السيسي في باليرمو: حفتر ضمانتنا ضدّ التيارات الإسلامية

15 نوفمبر 2018
عبّر السيسي عن عدم رضاه على الرؤية الإيطالية للمشهد(Getty)
+ الخط -
وصفت مصادر دبلوماسية مصرية مشاركة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مؤتمر باليرمو الأخير بشأن ليبيا، بأنها "إيجابية بالنسبة للقاهرة ورؤيتها المؤكدة على ضرورة تمتّع الجيش الليبي بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بوضع خاص في مؤسسات الدولة بعد الانتخابات"، مشيرةً إلى أنّ حديث السيسي مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، والرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فائز السراج، "كان حاسماً بشأن رفض مصر إعطاء أي فرصة للإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات الإسلامية المدعومة من تركيا وقطر، للمشاركة في الحكومة التي ستفرزها الانتخابات".

وقالت المصادر، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ السيسي حوّل الحديث عن مستقبل ليبيا إلى ساحة لتصعيد خلافاته السياسية مع أنقرة والدوحة، رغم التهدئة البادية في الأفق بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومحاولة تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين على المستوى الاقتصادي، إذ أوضح السيسي أنّ "حفتر هو الضمانة الوحيدة لعدم تكرار ما حدث في مصر بين عامي 2011 و2013 في ليبيا"، زاعماً بذلك أن "وجود جماعة الإخوان في السلطة عقب ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، وخلع الرئيس الأسبق حسني مبارك، قد أدى إلى نمو النشاط الإرهابي والتكفير العنيف في مصر وغيرها من دول المنطقة".

وفي اللقاء الهامشي الذي جمعه مع السراج وحفتر وكونتي والسبسي، والذي أصرّ حفتر على عدم اعتباره جزءاً من مؤتمر باليرمو، طالب السيسي إيطاليا بالعمل مع مصر على توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا، مشيراً إلى أنّ بلاده لن تستطيع بمفردها التحكّم في كل المليشيات، لا سيما في منطقة الجنوب الغربي التي ما زالت عصيّة على عمليات نزع السلاح. كما عرض السيسي على كونتي نتائج آخر لقاء جمع الفرقاء الليبيين في مصر الشهر الماضي، والذي نتج عنه الاتفاق على أن يكون رئيس الجمهورية الليبية قائداً أعلى للجيش، وتضمين ذلك في الدستور الجديد.

وأوضحت المصادر أنّ السيسي رغم ارتياحه الشخصي للسراج وملاحظته تقاربه المطرد مع الفرنسيين، إلّا أنّه وجّه له بعبارات "حاسمة أيضاً" مطالبات بضرورة تحجيم دور الإخوان والتيارات الإسلامية، قائلاً إنه "لا يستبعد أن تفرز الانتخابات إذا جرت بشكل مدروس رئيساً للجمهورية ورئيسين للحكومة والبرلمان يمكن لجميع القوى الإقليمية التعامل معهم بدون مشاكل، بشرط ألا يكون من بينهم إسلاميون"، معبراً بذلك عن الرؤية التي يتشاركها مع الإمارات وروسيا.


وفي اللقاء الثنائي الذي جمعه بكونتي، عبّر السيسي عن عدم رضاه عن الرؤية الإيطالية للمشهد، وحاول الربط بين استمرار العنف والإرهاب غرب مصر وبين استمرار نشاط الهجرة غير الشرعية، الذي تتعاون فيه إيطاليا مع مصر لوجستياً وأمنياً ومالياً أيضاً، مؤكداً "ضرورة وقف حالة عدم الاستقرار والعنف والجريمة المنظمة التي تؤثر سلباً على استقرار مصر، وتمثّل حاضنة مناسبة للتكفيريين والإرهابيين المتحركين عبر الحدود الغربية لمصر، وتتنامى خطورتهم بعد القضاء على معظم التنظيمات المنظمة، وتحولهم بالتبعية لخلايا غير مركزية ومتوارية عن الأعين".

