محاكمة قتلة أبو خضير: مراوغة إسرائيلية للتملّص من الإدانة

30 نوفمبر 2015
غضب فلسطيني بعد مراوغة القضاء الإسرائيلي (معمر عوض/الأناضول)
+ الخط -

أظهرت محاكمة قتلة الطفل الفلسطيني الشهيد محمد أبو خضير (16 عاماً) مساعي القضاء الإسرائيلي للمراوغة وسعيه للالتفاف على قرار إدانة القتلة، مع قرار المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس إرجاء الحكم بحق المستوطن الإسرائيلي والقاتل الرئيس لأبو خضير، يوسف حاييم بن دافيد، إلى شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، وتأجيل الحكم إلى الشهر الذي يليه بحق شريكيه في قتل أبو خضير.

وكان المستوطنون الثلاثة خطفوا الطفل أبو خضير من بلدة شعفاط شمالي القدس المحتلة، في يوليو/تموز من العام الماضي، من أمام منزله، وأحرقوه حياً في مستوطنة قريبة مقامة على أراضي الفلسطينيين في القدس، ما أثار هبة جماهيرية فلسطينية حينها، ومواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي.

القرار الإسرائيلي المتطرف والعنصري، أثار موجة من الغضب لدى الفلسطينيين، الذين رأوا فيه مراوغة وتملصاً من إصدار الحكم، في وقت يسارع فيه القضاء ذاته إلى إصدار أحكام مستعجلة ضد فلسطينيين دينوا بمقاومة الاحتلال.

حسين أبو خضير والد الشهيد محمد، يصف قرار محكمة الاحتلال بشأن النظر في التقرير النفسي للمتهم الرئيس في خطف وقتل طفله، بالمهزلة الكبرى، ويؤكد توجّهه إلى المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة القتلة، ومن يقف وراءهم في حال لم تتم إدانة هذا القاتل باعتباره الرأس المدبر والمخطط لعملية القتل. ويقول أبو خضير لـ"العربي الجديد": "لم أثق يوماً بهذا القضاء، ولم أكن أرجو منه أي خير، فقد ثبت أنه قضاء عنصري يكيل بمكيالين، وهو قضاء يسيطر عليه السياسيون والمستوطنون، ولا يمكن أن يُصدر قراراً عادلاً حين يتعلق الأمر بالضحايا الفلسطينيين". ويضيف: "هم لا يسارعون إلى إغلاق منازل هؤلاء القتلة الإسرائيليين أو هدمها وإصدار أحكام فورية بالإدانة لهؤلاء، كما يفعلون مع الأطفال والشبان الفلسطينيين المتهمين بمقاومة الاحتلال، على الرغم من أن هذه المقاومة مشروعة".

أما والدة الشهيد أبو خضير التي بدت مصدومة وهي تستمع من محامي العائلة إلى قرار المحكمة، فتقول لـ"العربي الجديد، إنها "لن ترضى بأقل من أن يَلقى القتلة مصير ابنها، لأن سجنهم لا يشفي غليلنا، ولو سجنوهم سيتم إطلاق سراحهم بعد فترة قصيرة". وتعرب عن استغرابها من توجّه المحكمة حيال القاتل الرئيس وتذرّعها بالوضع النفسي، متسائلة: "هل كلهم مجانين؟ من يخطط للخطف وينفذه، ويشتري البنزين ليحرق به طفلاً، ثم يقتله حرقاً لا يمكن أن يكون مجنوناً، القاتل كان بكامل وعيه وارتكب جريمته وهو بكامل قواه العقلية".

وكانت المحكمة المركزية الإسرائيلية التي التأمت أمس في القدس المحتلة، قررت دراسة ومراجعة التقرير النفسي للقاتل الرئيس يوسف حاييم بن دافيد (30 عاماً) قبل إدانته في العملية، في حين أكد المحامي مهند جبارة، الذي يتولى الترافع في قضية الشهيد أبو خضير، أن التوجّه لدى المحكمة يقضي بإدانة القاتلَين الآخرَين بتهم الخطف والقتل والحرق.

التقرير النفسي الذي قررت المحكمة الإسرائيلية مراجعته، أعده خبراء نفسيون من إسرائيل والولايات المتحدة. ويلفت جبارة إلى أن المحكمة قدّمت التقرير في الدقيقة التسعين من المحاكمة، وكان أمامها أكثر من عام لتقدّمه، إذ بدا واضحاً تهرّب المحكمة من إصدار قرار بالإدانة الكاملة وبالحكم على هؤلاء القتلة، على الرغم من اعترافهم بجريمتهم خلال التحقيقات معهم، ثم تراجعهم عنها في جلسات المحاكمة التي زادت عن عشرين جلسة.

