سلّط تقرير منظمة "العفو" الدولية، الثلاثاء، الضوء على فظاعات النظام السوري بحق المعتقلين، بعد إشارته إلى قيام سلطات بشار الأسد بتنفيذ إعدامات جماعية سرية شنقاً بحق 13 ألف معتقل، غالبيتهم من المدنيين المعارضين، في سجن صيدنايا قرب دمشق، خلال خمس سنوات منذ بداية الثورة في سورية. لكّن حكايات "المسالخ البشرية" في سورية قديمة العهد، بعضها معروف، وبعضها تبقى أسرارها دفينة غياهب العذاب، في سجون النظام وأقبية الأجهزة الأمنية.
ومع أنّ الحديث عن ظلامات السجون والمعتقلات في سورية يطول، إلا أنّ "العربي الجديد" بعد أن تناول في جزأين سابقين موضوع السجون الرسمية للنظام؛ يحاول من خلال هذا الجزء تسليط الضوء على ملفّ السجون الأمنية والسرية.
السجون الأمنية
هي تلك التي تتبع الأجهزة الأمنية المختلفة في البلاد، وتقسّم أجهزة المخابرات في سورية التي تشكّل العمود الفقري للنظام، إلى أربعة أجهزة متداخلة الصلاحيات والمهام وهي؛ المخابرات الجوية، المخابرات العسكرية، المخابرات العامة (أمن الدولة)، والأمن السياسي. وأشد تلك الأجهزة قمعية وأكثرها حساسية جهازا المخابرات العسكرية والمخابرات الجوية، بينما يعتبر جهاز الأمن السياسي أكثر الأجهزة انتشاراً وتغلغلاً بين الشعب ومراقبة له.
وينقسم كل جهاز من تلك الأجهزة إلى فروع (في حالتي المخابرات العسكرية والمخابرات العامة يكون لكل فرع رقم ثلاثي معروف به، أما في حالتي المخابرات الجوية والأمن السياسي فيعرف الفرع باسمه)، وينقسم كل فرع من تلك الفروع إلى أقسام، وينقسم كل قسم حسب التخصصات؛ إما إلى مفارز، أو خلايا (في حالة النشاط الخارجي) وإما إلى مجموعات.
وهكذا يكون التقسيم الهرمي من الأعلى للأدنى على الشكل الآتي:
الجهاز الاستخباري - فرع - قسم - مفرزة أو مجموعة أو خلية.
ولتلك الأجهزة علاقة مع مكتبين أمنيين هما: مكتب الأمن القومي (وصار يسمى حديثاً مكتب الأمن الوطني) ومكتب أمن الرئاسة (ويسمى رسمياً بالمكتب الخاص).
* الأمن العسكري (المخابرات العسكرية):
وتكون لفروعه أرقام ثلاثية، وفروعه في دمشق هي:
- الفرع 291: الفرع الإداري، ويسمى أيضاً "فرع المقر" وهو القلب النابض للجهاز حيث يحتوي على ملفات جميع العاملين في هذا الجهاز، ويقوم بمراقبة العاملين ضمنه منعاً لأي اختراق.
- الفرع 293: فرع شؤون الضباط أو أمن الضباط، يحتوي على ملفات ضباط الجيش ويقوم بمراقبتهم، وله دور كبير في ترقيتهم أو إبعاد أو نقل ضباط الجيش أو تعيينهم في مراكزهم، ويملك رئيس هذا الفرع إمكانية الاتصال مباشرة برئيس الجمهورية.
- الفرع 294: فرع أمن القوات، وهو المسؤول عن مراقبة جميع قطع الجيش والقوات المسلحة، باستثناء القوات الجوية والدفاع الجوي.
- الفرع 235: فرع فلسطين، وهو من أهم أفرع هذا الجهاز وأقدمها، وهو فرع ضخم جداً يكاد يكون حجمه بحجم جهاز استخباري منفرد، ونشاطه داخلي وخارجي، وكان من المفترض أن يكون مخصّصاً للنشاط ضد إسرائيل، وما يتعلّق بالحركات الفلسطينية، لكنّ نشاطه في عهد حافظ الأسد توسّع ليشمل نشاطه مطاردة الحركات الإسلامية واختراقها.
ويقع فرع فلسطين أو الفرع /235/ التابع للمخابرات العسكرية، في منطقة القزاز جنوب العاصمة دمشق، على مساحة أرضية واسعة، وقد أسّس في بداية حكم حافظ الأسد. اشتهر الفرع بوحشية الأساليب التي يتبعها مع المعتقلين، والتي تشمل التحرّش الجنسي والاغتصاب، والتعذيب بالصعق الكهربائي، والمنع من النوم لأكثر من ثلاثة أيام متواصلة.
- فرع المعلومات: وهو فرع يتخصص بالمعلومات العامة للجهاز والدراسات المختلفة.
- الفرع 211: الفرع الفني، ويسمى أيضاً فرع الحاسب الآلي أو فرع الكمبيوتر ويختص بالإنترنت والحاسب الآلي والخدمات المتعلقة بالكمبيوتر ومراقبة الإنترنت.
- الفرع 225: ويسمى فرع الاتصالات، ويختص بالاتصالات الداخلية والخارجية التي تتم عبر الهاتف أو المحمول أو الفاكس، ويستطيع التحكّم مباشرة بكل الاتصالات داخل سورية كحجب أرقام معينة، أو قطع مكالمات، أو تعطيل خدمة الرسائل القصيرة عن أحد الأرقام، أو إيقاف رسالة قبل وصولها والتنصّت عليها، ويتداخل عمله في مجال الإنترنت كثيراً مع الفرع 211.
