كازينو لبنان: صندوق السياسيين الأسود

01 فبراير 2015
تستفيد الدولة من ضريبة تصاعدية على أرباح الكازينو(فرانس برس)
+ الخط -

موقف السيارات في كازينو لبنان فارغ إلا من بعض سيارات الموظفين وسيارات النقل المباشر التابعة للتلفزيونات المحلية. لا مقامرون ولا مرابون يقرضون الخاسرين أموالاً، ظناً منهم أنهم سيربحون. تشتاق قاعات الكازينو لزوارها. فإضراب الموظفين يكاد يدخل أسبوعه الثاني.

في الشكل، يعترض 191 موظفاً على طردهم من قبل إدارة الكازينو. تضامنت القوى السياسيّة مع الموظفين، وفي مقدمة المتضامنين حركة أمل والتيار الوطني الحرّ، وأدى الاضراب إلى استقالة عضوي مجلس إدارة الكازينو، جورج نخلة وهشام ناصر، في ترجمة للضغوط السياسية على إدارة الكازينو.

يقول المدافعون عن الموظفين، لـ"العربي الجديد"، إن ثلاثين في المئة من المصروفين مظلومون. وبرأيهم أن هؤلاء يحضرون إلى عملهم، وإذا كان بعض منهم يحضر ولا يعمل، فهذا يقتضي التنبيه وليس الطرد. ويتوسّع العونيون في الشرح: "تم توظيف أكثر من ثلاثمئة شخص في عهد رئيس الجمهورية السابق، ميشال سليمان، وغالبيتهم لا حاجة لهم، فلماذا يُطرد الموظفون الذين لديهم أقدميّة؟". هكذا إذاً، لا يحتاج الأمر لكثير من الوقت ليظهر أن الخلاف الحقيقي ليس نقابياً بالدرجة الأولى، والقصة ليست قصّة حماية حقوق الموظفين، بل هي حماية مصالح قوى سياسيّة يُمثلها هؤلاء الموظفون.

في المقابل، تُصر مصادر مجلس إدارة الكازينو على أن القرار اتخذ بناءً على تقرير لشركة "ديلويت إند تاتش". وتشير إلى أن المطرودين لا يظهرون في العمل، وهو ما عبّر عنه إشعار الصرف الذي تلقوه، والذي نص على التالي: "نظراً لعدم انضباطكم وانتظامكم في العمل وبالتالي عدم إنتاجيتكم لدى شركة كازينو لبنان، مما يجعل استمراركم فيها دون أي مبرر مقبول ويحول بالتالي دون إبقائكم في العمل، لذلك، تقرر اعتباركم مصروفين من العمل على كامل مسؤوليتكم، اعتباراً من مساء يوم الجمعة الواقع فيه 30 يناير/ كانون الثاني 2015". وتُضيف هذه المصادر أن عدم القيام بهذه الخطوة الإصلاحية، والتي قد تتوسّع لاحقاً، قد يؤدي إلى إفلاس الكازينو وإقفال أبوابه عام 2017.

أدى هذا النقاش، الذي فُتح في لبنان بعد إضراب موظفي الكازينو، إلى كشف أسماء عدد من الموظفين، والذين ينالون رواتب كبيرة. وبحسب ما نشرت وسائل إعلام لبنانيّة عدّة، فإن زوجة النائب في التيار الوطني الحرّ، زياد أسود، موظفة، كذلك شقيق الوزير وائل أبو فاعور، وشقيقي مستشار الرئيس نبيه بري، وأقرباء للبطريرك الماروني بشارة الراعي، وصحافيين، إضافة إلى أشخاص محسوبين على سياسيين نافذين. وهذا، ما يدلّ على أن التعاطي مع الكازينو من قبل الطبقة السياسيّة انطلق من اعتباره مساحة "سرقة" سهلة. فالتوظيف في الكازينو لا يحتاج إلا إلى قرار من مجلس الإدارة، الذي يتم تعيينه على أساس محسوبيات سياسيّة. واللافت أكثر، أنه بعدما أعلن أبو فاعور دعمه للخطة الإصلاحية، رد عليه أسود بهجوم غير مباشر على حملته لمحاربة الفساد الغذائي.

