فرص الفلسطينيين لقلب وضع القدس لصالحهم

10 ديسمبر 2017
من مواجهات بيت لحم أمس (موسى الشاعر/فرانس برس)
+ الخط -


منح إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس المحتلة "عاصمة لإسرائيل"، الفلسطينيين فرصة لتحسين مكانتهم في الصراع ضد الاحتلال، من خلال إحداث تحولات جذرية على بيئته الإقليمية، الداخلية، والدولية. إقليمياً، بإمكان قيادة السلطة الفلسطينية استغلال انعقاد قمة دول منظمة التعاون الإسلامي وجلسة الجامعة العربية، لتوفير شبكة أمان عربية وإسلامية للثوابت الفلسطينية، تحديداً القدس، وذلك لتقليص فرص تعاون بعض القوى الإقليمية العربية مع ترامب وإسرائيل، في محاولة تمرير بعض مشاريع التسوية المتعلقة بالحقوق الوطنية الفلسطينية في القدس وبقية ثوابت القضية الفلسطينية.

في هذا السياق، فإن في وسع القيادة الفلسطينية استصدار قرارات تنص على وقوف دول كثيرة خلف مطلب السلطة الفلسطينية، المتمثل في "دولة فلسطينية على كامل الأراضي التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين". وهذا المكسب يقلّل من قيمة مبادرة "السلام العربية" الرابطة بين حل الصراع والتطبيع مع إسرائيل، ويسدل الستار في الوقت عينه على الأفكار التي قُدّمت أخيراً بوصفها مبادئ لـ "صفقة القرن"، وضمنها خطة تنصّ على تدشين دولة فلسطينية مع بقاء المستوطنات من دون القدس. وهي الخطة التي ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن "ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عرضها على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس".

إلى جانب ذلك، فإن القيادة الفلسطينية بإمكانها استغلال اجتماعات دول منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية للحصول على دعم دولهما في إسناد التحركات الفلسطينية في المحافل الدولية، وعلى رأسها المطالبة باعتراف الأمم المتحدة بفلسطين كدولة كاملة العضوية في الجمعية العامة، واستكمال إجراءات تقديم الدعاوى ضد إسرائيل أمام محكمة الجنايات الدولية، تحديداً المرتبطة بالاستيطان والجرائم التي ارتكبت في قطاع غزة خلال الحروب الثلاث الأخيرة.

كما أنه يمكن للفلسطينيين محاولة تمرير قرارات ملزمة للدول العربية بعدم التعاون مع الإدارة الأميركية، ولا دعم مبادرات تدّعي واشنطن أنها "بصدد عرضها لحل الصراع". في المقابل فإن على القيادة الفلسطينية قبل ذلك قطع التزام أمام الشعب الفلسطيني بعدم التجاوب مع أية تحركات أميركية قبل تراجع ترامب عن قراره. ونظراً لأن الإدارة الأميركية في محاولة حثيثة لإقناع قيادات دينية إسلامية بمسوغات قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، من خلال مخطط نائب الرئيس الأميركي مايكل بنس الالتقاء بعدد من هذه القيادات، فإن الفلسطينيين بإمكانهم التحرك لدى هذه القيادات وإبراز خطورة التجاوب مع المخطط الأميركي.



مع العلم أن إعلان شيخ الأزهر أحمد الطيب رفضه لقاء بنس ودعوته لاندلاع انتفاضة ثالثة، جعل مهمة الأميركيين بالغة الصعوبة. وفي ظل بروز مظاهر الرفض الجماهيري الفلسطيني والعربي للخطوة التي أقدم عليها ترامب، فإنه من المستحيل على القوى الإقليمية العربية المتناغمة مع ترامب التحرك لإحباط التحرك الفلسطيني.

وعلى الصعيد الداخلي، فإن تطور حركة الاحتجاجات الجماهيرية على الخطوة الأميركية إلى مقاومة شعبية في المناطق الفلسطينية، ستكون التحرك الأكثر تأثيراً على سلطات الاحتلال. فأنماط المقاومة الشعبية تجمع بين ميزتين أساسيتين، وهما: نجاعتها في التشويش على قدرة إسرائيل على إدارة مشروعها الاحتلالي في الضفة والقدس، وفي الوقت ذاته تقلص من مسوغات استخدام جيش الاحتلال القوة المفرطة في التعاطي معها.

في هذا الإطار، ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي، أخيراً، أن "مظاهر المقاومة الشعبية التي تخشاها القيادة الإسرائيلية تتمثل في تحرك الجماهير الفلسطينية لإغلاق الشوارع والطرق الالتفافية التي يسلكها المستوطنون اليهود والجيش الإسرائيلي في أرجاء الضفة، والتوجه إلى المستوطنات ذاتها، إلى جانب تحدي مظاهر (السيادة) الإسرائيلية في القدس الشرقية ومحيطها، من خلال عدم التعاون مع السلطات المدنية والعسكرية هناك".

كما أبدى البعض لدى الاحتلال قلقهم من أن "يدفع إعلان ترامب الفلسطينيين لتكثيف مقاومتهم لحملات المداهمة التي يقوم بها المستوطنون اليهود للحرم القدسي، وما يمكن أن ينطوي عليه هذا التطور من تداعيات". ورأت دولة الاحتلال أن "إقدام الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة على إطلاق القذائف الصاروخية على مستوطنات (غلاف غزة) يحسّن من قدرة إسرائيل على التأثير على جدول الاهتمامات الفلسطيني والإقليمي والدولي، بشكل يحرّف الاهتمام عن القدس وقضيتها". وقد نجحت سلطات الاحتلال في تسويق عمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على أنها "مسّ بسيادتها" وسمح لها باستنفاذ قوتها في الرد على هذه العمليات، حتى أنها قد تستغل إطلاق الصواريخ لتسويغ شن حملة عسكرية واسعة على القطاع تسهم في خلط الأوراق بشكل يفضي إلى تصفية الاهتمام بقرار ترامب.


المساهمون