- الفرع 248: فرع التحقيق العسكري، وهو بمثابة هيئة التحقيق الرئيسية لجهاز الأمن العسكري، ويعتبر ثاني أقذر فرع في الجهاز من حيث الانتهاكات بعد فرع فلسطين.
- الفرع 215: فرع المداهمة والاقتحام.
- الفرع 216: فرع الدوريات.
* المخابرات الجوية:
هو أكثر الأجهزة ولاء للنظام، وأكثرها موثوقية لديه وتكليفاً بالمهام السرية والحساسة.
المعلومات المعروفة عن هذا الجهاز أقل من المعلومات المعروفة عن الأجهزة الأخرى، لطبيعته السرية وصغر حجمه، مقارنة مع الأجهزة الأخرى، فضلاً عن ندرة احتكاكه بالمدنيين قبل الثورة السورية عام 2011، إلا في حالات خاصة.
يعتبر هذا الجهاز الأول بين الأجهزة الاستخبارية من حيث الكفاءات البشرية والتقنية، وهو الجهاز الذي يحتوي على أغلبية من الطائفة العلوية على مستوى العناصر والضباط. تتبع له عدة فروع منها فرع التحقيق؛ وهو هيئة التحقيق الرئيسية لجهاز المخابرات الجوية (رغم أنّ كل فرع من فروع الجهاز المركزية والإقليمية يملك قسم تحقيق خاصاً به)، ويعتبر من أشنع وأقذر فروع المخابرات التابعة للنظام في التعذيب. ولدى المخابرات الجوية فرع أيضاً في مطار المزة، يعتبر مسؤولاً عن أمن المطار الرئاسي، وأمن الطائرة الرئاسية، وربما هذا الفرع مسؤول أيضاً عن المهام الاستخبارية المتعلّقة بالأمن الشخصي للرئيس أثناء تنقّلاته في الخارج. كما أنّ هناك فروعاً إقليمية له تنتشر في عدد من المحافظات السورية.
* أمن الدولة (المخابرات العامة):
له عدة فروع في العاصمة دمشق، تأخذ أرقاماً ثلاثية مثل الفرع 251، أو الفرع الداخلي، ويهتم بمراقبة المجموعات السياسية المختلفة. والفرع 255 أو فرع المعلومات، والفرع 279 أو الفرع الخارجي، والفرع 300 أو فرع التجسّس، وفرع التدريب، إضافة إلى فرعي التحقيق والمداهمة والاقتحام. وعلى غرار الأجهزة الأخرى، له فروع في بقية المحافظات السورية.
* الأمن السياسي:
هو أكثر الأجهزة الاستخباراتية تغلغلاً في المجتمع، واحتكاكاً بالمدنيين، ويتبع نظرياً إلى وزارة الداخلية. يغطي نشاطه كل أنحاء البلاد، ويتدخّل في حياة المواطنين اليومية مثل طلبات ترخيص الأعمال، والمنشآت التي تتطلب موافقة ذلك الجهاز الذي يعتبر خزان المعلومات لدى النظام عن المدنيين، وهو ما جعل ضباط وعناصر هذا الجهاز يمارسون عمليات استغلال النفوذ والرشاوى، وفرض الأتاوات على المواطنين على نطاق واسع.
يترأسه حالياً اللواء محمد ديب زيتوني، ويعتبر مدير فرع الأمن السياسي في كل محافظة المسؤول الأمني الأول في تلك المحافظة بعد المحافظ.
ولجميع هذه الفروع الأمنية صلاحية اعتقال المواطنين والتحقيق معهم، وزجّهم في معتقلاتها السرية أو أقبية مبانيها التي تضم عشرات آلاف المعتقلين الذين قضى الآلاف منهم، نتيجة التعذيب الوحشي.
ومن مراكز الاعتقال المهمة لأجهزة النظام الأمنية، مطار المزة العسكري الذي يعتبر بمثابة رئة النظام في دمشق وريفها، ويضم بداخله فرقاً أمنية ومخابراتية متعددة؛ منها المخابرات الجوية والدفاع الجوي؛ وسرية المهام الخاصّة التابعة للمخابرات الجوية. ويبعد مطار المزة العسكري عن مركز العاصمة نحو خمسة كيلومترات، وقد منع حافظ الأسد منذ تأسيس المطار أن تجاوره مبان عالية، إذ إنّ أقرب مبنى مرتفع يبعد عن المطار أكثر من كيلومترين.
سجون سرية
تنتشر العديد من السجون السرية في مناطق سيطرة قوات النظام ومليشياته التي يزج بها المعتقلون السوريون، ويقضون فيها مدة طويلة دون محاكمة، فضلاً عن مقتل العديدين منهم تحت التعذيب. وتحتوي مدينة اللاذقية، بحسب مصادر المعارضة، على سجون سرية تديرها مليشيات يتبع بعضها لقوات مليشيا "الدفاع الوطني"، وأخرى إلى شخصيات نافذة في نظام الأسد.
وتشير المصادر إلى أنّ المدينة الرياضية في اللاذقية تعتبر السجن السري الذي شهد قتل المئات من المعتقلين واغتصاب آخرين، وتعد من أخطر وأكبر السجون السرية في المحافظة الساحلية، حيث يتم تصفية المعتقلين فيها، أو تسليمهم إلى الأمن العسكري بعد انتزاع اعترافات منهم تحت التعذيب.
ويوجد سجن في اللاذقية يعود إلى رجل الأعمال أيمن جابر، يقع عند مستودعات المرفأ، وفيه مئات المعتقلين المغيبين الذين ما يزال مصيرهم مجهولاً.
كذلك تشير المصادر إلى وجود سجن سري في جبل قاسيون بمدينة دمشق، بإدارة رئاسة فرع مليشيا "الدفاع الوطني" هناك.