عامان على رئاسة السيسي: خطط مبكرة للتمديد بصيغة استفتاء

08 يونيو 2016
يروّج السيسي لنفسه إعلامياً (Getty)
+ الخط -
بدأت الآلة الإعلامية للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتمهيد الطريق أمامه للبقاء على كرسي الرئاسة لولاية ثانية، وربما أكثر، بمجرد بلوغه نصف مدته الرئاسية الأولى اليوم، أي بفعل مرور عامين كاملين. وتبارى بعض الكتاب ومقدّمو برامج الفضائيات، والمراكز البحثية في الترويج لضرورة "إقناع" السيسي بالترشح لمدة رئاسية جديدة، محاولين أن يضفوا عليه حالة مصطنعة أو صفة تمنُّع عن الاستمرار في الحكم.

وكان السيسي، الذي ماطل في إعلان ترشحه للرئاسة لنحو عام ونصف العام سابقاً، يحاول في العام الأول من حكمه إبداء التمنّع، إذ لطالما كرّر عبارة "لو بس كمّلت الفترة الأولى"، خلال خطاباته ولقاءاته. إلّا أن الرئيس المصري توقّف، في الآونة الأخيرة، عن تكرار هذا الكلام، تزامناً مع تحوُّل حديثه من الشكوى وتضخيم الأزمات إلى الافتخار بما قدّمه خلال نصف فترته الأولى، وتعظيم النجاحات والإنجازات حتى وإنْ كانت ضئيلة.

خلال حواره الأخير، الذي كان أشبه بخطاب، مع الإعلامي أسامة كمال، بدا واضحاً الحديث المسبق على بقاء السيسي لنهاية فترته الرئاسية الثانية على الأقل، من دون مواربة، إذ سأله المذيع عن موقفه حيال بعض المشاريع التي تم التعاقد عليها وسيبدأ تنفيذها، على الأقل بعد 8 سنوات من الآن، خصوصاً أنه سيكون قد استنفد فترتَيه الرئاسيتين (8 سنوات). أجاب السيسي، "نعمل من أجل الأجيال المقبلة التي ستحصد ثمار جهدنا"، متجاهلاً حديثه القديم عن احتمالية عدم ترشحه لفترة رئاسية ثانية.

ووفقاً للدستور المصري وقانون انتخاب رئيس الجمهورية، يجب على السيسي، والهيئة الوطنية للانتخابات (لم يصدر قانون بتشكيلها حتى الآن)، وبقية الشخصيات الفاعلة في المشهد السياسي أن يستعدوا للانتخابات الرئاسية المقبلة من الآن. فمن المقرر أن تبدأ إجراءات الانتخابات الفعلية في يناير/ كانون الثاني 2018، وهو ما يعني ضرورة اكتمال تحضيراتها وحسم المسائل العالقة فيها سياسياً، وأمنياً، وقضائياً بعد عام، وتحديداً في يونيو/ حزيران 2017. هذه المواعيد الأولية ستكون صحيحة في حال أراد النظام الحاكم لهذه الانتخابات أن تتم، وإذا أراد لها أن تكون انتخابات حرّة فعلياً، وليست مجرد استفتاءات كما كانت طوال عهود الرؤساء السابقين (جمال عبدالناصر، وأنور السادات، وحسني مبارك).

لكن في الواقع، تتناقض هذه المواعيد مع تصرفات الدولة الحالية والهموم التي يعيشها المواطن من تدهور اقتصادي، وغلاء أسعار، وسوء خدمات، وافتقار للحريات والحقوق الأساسية، وسوء في الحالة الأمنية. ولا تبدو البلاد في مقتبل استحقاق ديمقراطي، وحتى وسائل الإعلام لم تطرح إمكانية أن يكون هناك منافس معلن للسيسي بعد أقل من عام من الآن. كما أن البرلمان الغارق في صراعات صغيرة على رضى السلطة ليس لديه أي تصور عن تعديلات تشريعية من الواجب إدخالها على قانون انتخابات الرئاسة استعداداً لهذا الاستحقاق.

هل ستجري انتخابات رئاسية فعلاً بعد أقل من عامين؟ يجيب مصدر حكومي رفيع المستوى في وزارة سيادية، لـ"العربي الجديد" قائلاً: "سيكون هناك استفتاء على الأغلب، وليس انتخابات. مصر ليست في وضع يسمح لها بالعودة إلى التنافس السياسي حتى بالحالة الأدنى للتنافس في انتخابات 2014 التي فاز فيها السيسي على حمدين صباحي باكتساح لدرجة حصول صباحي على عدد أصوات أقل من الأصوات الباطلة"، وفقاً للمصدر.



ويضيف المصدر، "انظرْ إلى الشارع، لا نملك رفاهية دخول معترك سياسي، والنتيجة محسومة سلفاً. السيسي شعبيته كبيرة والانتخابات ستكلف البلاد مزيداً من الأموال والجهود، ولم تعد هناك جهات دولية تقبل التكفل بكل هذه المصاريف كما حدث عامَي 2011 و2012، لذلك فالوضع يسير نحو إجراء استفتاء على استمرار السيسي".