وبحسب المصادر، فإنّ السيسي شارك في مؤتمر باليرمو بعد تواصل مكثّف لساعات بينه وبين كونتي، وبينه وبين حفتر والإمارات وروسيا، مشترطاً عدم الخروج بأي نتائج تمسّ بحفتر أو ترتّب عليه أي التزامات غير متماشية مع المصالح المصرية، وكذلك عدم إنهاء الاتفاق حول طبيعة القوى التي ينبغي تحقيق التوافق بينها قبل إجراء الانتخابات، مجدداً رفضه لإمكانية تحقيق مصالحة شاملة تتضمن الإخوان وتيارات إسلامية أخرى.

أمّا عن موعد الانتخابات المناسب من وجهة النظر المصرية، فذكرت المصادر أنّ السيسي ليس متعجلاً على إجراء الانتخابات، وهو في ذلك يختلف مع الاتجاه الأوروبي والأممي، مرجحةً أن يحاول إثناء حفتر عن القبول بموعد قبل نهاية العام المقبل، علماً أنّ لقاءات باليرمو تمخّضت عن الاتفاق على عقد مؤتمر آخر بداية العام المقبل، لبدء إجراءات الانتخابات في الربيع، الأمر الذي لا تستحسنه مصر.

وبعيداً عن الملف الليبي، كشفت المصادر المصرية أنّ لقاء السيسي وكونتي شهد حديثاً "مطولاً" بقضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في مصر مطلع عام 2016، حيث استفسر كونتي عن مصير الطلب الذي تقدّم به المدعي العام الإيطالي للنائب العام المصري بموافاته بتقرير بما أجرته النيابة المصرية في واقعة مقتل أفراد عصابة سرقة على يد الشرطة وادعاء أنهم وراء قتل ريجيني. وهو السيناريو الذي اضطر النائب العام المصري لنفيه العام الماضي، إذ أشار مدعي عام روما إلى أنّ هناك أدلّة دامغة على تورّط قتلة أفراد العصابة في قتل ريجيني أو التستّر عليه قبل ذلك.

وأوضحت المصادر أن السيسي لم يكن مرتاحاً للحديث عن هذه القضية في باليرمو، لكنّه كرّر حديثه المعتاد عن حرص مصر على تقديم الجناة للعدالة، وهو الحديث الذي وصفه رئيس مجلس النواب الإيطالي روبرتو فيكو في سبتمبر/ أيلول الماضي بأنه "أسلوب ملتف للتستّر على هوية القتلة".

وسبق أن ذكرت مصادر دبلوماسية وقضائية لـ"العربي الجديد"، أنّ مصر ما زالت ترفض إرسال أي مسؤولين أمنيين للتحقيق معهم في روما، لكنها أرسلت تقارير مترجمة من التحقيقات التي أجراها فريق التحقيق المصري المختص مع رجال الأمن بمحطة المترو، وجميعهم من أمناء وأفراد الشرطة، حيث تمت ترجمة الأوراق بواسطة مترجمين معتمدين لدى الجهتين. وفي المقابل، لم تسلم إيطاليا للنيابة المصرية تفاصيل التحقيقات التي أجرتها مع الأكاديمية المصرية مها عبد الرحمن، الأستاذة بجامعة كامبريدج والمشرفة العلمية على ريجيني، في مقر الجامعة وليس في إيطاليا، وكذلك تفاصيل الاتصالات التي جرت مع بعض الأكاديميين الذين أشرفوا على عمل ريجيني بالقاهرة.

وكان وزير الخارجية الإيطالي، إنزو ميلانيزي، قد زار مصر منتصف سبتمبر الماضي، ونقلت عنه الرئاسة المصرية إشادته بـ"التعاون الإيجابي والشفافية بين السلطات المعنية المصرية والإيطالية في قضية ريجيني"، كما أشاد بالتدابير الفعالة التي اتخذتها مصر في ملف الهجرة غير الشرعية منذ سبتمبر 2016.

المساهمون