اقرأ أيضاً: التنظيمات الإرهابية اليهودية: تاريخ حافل بالاعتداءات والإفلات من العقاب

وبالتزامن مع جلسة المحكمة، نظّم العشرات من الفلسطينيين وعائلة الشهيد أبو خضير وممثلين عن الفعاليات والقوى الوطنية في القدس اعتصاماً قبالة المحكمة طالبوا خلاله بإنزال أقسى العقوبات بحق القتلة الثلاثة. ويتهم الفلسطينيون عموماً، القضاء الإسرائيلي بالغبن والكيل بمكيالين حيالهم، بينما يصدر هذا القضاء أحكاماً مخففة على مستوطنين مدانين بارتكاب عمليات قتل وتنكيل واعتداء بحق فلسطينيين.

ويقول مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية، زياد الحموري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مستوطنين إسرائيليين ارتكبوا عشرات الاعتداءات والجرائم العنصرية بحق الفلسطينيين ومقدساتهم، ولكن معظمهم أفلتوا من العقاب". ويلفت الحموري إلى أن الكيفية التي تعامل بها القضاء الإسرائيلي في قضية الطفل أبو خضير، واستمرار محاكمة قتلته، عكست مكيالاً إسرائيلياً يتسم بالعنصرية، حين تعلّق الأمر كذلك بمحاكمة أطفال فلسطينيين أو منفذي هجمات طعن ودهس ضد أهداف إسرائيلية، حيث سارع القضاء الإسرائيلي بضغط من الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية إلى إصدار أحكام جائرة بحق منفذيها وعائلاتهم، ولم يسمع عن تحقيقات مماثلة مع مستوطنين قتلوا فلسطينيين ونكلوا بهم.

وتعيد محاكمة قتلة الطفل أبو خضير، قضية أكثر خطورة تتعلق بمصير قتلة عائلة دوابشة من قرية دوما جنوبي نابلس شمالي الضفة الغربية، في يوليو/تموز من العام الحالي، وهي الجريمة التي قضت فيها العائلة حرقاً من قِبل مستوطنين متطرفين، رفضت الأوساط الأمنية والسياسية في إسرائيل محاكمتهم أو الكشف عن هوياتهم لأسباب أمنية، تتعلق بالحفاظ على سرية وسلامة مصادر المعلومات التي قادت إلى التعرف على الجناة، والاكتفاء باحتجازهم لفترات وجيزة، وحُوّل إلى الاعتقال الإداري المحدود المتهم الرئيس في هذه الجريمة، علماً أن حفيد مؤسس حركة "كاخ" الفاشية الحاخام المتطرف مئير كهانا، الذي اغتيل على يد شاب مصري في نيويورك قبل نحو عقدين، كان من بين القتلة الرئيسيين لعائلة دوابشة.

وصدرت عدة مواقف إسرائيلية من المستويين الأمني والسياسي الإسرائيلي، تؤكد عدم نية الاحتلال تقديم قتلة دوابشة إلى المحاكمة، كان أكثرها جلاء إعلان وزير الأمن الإسرائيلي موشيه يعالون أن إسرائيل لا تريد محاكمة قتلة عائلة دوابشة وأنها تكتفي باحتجازهم إدارياً، وهو أمر بدا واضحاً أيضاً بتصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أخيراً، خلال تواجده في الولايات المتحدة، بأن الاحتلال لا يعتزم محاكمة قتلة عائلة دوابشة، لأنه لا يستطيع فعل ذلك، من دون أن يفصح عن مزيد من المعلومات.

وجل هذه الاعتداءات العنصرية، نُسبت إلى مجموعات تدفيع الثمن اليهودية، التي تتخذ من مستوطنات الضفة الغربية ملاذاً لها، خصوصاً في مستوطنات منطقتي نابلس والخليل، في الوقت الذي رفضت فيه الحكومة الإسرائيلية سابقاً اقتراحاً بإعلان هذه المجموعات منظمة إرهابية، واكتفت بوصف أعضائها بمتعصبين يهود، ما جعلها تمعن في جرائمها بحق الفلسطينيين، وبات حرق الفلسطينيين أحياء الوسيلة المفضلة لأعضاء هذه المجموعات للتخلص ممن تسميهم "الغرباء المحتلين".

اقرأ أيضاً: عائلة أبو خضير: محكمة الاحتلال تتواطأ مع قتلة ابننا

دلالات
المساهمون