وينص قانون انتخاب رئيس الجمهورية في حال وجود مرشح واحد في ساحة المنافسة على إجراء استفتاء بدلاً من الانتخابات. ويفوز المرشح الوحيد مباشرة إذا فاز بالأغلبية المطلقة (50 في المائة + صوت واحد) من إجمالي عدد الأصوات الصحيحة، من دون اشتراط نسبة تصويت حاكمة. ويوضح المصدر ذاته أنّ "سيناريو الاستفتاء أقل تكلفة من سيناريو الانتخابات"، لافتاً إلى أنّ "الخزانة ستتكبد خسائر بسبب مصاريف اللجان، والتأمين، والإشراف القضائي، وطباعة الأوراق، لكن كل هذه الإجراءات ستكون أبسط بالتطبيق على مرشح واحد بدلاً من مرشحين عدة، خصوصاً على مستوى الاستنفار الأمني من الجيش والشرطة".

ويبدو من حديث المصدر أن الحكومة تريد ترويج سيناريو الاستفتاء من الآن لتخفيف الأعباء عن كاهلها، وهو نفسه ما بدأ الترويج له إعلاميون مثل أحمد موسى مقدّم برنامج "على مسؤوليتي"، عبر قناة "صدى البلد" المملوكة لرجل الأعمال الموالي للنظام محمد أبوالعينين. وأنفق الأخير الكثير من أمواله على الترويج للسيسي في العواصم الأوروبية والولايات المتحدة، وكان حاضراً في حفل تسلم البحرية المصرية حاملة المروحيات (ميسترال)، الأسبوع الماضي.

ويعكس الترويج لسيناريو الاستفتاء، بوضوح، المأزق الذي يعانيه النظام شعبياً. فوفقاً لمصدر سياسي في أحد الأحزاب التي نجحت في الدخول للبرلمان، فإن "النظام يبدو خائفاً من إجراء أي انتخابات حرّة مباشرة قد تؤدي لزيادة نسبة التصويت العقابي ضد السيسي". ويشير المصدر ذاته إلى أنّ "هناك احتمالين لا ثالث لهما؛ الأول أن تعمل الدولة بكل جد لمنع ترشح أي شخص ضد السيسي وتحويل الانتخابات المقبلة إلى استفتاء. والثاني أن يتم تعديل الدستور بمدّ الفترة الرئاسية الواحدة من 4 سنوات إلى 6 سنوات على الأقل، وذلك بمباركة البرلمان الذي سيضمن في هذه الحالة أن ينأى بنفسه عن مخاوف حلّه وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة".

ويضيف المصدر: "عن خبرة وعلاقة سابقة ببعض المقربين من السيسي، فإن الرجل يفكّر في موضوع الانتخابات من الآن، لكن لا يريد طرحه على الرأي العام حتى يبدو متماسكاً وواثقاً من أدائه في الحكم، كما لا يريد فتح المجال أمام دخول شخصيات غير مرغوب بها في منافسة محتملة على الرئاسة"، على حدّ تعبيره.

وحول إمكانية أن يكون حمدين صباحي صاحب دور مساعد عن قصد أو عن غير قصد لتحسين صورة السيسي في ظل تراجع شعبيته هو الآخر، وانعدام فرصه في تشكيل خطورة حقيقية على الرئيس الحالي، يجيب المصدر أنّ السيسي غاضب من حمدين ومجموعته، ووصفهم مدير مكتبه عباس كامل، أخيراً، في جلسة خاصة بـ"جماعة مراهقين سياسيين"، نظراً لمعارضتهم اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية وتقديم عدد من أنصار صباحي المعروفين كمتهمين في قضايا التحريض على التظاهر. ويعتبر المصدر أن "هذه ذروة الخلافات بين السيسي وصباحي بعد مغازلات متبادلة بين عامَي 2013 و2015".



ويكشف حديث هذا المصدر قلق السيسي من "تصويت عقابي" نتيجة تردّي شعبيته الملحوظ على خلفيات اقتصادية وسياسية وأمنية. وهو الأمر ذاته الذي دعا مركز "بصيرة" لبحوث الرأي العام الذي يديره الوزير السابق ماجد عثمان، والمقرّب من الدائرة المخابراتية ـ الرقابية التي شكلها السيسي ويديرها عباس كامل، إلى إنتاج استطلاع للرأي نشرته صحيفة "اليوم السابع" المقربّة من الدائرة ذاتها على صفحتَين، يزعم أن 91 في المائة من المصريين راضون عن أداء السيسي.

وبغض النظر عن الشكوك العلمية التي تحوم دائماً حول استطلاعات هذا المركز والفجوة الواسعة التي بدت بينها وبين الحقيقة، خصوصاً في فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة عام 2011، فإن نشر هذه النسب من التأييد الواسع على الرغم من كل الأزمات الحقيقية التي يعاني منها النظام، يبدو مقدمة لإقناع الرأي العام بأن بقاء السيسي لفترة ثانية وربما فترة ثالثة أصبح ضرورة حتمية "لاستقرار وأمن وتماسك البلاد"، وفقاً لمراقبين.

