ملف الصحراء... احتكار بيد المؤسسة الملكية المغربية

18 ابريل 2018
يحضر هذا الملف في زيارات الملك الخارجية(لودفيك مارين/فرانس برس)
+ الخط -
رغم تواجده خارج البلاد في إجازة استشفائية طيلة أسابيع قضاها في فرنسا بعد تدخل جراحي على مستوى القلب، فإن العاهل المغربي الملك محمد السادس بقي ممسكاً بزمام ملف الصحراء، وموجّهاً رئيسياً لقرارات الرباط بشأن مستجدات التوتر القائم بين المملكة وجبهة البوليساريو، والتلويح برد عسكري ضد قوات الجبهة. فقد أظهرت التطورات الأخيرة لنزاع الصحراء، خصوصاً بعد تلويح الرباط برد عسكري ضد قوات البوليساريو، مدى حضور بصمة الملك في المستجدات الأخيرة، وإمساكه القوي بهذا الملف وتغيراته، من خلال توجيهه للحكومة لاتخاذ مواقف حازمة حيال تحركات البوليساريو داخل المنطقة العازلة للصحراء، وأيضاً دخوله على الخط بتواصله مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.

ووجّه العاهل المغربي تعليماته إلى وزير الخارجية ناصر بوريطة وممثل المملكة في الأمم المتحدة عمر هلال، بتسليم خطاب مكتوب وُصف بقوي اللهجة إلى غوتيريس، بشأن التطورات الميدانية في المناطق المشمولة باتفاق وقف إطلاق النار منذ سنة 1991. وذكرت الرسالة "أن الملك حريص على التعبير باسم كافة القوى الوطنية الحية بمختلف توجّهاتها وانتماءاتها، بخصوص ملف نزاع الصحراء، ورفض المغرب الصريح والحازم والصارم لهذه الاستفزازات والتوغّلات غير المقبولة التي تقوم بها البوليساريو في هذه المنطقة".
وفي خطوة غير مسبوقة اتهم الملك المغربي صراحة الجارة الجزائر بمسؤوليتها في نزاع الصحراء، المستمر منذ نحو 43 عاماً. وخاطب الملك، غوتيريس، بأن الجزائر تتحمّل مسؤولية واضحة، لكونها هي التي تموّل، وهي التي تحتضن وتساند وتقدم دعمها الدبلوماسي للبوليساريو.

وعن هذا الموضوع، قال رئيس مجلس النواب المغربي الحبيب المالكي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إن رد المملكة على توغّلات جبهة البوليساريو في المنطقة العازلة بالصحراء اتسم بصفتين رئيسيتين، الأولى أنه كان منسجماً مع توجيهات الملك وخُطبه، ومنسجماً مع خيارات المغرب في هذا النزاع المفتعل، والثانية أنه كان رداً حازماً وقوياً أربك حسابات خصوم الوحدة الترابية للبلاد.
وأضاف المالكي أن العاهل المغربي أظهر كعادته قوة وحزماً في الأحداث الجديدة في الصحراء، وهو ما ظهر بوضوح في رسالته في 4 إبريل/نيسان الحالي إلى الأمين العام للأمم المتحدة، مشيراً إلى أن العاهل المغربي يعبّر عن لسان الأمة المغربية بكاملها، ويتحدث بلسانها خصوصاً في موضوع الوحدة الترابية للبلاد، وهو ما يفسر تجنّد المغاربة وراءه في هذا الملف.