فالكازينو يُعدّ الوحيد في لبنان الذي يملك ترخيصاً لألعاب القمار، إذ صدر في عام 1954 مرسوم جمهوري قضى بحصر ألعاب الميسر في كازينو لبنان (افتتح ليلة رأس سنة 1959)، واستمر الكازينو في العمل خلال الحرب الأهلية، واستفادت منه الميليشيات إلى أن أقفل عام 1989 بسبب تدمير أجزاء كبيرة منه. وأعيد افتتاحه عام 1996، بعد أن وقّعت إدارة الكازينو مع الدولة اتفاقية تسمح بموجبها بالاستثمار الحصري لألعاب الميسر في لبنان لمدة 30 عاماً. وتعود ملكية الكازينو إلى شركة "إنترا" التي تحوز 52 في المئة من الأسهم (يمتلك مصرف لبنان 33 في المئة من أسهم إنترا)، وتملك شركة أبيلا 17 في المئة من الأسهم، ومجموعة بنك عودة 7 في المئة، وتتوزع الأسهم الباقية على عدد من المساهمين، جزء منهم غير معروف.

الصندوق الأسود

تستفيد مالية الدولة اللبنانية من ضريبة تصاعدية على أرباح الكازينو، بحسب الاتفاقية الموقعة مع إدارة الكازينو. وتشير المعلومات غير الرسمية، إلى أن أرباح الدولة تصل إلى نحو 3 ملايين دولار أميركي أسبوعياً، بحسب إدارة الكازينو لعام 2011. ويقول موقع وزارة المالية الرسمية، إن الضريبة تصل إلى 40 في المئة على الأرباح.

لكن هذه تُعد الأرباح المنظورة، أما تلك غير المنظورة فقصة أخرى. لا يبدو أن أحداً يُريد الحديث عن هذه الأرباح. لكن الجميع يؤكّد وجود صندوق أسود يستفيد منه في العادة رئيس الجمهورية ومسؤولون نافذون في الدولة اللبنانيّة.

تقول مصادر مطلعة إن الرئيس فؤاد شهاب، الذي افتتح الكازينو في عهده، هو من أوجد هذا الصندوق الأسود، ووضع جزءاً من عائدات هذا الصندوق لتنمية قطاع السياحة في كسروان، حيث يوجد الكازينو.

لكن هذا الأمر ألغي عند إعادة افتتاح الكازينو عام 1996. وصارت عائدات هذا الصندوق تذهب كاملة لرئيس الجمهوريّة ولجهاز الاستخبارات السورية الذي كان مسيطراَ على البلد، إضافةً لعدد من حلفاء النظام السوري في لبنان من سياسيين من كسروان وخارج كسروان متنفذين في الدولة اللبنانيّة، وقد موّل هذا الصندوق عمليات انتخابية وحملات إعلامية ضد سياسيين.

وقد ورد ذكر هذا الصندوق الأسود في تقارير للجنة التحقيق الدولية باغتيال الرئيس رفيق الحريري، عبر الإشارة إلى أن جهات استخباراتية كانت تستخدمه وتتصرف بأمواله من دون حسيب ورقيب لتمويل نشاطاتها واعمالها السرية، وقد يكون بينها اغتيال الحريري.

ولا أحد يعرف قيمة المبالغ التي تدخل الصندوق الأسود. حتى أن أحد المدراء السابقين في الكازينو، غازي عكاري، يقول في حديث صحافي إنه لا يعرف قيمة هذه المبالغ، لكنه يؤكّد وجود الصندوق الاسود "الذي لا يعرف أحد حجم مبالغه المالية الضخمة". ويُضيف عكاري أن هناك نسبة من الأرباح تُخصّص "إلى رئاسة الجمهورية والسوريين منذ عهد الرئيس السابق الياس الهراوي".

وتعتبر صالة ماكينات "سلوت ماشين" الصالة الأبرز التي يتم تهريب هذه الأموال عبرها، وهي التي تدرّ نحو نصف أرباح الكازينو، إذ تؤكّد مصادر مختلفة أن هذه الصالة لا تخضع بالكامل لرقابة دائمة من وزارة المالية، ويتم تهريب جزء من أرباحها دون إخضاعها للضريبة.

ومن المخالفات الكبيرة التي قامت وتقوم بها إدارة الكازينو، السماح لبعض الضباط بالدخول إلى الكازينو، علماً أن هذا الأمر ممنوع في الاتفاقية الموقعة مع الدولة اللبنانيّة، إذ يمنع كل العاملين في السلك العسكري والأمني وأمناء الصناديق المالية في الشركات من الدخول إليه. كما تنص الاتفاقية على عدم السماح للبنانيين بدخول صالة ألعاب الحظ إلا إذا كان دخل اللبناني السنوي يفوق بمئة مرة الحد الأدنى للأجور (868 ألف ليرة حالياً)، أي يجب أن يكون دخل اللبناني أكثر من مليار ليرة سنوياً (نحو 700 ألف دولار أميركي)، وبالتالي دخله الشهري نحو 87 مليون ليرة لبنانية (57 ألف دولار)، وذلك لحماية العائلات اللبنانيّة من الإفلاس؛ وتشير مصادر مختلفة إلى مخالفة هذا البند أيضاً.

دلالات
المساهمون