ويستخدم السيسي في محاولات الإقناع "تشكيلة" من التصريحات والمصطلحات التي تحوّلت إلى عبارات يستخدمها كل وزرائه ومسؤولي الدولة، مثل "يجب الوقوف على قلب رجل واحد لمواجهة محاولات كسر الدولة"، و"الاصطفاف الوطني"، و"الحقوق والحريات لا تقتصر على الحقوق المدنية والسياسية بل تشمل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية"، و"إذا سقطت مصر ستسقط المنطقة وستتعرض أوروبا لخطر داهم"، و"السيسي تسلم مقاليد الدولة وهي أشباه دولة"، وغيرها الكثير.

ويستعين السيسي بهذه "الترسانة" للتغلب إعلامياً على الأخبار السلبية في كل المجالات تقريباً. كما يتّبع أسلوب تضخيم النجاحات، وفقاً لبعض المراقبين، كأن يصبح إصلاح الطرق مشروعاً قومياً، ويتحول مشروع التفريعة الجديدة لقناة السويس إلى "الأضخم في تاريخ مصر"، على الرغم من كل ما تسبّب فيه من إرهاق على الاقتصاد القومي. ما أصبح رفع سعر الجنيه أمام الدولار قرشاً أو قرشين إنجازاً يتفاخر به محافظ البنك المركزي على الرغم من سعر الصرف القياسي للدولار في السوق السوداء، وضعف الصادرات، واتباع سياسة مشددة لترشيد الواردات، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع المحلية وارتباك السوق.

ولا يبدو البرلمان مهتماً بهذه السلبيات، ولا يمانع بقاء السيسي لفترة غير محددة لضمان استمراره بعيداً عن الصدام مع الرئيس الذي قد يؤدي إلى حلّه. وبين الحين والآخر تخرج معلومات عن قرب إعداد تعديل للدستور يقضي بزيادة مدة الفترة الرئاسية الواحدة، وهو الاحتمال الثاني الذي تحدّث عنه المصدر السياسي السابق. غير أن مصدراً حكومياً آخر بوزارة العدل يقول لـ"العربي الجديد"، إن "هذا التعديل غير وارد الآن، وقد لا يلجأ إليه النظام إلاّ في الفترة الرئاسية الثانية من عهد السيسي".

ويلفت المصدر إلى أن هناك شعوراً في أروقة الحكومة بوجود حساسية غربية شديدة إزاء أي أفكار أو مقترحات لتعديل دستور تجاوز عمره العامين بالكاد. ويقول: "التقينا، أخيراً، عدداً من الوفود الدبلوماسية الأجنبية العاملة في مصر، وكان سؤال تعديل الدستور مطروحاً دائماً. وعلى الرغم من النفي القاطع لإثارة الأمر حالياً، أكّدوا معارضتهم أو تحفظهم على تعديل دستور نتج وبدأ تنفيذه في ظل حكم النظام السياسي نفسه".

وعن فرص إجراء انتخابات رئاسية واسعة بعد أقل من عامين، يستبعد المصدر ذاته هذا الأمر، فـ"الاستفتاء قد يكون خياراً ناجحاً لاستمرار السيسي من دون مشاكل". كما يستبعد أن يقدم أحد السياسيين الموجودين على الساحة على منافسة السيسي بمحض إرادته، بما أنه "قد يرى النظام بعد عام من الآن أن صورته دولياً تقتضي إجراء انتخابات وليس استفتاء، وفي هذه الحالة سيتم الدفع بأشخاص محسوبين على النظام أو مأموني الجانب".

وتملك الدائرة المخابراتية ـ الرقابية المحيطة بالسيسي الإمكانات الكافية للتأثير على معظم الأحزاب المصرية التي قبلت الإطاحة بحكم جماعة "الإخوان المسلمين" قبل 3 سنوات؛ سواء للترشيح أو منع الترشيح. كما تتعامل بازدراء واضح مع التيارات المعارضة سواء الدينية أو العلمانية، إلى حد عدم السماح بدخول أكثر من 5 شخصيات معروفة بمعارضتها إلى مجلس النواب القائم.

كما أن طرقاً عديدة يتيحها القانون للتحكم في وتيرة العملية الانتخابية إذا أخذت شكلاً جاداً. فهيئة الانتخابات المزمع تشكيلها وسيتولى البرلمان ورئيس الجمهورية اختيار أعضائها، وفقاً لخبراء قانونيين، تملك استبعاد المرشحين، والتحكم في الدعاية. كما أن قانون التظاهر والتجمهر القائم يضع عراقيل عدة في طريق أي مرشح يسعى للاحتكاك الجدي مع الجماهير، وهي جميعها خلفيات تجعل الشارع المصري غير مهيّأ لاستحقاق ديمقراطي حقيقي.