اتفاق أنقرة يترنح: إنقاذه بيد الضامنين الروسي والتركي

03 يناير 2017
أزمة مياه بسبب قصف ينابيع وادي بردى(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
يترنح اتفاق وقف إطلاق النار في سورية، والذي رعته روسيا وتركيا، والمدعوم بقرار من مجلس الأمن الدولي، على وقع استمرار خروقات قوات النظام والمليشيات الموالية له، لا سيما في محيط العاصمة دمشق، الأمر الذي دفع الجيش السوري الحر لمطالبة روسيا، بصفتها أحد الطرفين الضامنين للاتفاق وحليفة للنظام السوري، بردع الأخير وإلا تحميله مسؤولية انهيار الهدنة وارتداداتها المتوقعة، تحديداً لجهة تعقيد فرص عقد محادثات في أستانة (عاصمة كازاخستان) أواخر شهر يناير/كانون الثاني الحالي.

ويشكل صمود وقف إطلاق النار اختباراً لأكثر من طرف، تحديداً البلدين الضامنين للاتفاق، أي تركيا وروسيا، ومدى قدرتهما على التعاون في الملف السوري وإنجاح اتفاق أنقرة. وعلى الرغم من غياب مواقف روسية أو تركية واضحة خلال الأيام الخمسة الأولى الماضية من استمرار الخروقات، والتي باتت تهدد بانهيار الاتفاق، إلا أن الملف السوري لم يغب أمس الثلاثاء عن المسؤولين الروس والأتراك. وفي السياق، أكد مركز حميميم (المركز الروسي لتنسيق التهدئة في سورية) أنه يتم إجراء تحقيق في كل خروقات الهدنة التي ترصد واتخاذ تدابير للحيلولة دون تكرارها. ويتضمن اتفاق أنقرة آليات لتسجيل خروقات اتفاق وقف العمليات القتالية عبر تأسيس هيئة مشتركة تركية للتعاطي مع جميع القضايا المتعلقة بخروقات وقف النار، بما في ذلك تقديم مقترحات للأطراف المعنية لمحاسبة الأشخاص المسؤولين عن الخروق ومقترحات للضامنين لاتخاذ آليات عقابية.




بدوره أشار رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، أمس الثلاثاء، في اجتماع لحزب العدالة والتنمية، إلى التغيير في السياسة الخارجية التركية، عبر تصحيح العلاقات مع عدد من البلدان بينها العراق وسورية وروسيا. وأضاف "إن لم تكن هناك سلطة أو دولة في كل من العراق وسورية، فإننا لن نعيش بأمان، ولذلك بدأنا بتصحيح علاقاتنا، صححنا علاقتانا مع روسيا، وتمكنا بالتعاون مع روسيا من التوصل لوقف إطلاق النار، وكذلك تم تمرير الأمر في مجلس الأمن، والآن أيضاً نبذل جهودنا لتحسين علاقاتنا مع العراق".

