الأعاصير تحاصر ترامب... وتزايد معارضيه داخل البيت الأبيض

29 اغسطس 2017
من تظاهرة ضد ترامب في شيكاغو (بيلجين ساسمز/الأناضول)
+ الخط -
كأن الأعاصير السياسية في واشنطن لا تكفي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ليضرب إعصار هارفي هيوستن بولاية تكساس مخلّفاً أضراراً بشرية ومادية في رابع أكبر مدينة أميركية من حيث عدد السكان، ويعمّق من أزمات الرئيس التي تزداد حدّتها وتنذر بعواقب باهظة عليه.
ويتوجّه ترامب اليوم الثلاثاء إلى تكساس التي اجتاحها الإعصار هارفي وتسبّب فيها بفيضانات غير مسبوقة، للاطلاع على آثار أول كارثة طبيعية كبيرة تحدث في البلاد منذ أن تولى منصبه في يناير/كانون الثاني الماضي. وقال ترامب في سلسلة تغريدات عبر "تويتر" بشأن الكارثة التي تشكّل تحدياً داخلياً كبيراً له، إن "التركيز يجب أن ينصبّ على الحياة والسلامة". ومع توقّع الهيئة الوطنية للأحوال الجوية هطول المزيد من الأمطار الغزيرة و"الفيضانات الكارثية" في الولاية، قال حاكم تكساس غريغ ابوت، لشبكة "إم إس إن بي سي" التلفزيونية، "إننا نحتاج إلى وقت طويل لإعادة الإعمار"، مشيراً إلى أن قيمة الأضرار ستصل إلى "مليارات الدولارات".

هذه الكارثة الطبيعية تسبق غيوم إعصار سياسي يتشكّل في أفق واشنطن مع اقتراب شهر سبتمبر/أيلول، وعودة الكونغرس من إجازته الأسبوع المقبل، لكن من الصعب التكهّن بمآله كما هي الحال مع الإعصار الطبيعي. فالرئيس ترامب ما زال يوسع بتصرفاته دائرة خصومه، التي لم تعد تقتصر على الحزب الديمقراطي والصحافة، بل باتت تشمل أيضاً المزيد من أركان إدارته والحزب الجمهوري. وقد فاقمها أخيراً، في تعامله مع أحداث شارلوتسفيل وأجبر كثيرين من أركان إدارته على وضع فاصل بينهم وبينه. فهذه الجهات المفترض أن تكون إلى جانبه في لحظة دقيقة من رئاسته مع قدوم شهر سبتمبر/أيلول، حين يحين موعد استحقاقات هامة، مثل رفع سقف الدين العام لتسديد متوجبات الحكومة، بدأت تكشف عن المزيد من الضيق من خروجه عن المألوف والمقبول. وربما بلغ التأفف والتبرم لدى بعضهم حداً جعله يقترب من التلويح بمغادرة منصبه. مستشاره الاقتصادي غاري كوهن، كتب استقالته وعزف عن تقديمها في آخر لحظة، اعتراضاً على موقف الرئيس المنحاز ضمناً للعنصريين البيض.

كذلك فإن وزير الخارجية ريكس تيلرسون، بدا في مقابلة الأحد الماضي مع أحد البرامج الإخبارية، الأكثر امتعاضاً من موقف الرئيس في هذا الخصوص وبما يفيد بأن صبره بات على وشك النفاد. "الرئيس يتحدث عن نفسه"، قال تيلرسون في جوابه على سؤال عما إذا كان موقف ترامب يمثّل "القيم الأميركية". وأضاف: "أنا أعربت عن موقفي في هذا الصدد". وكان قد أفصح عن عدم رضاه في كلمة ألقاها في وزارة الخارجية، حين قال إن "الذين يحتضنون خطاب الكراهية إنما يعملون على تسميم الجو العام ويلحقون الضرر بالبلد الذي يدّعون أنهم يحبونه". كلام تيلرسون هذا كان موجّهاً مباشرة إلى الرئيس، وبذلك فهو يشي بأن الكيل قد طفح لديه وأن استمرار ترامب في خطه التصادمي قد يضطره إلى المزيد من الابتعاد عن البيت الأبيض، مع ما ينطوي عليه ذلك من عدم استقرار في السياسة الخارجية، أو ربما إلى المغادرة.


