إعلام السيسي يروج لاتفاق رباعي قريب بشأن سد النهضة

08 يناير 2019
التشغيل الكامل سيكون في عام 2020 (ميناسي وونديمو هايلي/الأناضول)
+ الخط -

تراقب الخارجية والمخابرات المصرية عن كثب المستجدات السياسية والإدارية التي يشهدها مشروع سدّ النهضة الإثيوبي، في ظل مؤشرات تعتبرها مصادر حكومية ودبلوماسية مصرية "إيجابية" لتأجيل وقوع الأضرار المحتملة على مصر إلى ما بعد عام 2022. وفاجأ وزير المياه الإثيوبي سيليشي بيكيلي الجميع، قبل أيام، بإعلان دخول سد النهضة مرحلة التشغيل الكامل في ديسمبر/كانون الأول 2020، لكن السياق الذي تم إعلان هذا الموعد فيه لم يكن إيجابياً على الإطلاق بالنسبة لأديس أبابا.

تصريح الوزير جاء رداً على هجوم نواب من الحزب الحاكم على تعثّر الحكومة في هذا الملف، واتهامات بتعليق المشاكل مع مصر إلى أجل غير مسمى. فأدلى الوزير بهذا التصريح، على الرغم من أنه توقّع، قبل شهرين، أن يبدأ التشغيل في 2022، ارتباطاً بالمشاكل الكبرى التي واجهها المشروع في العام الماضي، وأبرزها سحب توريد القطاعات المعدنية من شركة "ميتيك" الحكومية التابعة للجيش، وانتحار المدير السابق للمشروع سيمنجاو بيكلي، وعدم رسو الجانب المحلي من المشروع حتى الآن على شركة محلية أو مستثمر جديد، ليكمل الأعمال مع شركة "سالفيني" الإيطالية، مع استمرار التأخر في تدشين أجزاء كهروميكانيكية منذ نهاية عام 2017. مع العلم أن التقديرات الإعلامية كانت تدور حول أن إثيوبيا أنجزت حوالي 80 في المائة من الإنشاءات الأساسية للسدّ، وأنه سيكون جاهزاً للعمل قبل عام 2021.

وتروّج وسائل الإعلام المصرية، بتعليمات من الدائرة الخاصة بالسيسي والتي يديرها اللواء عباس كامل، مدير المخابرات العامة ومكتب رئيس الجمهورية، لقرب التوصل إلى اتفاق يراعي حقوق مصر المائية، وذلك لامتصاص القلق والغضب الشعبي الذي تولّد بعد إصدار السيسي، العام الماضي، قانوناً يفتح الباب لمنع زراعة أصناف معينة من الأرز والقصب وباقي المحاصيل المستهلكة لكميات كبيرة من المياه. الأمر الذي أصاب المجتمع بالإحباط من احتمال استسلام النظام للأمر الواقع الذي تحاول إثيوبيا فرضه.

وذكرت المصادر المصرية أن دائرة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي تشعر بالارتياح للتعثر الإثيوبي، لكنها تحاول تأمين مسألتين خلال العام الحالي. المسألة الأولى تتعلق بالحصول على قروض أو مساعدات حقيقية، وليس مجرد وعود من دول خليجية وأوروبية، لإنهاء تجهيزات مشاريع تحلية المياه ببعض مناطق الجمهورية، لتعظيم الاستفادة من مياه البحر، وتعويض أكبر جزء من الخسائر المتوقع تكبدها بعد دخول سد النهضة حيز التشغيل.

أما المسألة الثانية فمتعلقة بحسم فترة سنوات ملء الخزان الرئيسي للسد، والتي تعتبر حتى الآن المشكلة الرئيسية بين القاهرة وأديس أبابا، إذ تحاول الأولى إرغام الثانية حالياً على قبول الملء خلال فترة لا تقل عن 7 سنوات. وكشفت المصادر تفاصيل جديدة عن هذه النقطة، موضحة أن "مصر تضغط لإطالة فترة الملء على 7 سنوات أيضا، بقرارات مشتركة بين مصر والسودان وإثيوبيا، بناء على التغيرات المناخية وكمية الأمطار السنوية في هضبة الحبشة، أما الإثيوبيون فيرفضون حالياً وبشكل مطلق أخذ التغيرات المناخية في الاعتبار عند احتساب فترة الملء، ويتمسكون بإتمامها بين 4 و5 سنوات".


وذكرت المصادر أن "المقترح السوداني الوسيط الذي كان الرئيس عمر البشير يحاول الترويج له، يتمثل في تحديد فترة ملء ثابتة لا تقل عن 6 سنوات، واشتراك الدول الثلاث في تحديد الكميات المخزنة كل عام، ثم ترك القرار لإثيوبيا لتحديد الكميات في فترات الملء المستقبلية، وترفض أديس أبابا هذا الشق نهائياً، وتؤكد احتفاظها المطلق بتحديد الكميات".

