجة على هذه القائمة حصرياً كمحكمين، ويحظر على المراكز الاستعانة بغيرهم من داخل مصر.
وشيرين فهمي أيضاً هو صاحب الحكم الشهير بإدانة مرسي في القضية المعروفة إعلامياً بـ"التخابر مع قطر"، التي نسب له فيها ارتكاب جريمة اختلاس وثائق سرية والامتناع عن ردها وقيادة جماعة إرهابية على خلاف أحكام القانون. كما أنه من أعدّ قائمة اتهام قضاة تيار الاستقلال ومجموعة قضاة من أجل مصر تمهيداً لعزلهم من القضاء، وهو صاحب حكم إدانة الداعية حازم صلاح أبو إسماعيل بتزوير جنسية والدته، وإدانة محمد البلتاجي وصفوت حجازي في قضية تعذيب ضابط بميدان رابعة، وينظر حالياً قضيتي "التخابر مع حماس" و"الهروب من السجون" اللتين تعتبران أكبر قضيتين لقيادات الإخوان.
ووفقاً للنص الدستوري الجديد فإن السيسي سيختار النائب العام من بين ثلاثة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى، من بين نواب رئيس محكمة النقض، والرؤساء بمحاكم الاستئناف، والنواب العامين المساعدين، وذلك لمدة أربع سنوات، وسيتم تعيين هذا النائب بحكم منصبه عضواً في المجلس الأعلى للقضاء الذي يترأسه رئيس محكمة النقض، والمجلس الأعلى للهيئات القضائية الذي يترأسه السيسي.