من جهتها، تدرك فصائل المعارضة ارتدادات اتفاق أنقرة السياسية والعسكرية، الأمر الذي يفسر حرصها على تأكيد الالتزام بوقف إطلاق النار على الرغم من الخروقات المتواصلة من قبل النظام وحلفائه. لكنها في الوقت نفسه كانت واضحة، عبر الإعلان عن تجميد المحادثات الخاصة بأستانة، أنها قد تلجأ إلى خطوات تصعيدية إضافية ما لم تتوقف الخروقات.
ولا يبدو أن النظام السوري، بدعم من إيران وحزب الله، يتجه للالتزام بالاتفاق. وتعكس الحملة المستمرة على عدد من المناطق، تحديداً في ريف دمشق، والتصريحات الإيرانية المتتالية هذا التوجه. وفي السياق نفى مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، أمس الثلاثاء، أن تكون بنود قرار وقف إطلاق النار تشمل شرط خروج عناصر حزب الله اللبناني من سورية، إذ اعتبر ولايتي أن "هذه ادعاءات يطلقها أعداء سورية". وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد صرّح أكثر من مرة أخيراً أنه يتعين "على إيران أن تمارس نفوذها بشكل إيجابي، لا سيما على حزب الله والمجموعات الشيعية والنظام السوري مثلما وعدت في موسكو"، في إشارة إلى اللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا في موسكو خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
في موازاة ذلك، تتضمّن العرقلة الإيرانية للاتفاق محاولة وضع شروط في ما يتعلق بالمشاركين في مفاوضات أستانة. وفي السياق، نقل موقع تسنيم الإيراني عن ولايتي قوله إن "الأطراف التي أدت دوراً تخريبياً في سورية، تحاول اليوم المشاركة في الحوار السياسي حول أزمة هذا البلد". ولفت إلى أن "الشعب السوري هو من يحدد شكل مستقبل بلاده ولا يحق لأي طرف خارجي التدخل في الأمر".
كذلك وصف الحضور الإيراني في سورية بالمشروع، بذريعة أن الحكومة السورية هي التي طلبت من طهران تقديم المساعدة. وعلق على سؤال حول ما إن كانت روسيا ستلتزم بوعودها وستحافظ على المصالح الإيرانية خلال مجريات حوار أستانة المرتقب، مؤكداً وجود تنسيق عالي المستوى حول العناوين المرتبطة بسورية. كذلك وصف التعاون الإيراني الروسي بالاستراتيجي "كونه ساهم في حفظ استقرار منطقة غرب آسيا وأدى لتراجع المخططات الأميركية والغربية في سورية"، على حد وصفه.

خروقات متصاعدة

وتابعت قوات النظام وحزب الله ومليشيات طائفية أخرى، أمس الثلاثاء، خرق اتفاق أنقرة عبر تجاهل الالتزامات التي فرضها الاتفاق، تحديداً لجهة "عدم كسب أراضٍ أو العمل على كسب أراضٍ تحت سيطرة الطرف الآخر".

وتواصل قوات النظام وحزب الله والمليشيات منذ توقيع الاتفاق محاولة قضم المزيد من المواقع التي تسيطر عليها المعارضة في شرقي دمشق، وفي شمالها الغربي. وفي السياق، أعلن "جيش الإسلام"، أحد فصائل المعارضة الموقعة على وثيقة اتفاق وقف إطلاق النار، أنّ "قوات النظام تقدّمت وسيطرت على نقطتين في جبهة البحارية بغوطة دمشق الشرقية، بعد تمهيد بقصف مدفعي كثيف، ومعارك متزامنة على جبهة قرية الميدعاني قرب مدينة دوما، في ريف دمشق". وأفادت مصادر لـ"العربي الجديد"، بوقوع اشتباكات متقطعة على جبهة عين الفيجة في منطقة وادي بردى شمال غربي دمشق، بين "الجيش السوري الحر"، وقوات النظام المدعومة بـ "حزب الله" اللبناني، والتي تحاول اقتحام المنطقة بغطاء جوي وصاروخي، تزامناً مع معارك على جبهة ضهرة وأفرة. كذلك لفتت المصادر إلى أن مروحيات تابعة للنظام استهدفت صباح أمس الثلاثاء قرى وبلدات الوادي بالبراميل المتفجرة.




مشهد الخروقات امتد أيضاً إلى ريف إدلب، بعدما استهدف الطيران الروسي بصواريخ شديدة الانفجار الأحياء السكنية بمدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، ما تسبب بمقتل امرأة، وجرح آخرين بينهم طفل. وأشارت مصادر محلية في إدلب إلى أن مقاتلات روسية، شنت الثلاثاء غارات على مدينة مركز المحافظة، وبلدتي كنصفرة بجبل الزاوية، وقرية الشغر بريف جسر الشغور الغربي، ما تسبب بإصابة عدد من المدنيين بجروح، ودمار في الأبنية السكنية.
من جهتها، قصفت قوات النظام بالمدفعية، مدينة اللطامنة في ريف حماة الشمالي، وفقاً لـ "مركز حماة الإعلامي". وأوضح المركز أنّ فصائل المعارضة ردّت على خرق الهدنة، إذ قصفت بصواريخ غراد معسكراً للنظام في مدينة محردة.