من جهته، أكد الخبير المغربي في الشؤون الاستراتيجية والعلاقات الدولية محمد عصام لعروسي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المؤسسة الملكية تبقى الأساسية في مواكبة التطورات القائمة في ملف الصحراء رغم تواجد العاهل المغربي خارج البلاد. وعزا لعروسي البصمة الملكية في ملف الصحراء ومستجداته الأخيرة إلى اعتبارات عدة رئيسية، "أولها إمساك الملك المغربي بكل خيوط القضية من الناحية الدستورية والاستراتيجية، ذلك أن جلّ المبادرات الدبلوماسية البناءة كانت نتيجة المجهود الرسمي للدبلوماسية الملكية". وأضاف أن "الدبلوماسية الملكية استطاعت انطلاقاً من مفهوم المجال المحفوظ المنصوص عليه دستورياً باعتبار رئيس الدولة هو الفاعل الدبلوماسي الأول في المملكة، أن تؤسس لدينامية جديدة لقضية استكمال الوحدة الترابية، من خلال نهج سياسة الاحتواء للمنطقة الأفريقية بدل سياسة الكرسي الفارغ التي تم اعتمادها سابقاً".

ولفت لعروسي إلى أن اللقاء الذي جمع الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العاشر من إبريل الحالي في قصر الإليزيه "يعطي إشارة قوية باستمرار التشاور مع الدول الصديقة للمغرب لمواجهة التطورات الحالية، والتلويح بالحرب الذي يعتبر دستورياً من الصلاحيات الملكية الخالصة بعد التشاور مع المؤسسات الدستورية".

اعتبار آخر لحضور المؤسسة الملكية في ملف الصحراء، أجمله الخبير نفسه في "عمل المؤسسات الموازية، الجهات الأمنية والاستخباراتية ووزارة الداخلية، على توفير كل المعطيات اللازمة للمؤسسة الملكية في قضية الصحراء، لكي تظل المؤسسة هي صانعة القرار رقم واحد في المملكة، في حين يقتصر دور وزارة الخارجية على تنفيذ الأجندة الملكية، والحرص على إنجاز المهام الموكلة لها داخل سياق الدبلوماسية الرسمية". وأضاف "لهذا السبب وعلى غرار باقي الدول الغربية، كالولايات المتحدة على سبيل المثال، فإن قضايا السياسة الخارجية تكون من اختصاص رئيس الدولة، وتؤدي المؤسسات الموازية دوراً في استصدار القرارات ذات الأهمية القصوى كمجلس الأمن القومي الأميركي".

ولاحظ لعروسي أن "الأحزاب السياسية ما زالت تقوم بدور رد الفعل من خلال تثمين المبادرات الملكية في قضية الصحراء، كما حصل مع الهجمة على المبعوث الأممي السابق إلى الصحراء كريستوفر روس، الذي انحاز لأطروحة البوليساريو، أو ممارسة الاحتجاج على موقف الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون بعد تصريحاته المسيئة للمغرب أثناء زيارته لمخيمات البوليساريو". ولفت إلى أن "إعلان العيون" الذي جمع الحكومة وزعماء الأحزاب السياسية المغربية، "والذي ندد بالتصعيد العسكري من قِبل البوليساريو، ومن ورائها الجزائر، جاء من باب المؤازرة وتعزيز الدبلوماسية الملكية الرسمية التي استطاعت في العديد من المحطات أن تعيد ملف الصحراء إلى المربع الأول".

واستدل الخبير الاستراتيجي بتقرير الأمم المتحدة الصادر هذا الشهر، "فرغم كونه يتميز بلغة دبلوماسية شديدة المرونة والضبابية، غير أنه لم يشر إلى توسيع صلاحيات بعثة المينورسو إلى الصحراء، لمراقبة مسألة حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية". وتوقف لعروسي عند ما سماه "الدور الرمزي والخافت لمؤسسة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، التي ليس لها أثر كبير في مخرجات قضية الصحراء"، موضحاً أنها "جهة استشارية ومؤسسة ظل تعمل وفق التعليمات الملكية، وبالتالي ليس لها القوة التقريرية في مقابل المؤسسة الملكية". وخلص لعروسي إلى أن "المؤسسة الملكية في المغرب ما تزال تحتكر القرار السيادي في تناول مستجدات قضية الصحراء، كما أنها توظف كل الآليات الرسمية وغير الرسمية لاختيار النهج الأسلم للمرحلة المقبلة"، على حد تعبيره.