وأدت حادثة اغتيال خاشقجي، الذي عُرف دوماً في السعودية كرجل مسالم ومطالب بالإصلاح، وكذلك فرض الضرائب والرسوم ورفع أسعار الوقود والكهرباء والماء، ورفع الدعم عن الخدمات الأساسية، إلى تدني شعبية بن سلمان لأدنى مستوياتها، وتشكيل صورة له أمام الشعب السعودي كرجل غير سوي ومتعطش للدماء وإفلاس الشعوب.
وفي محاولة للسيطرة على تدني شعبيته وتدهور صورته في الداخل، اتخذ ابن سلمان عدة خطوات لامتصاص الغضب الشعبي المكتوم ولإعادة تلميع الصورة من جديد، بعد فشل الجيوش الإلكترونية التي يحركها بواسطة مستشاريه في إقناع الشعب.
فقد عمد إلى الإفراج أولاً عن الأمير خالد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، شقيق رجل الأعمال الأمير الوليد بن طلال، بعد أشهر من اعتقاله، على خلفية انتقاده لحملة الاعتقالات التي شنّها ولي العهد ضد الأمراء ورجال الأعمال الموالين لهم، وإيداعهم في معتقل – فندق "ريتز كارلتون" في الرياض.
كما أفرج ابن سلمان عن الأمير عبدالعزيز بن فهد، نجل العاهل السعودي الراحل فهد بن عبدالعزيز، والذي اعتُقل على خلفية انتقاده لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ووصفه بـ"الشيطان"، ورواج أنباء عن تعرّضه لعمليات تعذيب، وشائعات حول موته.
وقرر ابن سلمان السماح لعمه الأمير أحمد بن عبدالعزيز، بالعودة للبلاد من منفاه الاختياري في لندن، بعد اعتراضه على إقصائه من ترتيب بيت الحكم السعودي.
ومن المتوقع أن يقوم العاهل السعودي الملك سلمان بالإفراج عن مجموعة من المعتقلين السياسيين، الذين اعتقلوا بتهمة الانتماء لـ"تيار الصحوة"، كما سيقوم بمشاريع إسكانية جديدة.
وشمل برنامج تلميع الصورة مجموعة من الزيارات التي قام بها ولي العهد لمصابي الحرب على اليمن في الجبهة الجنوبية، حيث قام بالسلام عليهم والتقاط صور تذكارية نقلها التلفزيون السعودي، كما وجه بإعطاء مكافآت مالية لهم.
وقام الملك سلمان، قبل أيام، بجولة محلية هي الأولى من نوعها، شملت زيارة عدد من المناطق حول البلاد وافتتاح "مشاريع تنموية" فيها؛ حيث زار منطقة القصيم، شمالي المملكة، والتي يتحدر منها عدد كبير من الوزراء ورجال الأعمال الذين سجنوا في فندق "ريتز كارلتون".
كما تُعتبر القصيم المعقل الرئيسي لـ"تيار الصحوة"، أكبر التيارات الدينية في البلاد، حيث يتحدر منها الكثير من معتقلي "حملة سبتمبر"، ومنهم الأكاديمي الإسلامي سلمان العودة، والداعية ناصر العمر، كما أنّها شهدت إطلاق جمعية الحقوق السياسية "حسم"، والتي سجن مؤسسوها بسبب مطالبتهم بملكية دستورية.
وزار العاهل السعودي برفقة ابنه عدداً من وجهاء المنطقة، كما أعلن عن وضع حجر الأساس لـ600 مشروع، بكلفة بلغت 16 مليار ريال، في مجالات متعددة، أهمها القطاع السكني. كما أمر الملك بإطلاق جميع الموقوفين على ذمة قضايا حقوق مالية، وسداد ديونهم إذا لم تبلغ أكثر من مليون ريال سعودي، كما أعطى عدداً من شيوخ ووجهاء المنطقة مبالغ مالية.
وزار الملك أيضاً منطقة حائل، أقصى شمال المملكة، حيث قام بتوزيع مبالغ مالية والإفراج عن موقوفين بذمة قضايا مالية، عبر العفو عنهم ودفع المبالغ المترتبة عليهم.
وتهدف هذه الزيارات والإفراجات عن الأمراء، ووجود إمكانية لحلحلة ملف المعتقلين، إلى إضفاء صورة شرعية على ولي العهد من والده الملك سلمان، حيث اختار العودة إلى طرق التلميع القديمة بمشورة من الحرس القديم، والاختلاط بالشعب ومنح الأموال لشيوخ ورؤساء القبائل.
كما مثّلت هذه الزيارات رسالة قوية لبقية الأمراء داخل الأسرة الحاكمة، في أنّ الملك لا يزال موجوداً في سدة الحكم، وأنّه يدعم ابنه بكل قوة للبقاء كولي للعهد، لكن مع تقليص صلاحياته. وكان محمد بن سلمان قد قطع صلته بشيوخ القبائل ووجهاء المناطق، وسجن بعضاً منهم بتهمة الفساد، كان أبرزهم سعود الدويش، أحد أمراء قبيلة مطير ورئيس شركة الاتصالات السعودية، وقام باختطاف عدد من أمراء قبيلة شمر في الكويت والأردن وأعادهم إلى المملكة.