في موازاة ذلك، يواصل النظام سياسة تهجير السوريين، على الرغم من أن اتفاق أنقرة كان واضحا لجهة وضع حد لهذه السياسة، والتي تُحدث تغييراً ديمغرافياً واسعاً في دمشق وريفها. وأكد ناشطون أن النظام يضغط على المدنيين في أحياء دمشق الجنوبية ومنها: ببيلا ويلدا وبيت سحم، من أجل الموافقة على ما يسميه بـ "المصالحات" التي تفضي إلى تهجير مقاتلي المعارضة المتواجدين هناك مع عائلاتهم ومدنيين آخرين إلى شمال البلاد. وتحاول قوات النظام والمليشيات المدعومة إيرانياً، والموجودة قرب تلك المناطق، فرض سيطرة مطلقة على محيط العاصمة دمشق، قبيل أي مفاوضات محتملة في أستانة أواخر الشهر الحالي، في محاولة لفرض شروطها، ورفض أي حديث عن انتقال سياسي وفق بيان "جنيف 1" وقرارات دولية ذات صلة، تدعو إلى تشكيل "هيئة حكم انتقالي" كاملة الصلاحيات.
واللافت أن النظام وحلفاءه لم ينتهزوا فرصة وقف إطلاق النار من أجل إيقاف تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية" شرقي حمص، واستعادة مدينة تدمر التاريخية، بل واصلوا محاولات القضاء على فصائل المعارضة في ريف دمشق، ما يؤكد بالنسبة لمراقبين نية تقويض الاتفاق، ونسف أي محاولات للتوصل إلى حلول تحت رعاية روسية تركية.

التحذير الأول للمعارضة

في غضون ذلك، تحرص فصائل المعارضة على تأكيد التزامها باتفاق وقف النار على الرغم من الخروقات المتلاحقة، في محاولة منها لإثبات أن النظام وحلفاءه غير معنيين بالتوصل إلى تسوية سياسية. وهو ما يفسر قرار المعارضة بالاكتفاء بتجميد أي محادثات متصلة بمفاوضات أستانة المرتقبة أو أي مشاورات مترتبة على اتفاق وقف إطلاق النار حتى تنفيذه بشكل كامل. وأشارت الفصائل في بيان لها أول من أمس الإثنين إلى أن إحداث النظام وحلفائه لأي تغييرات في السيطرة على الأرض، هو إخلال ببند جوهري في الاتفاق، والذي سيصبح لاغياً في حال حصول أي تغيير بمواضع السيطرة الحالية.


وحملت المعارضة روسيا، بصفتها الطرف الضامن لنظام الأسد، مسؤولية انتهاكات قوات النظام المتكررة، خاصة في وادي بردى. وفي السياق، طالب المتحدث باسم "جيش العزة" التابع للجيش السوري الحر، النقيب مصطفى معراتي، روسيا بأن تكون على "قدر المسؤولية" اتجاه اتفاق وقف إطلاق النار. وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنه بات من الواضح عدم التزام النظام بالاتفاق. وأكد أن فصائل المعارضة السورية المسلحة علّقت العمل بالهدنة "حتى يقوم الطرف الروسي بلجم النظام وتنفيذ الاتفاق بشكل كامل".

وأفشل النظام خلال العام الفائت هدنتين رتبتهما روسيا والولايات المتحدة الأميركية، الأولى في شباط/ فبراير، والثانية في سبتمبر/ أيلول، وهي ما تُعرف بهدنة "لافروف كيري"، نسبة لوزيري خارجية البلدين الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري.