مواقف ترامب تنعكس كذلك خلافات في الشارع الأميركي، كان آخرها صدامات في مدينة بيركلي بولاية كاليفورنيا الأحد، بين مؤيدين للرئيس الأميركي وآلاف آخرين مناهضين له قاموا بتظاهرة مضادة لهم. وجرت تظاهرة بشكل سلمي في بيركلي قبل أن تتحول إلى اشتباكات بين المعسكرين في منتزه لوثر كينغ جونيور الذي أُغلق أمام العامة. وبدأت الصدامات حين قام مئات الناشطين المناهضين للفاشية والذين ارتدوا ملابس سوداء، باجتياز الحواجز التي وضعتها الشرطة للفصل بينهم وبين التظاهرة المؤيدة للرئيس وشعارها "لا للماركسية في أميركا". وعمد المشاركون في التظاهرة المضادة إلى تطويق مؤيدي ترامب على وقع هتاف "لا لترامب، لا للكوكلاس كلان، لا لأميركا فاشية" و"أيها النازيون عودوا إلى منازلكم". وقالت الشرطة التي اقتادت عدداً من أنصار الرئيس ممن كانت وجوههم مغطاة إلى خارج المنتزه، إنها اعتقلت 14 شخصاً، غالبيتهم لانتهاكهم حظر ارتداء اقنعة أو لحملهم هراوات أو أسلحة بدائية أخرى. وذكرت صحيفة "لوس أنجليس تايمز" أن الشرطة أطلقت رصاصاً مطاطياً على متظاهر حاول عبور حاجز ليدخل إلى الحديقة، بينما ألقى محتجون قنابل دخانية.

مصائب ترامب لا تتوقف عند هذا الحد، فالاتهامات بتدخّل موسكو لصالحه في الانتخابات الرئاسية لا تزال تلاحقه، وكان آخرها ما كشفته صحيفة "واشنطن بوست"، من أن شركة يملكها الرئيس الأميركي سعت لإبرام صفقة عقارية في موسكو أثناء مسعاه للوصول إلى البيت الأبيض أواخر 2015 ومطلع 2016. ونسب التقرير ما جاء فيه إلى أشخاص مطلعين على مساعي إبرام الصفقة وسجلات اطّلع عليها محامو منظمة ترامب. وقالت الصحيفة إن مستثمرين في شركة ترامب وقّعوا خطاب نوايا لبناء برج ترامب في موسكو، لكن المشروع الذي كانت تنقصه الأرض والتصاريح لم يكتمل وانتهى في أواخر يناير/كانون الثاني 2016 أي قبل بدء الانتخابات التمهيدية الرئاسية.

وكشفت الصحيفة الأميركية أن المفاوضات الجدية بشأن مشروع موسكو بدأت في سبتمبر/أيلول 2015، لكن لم يتضح إن كان ترامب على دراية بالأمر أو أنه أدى أي دور. وأشار التقرير إلى أن مطوّراً عقارياً من مواليد روسيا حث ترامب قبل التخلي عن المشروع على زيارة موسكو للترويج للصفقة، وأشار إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يقول "كلاماً عظيماً" عن ترامب. لكن الصحيفة قالت إن ترامب لم يذهب إلى موسكو قط.
يأتي ذلك في ما تستمر تحقيقات مستشار مستقل ولجان في الكونغرس حول احتمال تواطؤ مساعدين في حملة ترامب الانتخابية مع روسيا للتأثير في انتخابات الرئاسة العام الماضي. ونفى ترامب والحكومة الروسية أي تواطؤ. وفي يوليو/تموز 2016 نفى ترامب أن تكون له علاقات عمل مع روسيا، وقال على تويتر: "للتاريخ أقول: ليست لدي أي استثمارات في روسيا".