ومع استمرار الخلافات حول هذه النقطة المفصلية، تتزايد احتمالات استمرار المفاوضات من دون حل جذري للعام المقبل على أقل تقدير، بحسب المصادر المصرية، التي أوضحت أن "الاستشاري الفرنسي أرسل للحكومات الثلاث، الشهر الماضي، يطلب تحديد موعد لاجتماع جديد بحضوره، ومشاركة وزراء الخارجية والري والمخابرات، لتحديد ما إذا كان سيتم التعاطي مع التقرير الأخير الذي حظى بقبول مصر فقط واعترضت عليه الدولتان الأخريان. لكن مصر أبدت بعض الملاحظات في يونيو/حزيران الماضي، قبل اتفاق كل الأطراف على إحالة جميع الملاحظات للدراسة بواسطة ما يسمى (المجموعة الوطنية المستقلة للدراسات العلمية) التي شُكّلت بصورة سرية من 15 عضواً، بواقع 5 ممثلين لكل دولة. وتختص المجموعة بتقديم توصيات علمية لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث حول عملية ملء الخزان، واستغلال الموارد المائية المشتركة في تنمية الدول الثلاث وفق معايير عادلة، والتأكد من عدم انعكاس عملية ملء الخزان بالضرر على أي طرف".

وذكرت المصادر أيضاً أن "المباحثات المتكررة، في الأشهر الثلاثة الماضية، بين مسؤولي مصر والسودان، وعلى رأسهم السيسي والبشير، تطرقت إلى ضرورة إرجاء الخرطوم اعتراضاتها على حصتها المائية وفقاً لاتفاق 1959، إلى ما بعد حسم مشكلة ملء خزان سد النهضة، وعدم ربط هذا الخلاف بالقضية القائمة وحصره بين البلدين".

وكان السيسي قد ذكر منذ عام أنه "لم تكن هناك أزمة من الأساس حول سد النهضة" بعد اجتماع في أديس أبابا مع نظيره السوداني عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي ميريام ديسالين، على هامش حضورهم قمة الاتحاد الأفريقي، مخالفاً بذلك كل التصريحات الرسمية المصرية التي أبدى فيها المسؤولون قلقهم وغضبهم من انسداد المسار التفاوضي، وميل الخرطوم إلى مواقف أديس أبابا، وعدم مراعاتهما المخاوف المصرية من تفاقم الفقر المائي، في ظل استمرار أعمال بناء السد التي وصلت إلى 65 في المائة، بحسب المسؤولين الإثيوبيين.

وبدأت القاهرة وأديس أبابا، منتصف العام الماضي، مباحثات بشأن المشروع الذي سبق واتفق عليه السيسي مع ديسالين لإنشاء منطقة حرة صناعية مصرية في إثيوبيا، على غرار المناطق الحرة الصينية هناك. وتمّ الاتفاق على توسيع أعمال شركة المقاولون العرب الحكومية وكذلك شركة السويدي للكابلات، وكلاهما تعملان في مجال المقاولات والإنشاءات المعمارية، فضلاً عن دخول عدد من الشركات الحكومية والتابعة لجهات سيادية السوق الإثيوبية في مجالات تصنيع الأخشاب والحديد والصلب والمعادن.

وبحسب المصادر، فإن "هذه الخطوات تؤدي دوراً مساعداً لحلحلة الأزمة الراهنة، بما يخفف الأضرار المتوقعة من فترة الملء الأول للخزان، التي ترفض إثيوبيا بشكل قاطع أن تشارك مصر في إدارتها بتحديد نسب الملء أو الفائض ربع السنوي. لذلك، اتفق السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي الجديد أبي أحمد، خلال اجتماعهما بالقاهرة في يونيو الماضي، على ترك هذه التفاصيل الفنية لتناقش بتوسع في الاجتماعات التساعية (وزراء خارجية ومياه الدول الثلاث مصر وإثيوبيا والسودان، ورؤساء المخابرات في الدول الثلاث".


وسبق للسيسي والبشير وديسالين، أن وقّعوا على اتفاق اشتمل على 10 مبادئ تلتزم بها الدول الثلاث بشأن سد النهضة، في 23 مارس/آذار 2015، وسط حملة انتقادات واسعة من المتخصصين والمراقبين في مصر، الذين أكدوا أن تلك الاتفاقية أضفت شرعية دولية على عمليات إنشاء السد، بشكل يسمح لأديس أبابا بالحصول على التمويل اللازمة من المؤسسات المانحة الدولية، والتي كانت ترفض، في وقت سابق، تقديم أي منح لتمويل السد بسبب الخلافات السياسية حوله مع القاهرة.

وتنص الوثيقة في البند العاشر على أن "تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتها الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا. إذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/رئيس الحكومة".

ووقّعت شركة الكهرباء الإثيوبية، منتصف الأسبوع الماضي، اتفاقاً مع الشركة الفرنسية المُصنّعة للتوربينات الهيدروليكية "جي إي هيدرو فرانس"، لتوليد الطاقة من سد النهضة في أقرب وقت، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية. وبموجب الاتفاق، ستقوم الشركة الفرنسية بتركيب 5 وحدات طاقة إلى جانب توربينين مُصمّمين مُسبقاً لتوليد الكهرباء من السد، إضافة إلى إنتاج توربينات أخرى بتكلفة قدرها 53.9 مليون يورو بالتعاون مع شركة تُدعى "كوميليكس".

كما وقّعت الحكومة الإثيوبية أيضاً مذكرة تفاهم مع شركة "سي جي جي سي" الصينية، لمواصلة عملها، وهي الشركة التي أبرمت اتفاقية مع شركة الإنشاءات الإثيوبية "ميتيك"، إحدى شركات المقاولة التابعة للجيش، قبل أن يصدر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قراراً، بتنحية الشركة من المشروع، وملاحقة عدد من القيادات في الجيش باتهامات متعلقة بالفساد.