وفي السياق، أوضح النقيب أمين ملحيس، وهو قيادي بارز في "جيش المجاهدين" العامل بريف حلب، أن النظام "لا يزال يواصل سياسته القائمة على التهجير والقصف، ومحاولات اجتياح مناطق تسيطر عليها المعارضة، كما هو حاصل اليوم في منطقة وادي بردى"، مشيراً إلى أن طيران روسيا وهي ضامن، قصف ريف حلب الغربي" خلال أيام الهدنة. وأكد ملحيس في حديث مع "العربي الجديد" أن كل هذا "لا يجعل الاتفاق يترنح فحسب، بل ينسفه بالكامل"، مشيراً إلى أن فصائل الجيش السوري الحر أعطت الروس فرصة لوضع حد للخروقات، مستدركاً بالقول "نعتقد أن موسكو فقدت السيطرة على المليشيات الطائفية، وهو من يدعمها في الخروقات"، مؤكداً في ذات الوقت، أن لدى فصائل المعارضة القدرة والجاهزية على الرد واستهداف مصادر نيران قوات النظام، والمليشيات في مختلف المناطق.

وأشار ملحيس إلى أن المعارضة السورية تثبت في كل مرة التزامها بالهدن "لكن لنا حق الدفاع عن أنفسنا، وعن شعبنا"، مطالباً المجتمع الدولي والضامن الروسي بتحمل المسؤولية وعدم إعطاء النظام فرصة لتقويض اتفاق أنقرة كما فعل في هدن سابقة. ولا يزال الغموض يكتنف الاستعدادات لمفاوضات أستانة المتوقعة أواخر الشهر الحالي، إذ لم توجه دعوات للجهات المدعوة لحضوره، في ظل أنباء عن نية موسكو دعوة منصات سورية (معارضة) متهمة بالتماهي الكامل مع المشروعين الروسي والإيراني في سورية، والمتناقض مع أهداف الثورة السورية، المطالبة بتغيير سياسي شامل، لا يكون للأسد وأركان حكمه أي دور فيه.
وأعرب بسام العمادي سفير الائتلاف الوطني السوري في العاصمة الإيطالية روما، عن قناعته بأن مصير مفاوضات أستانة "مجهول"، بسبب عدم معرفة من يشارك فيها. وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن حضور ما سمّاه بـ "جوقة" موسكو والقاهرة وأستانة في المفاوضات يعني بأنها محكومة بالفشل. ورأى أن مشاركة هذه (المنصات)، تعني أيضاً أن النظام يحاور نفسه.

وحاول النظام وحلفاؤه، خلال سنوات الثورة، خلق منصات معارضة من شخصيات متهمة بمهادنته، والعمل لصالحه باتت تعرف بمعارضة موسكو، أو القاهرة، أو أستانة، بسبب عقد مؤتمراتها في هذه العواصم، بهدف الإيحاء أن المعارضة السورية منقسمة على نفسها، ولفرض حلول تضمن بقاء الأسد ونظامه في السلطة. كما تبقى مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يتزعمه صالح مسلم من دون حل، في ظل رفض تركي لحضوره في المفاوضات المرتقبة، إذ تعتبر أنقرة الحزب منظمة إرهابية؟ كما ترفض الهيئة العليا للمفاوضات وجوده، وتتهمه بممارسة عمليات تهجير واسعة في شمال، وشمال شرقي سورية عن طريق ذراعه العسكرية "وحدات حماية الشعب" التي تشكّل الثقل الرئيسي فيما يُسمّى بـ "قوات سورية الديمقراطية". كما تتهم المعارضة الحزب، بالتحالف العسكري مع النظام، وبأن لديه نزعة انفصالية تجلت في ما يُسمّى بـ "الإدارة الذاتية"، ومحاولته فرض فيدرالية في شمال سورية يرفضها غالبية السوريين، وأحزاب كردية فاعلة منضوية في المشروع الوطني السوري.