وثائق الخارجية الأميركية(4): الثورة الإيرانية سرّعت السلام المصري-الإسرائيلي

07 يونيو 2018
السادات خلال تشييع شاه إيران في مصر عام 1980(Getty)
+ الخط -
جاء نجاح الثورة الإسلامية في إيران في بدايات عام 1979 ليلقي بظلاله على مفاوضات السلام المصرية الإسرائيلية والتي جرت برعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر. وتُظهر وثائق رفعت الخارجية الأميركية السرية عنها الأسبوع الماضي، مخاوف الحكام العرب المبكرة من نجاح الثورة الإسلامية، كما تظهر تلك الوثائق التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، استعداداً مصرياً لأن تلعب القاهرة الدور الذي لعبته طهران عند مخططي السياسة الأميركية في ما يتعلّق بالإطار الأمني للشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي. ويُظهر خطاب وجهه كارتر للرئيس المصري حينها، أنور السادات، بتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول 1978، قلق واشنطن مما هو آتٍ من طهران. وقال كارتر "يجب ألا نفشل، فنجاح القوى الراديكالية وتلك التي تهاجمك سيجعل الشرق الأوسط مكاناً بائساً. ومع تهديد الأوضاع في إيران، وتغلغل النفوذ الشيوعي وسط أصدقائك، يصبح نجاح مساعيك لتحقيق السلام أكثر أهمية وإلحاحاً". وعكس هذه الخطاب دعوة كارتر للسادات لأن يُسرع في المفاوضات للتوقيع على اتفاقية سلام مع إسرائيل في أقرب وقت.

وتفصّل مذكرة كتبها المسؤول في مجلس الأمن القومي الأميركي، وليام كوانت، لرئيسه مستشار الأمن القومي، زبيغنيو بريجنسكي، بتاريخ 26 ديسمبر 1978، ما حدث في لقاء "مثمر" عقده وزير الخارجية، سيروس فانس، مع رئيس وزراء مصر حينها، مصطفى خليل، ووزير خارجية إسرائيل، موشى ديان، في بروكسل. ووصف كوانت اللقاء بأنه "شهد مناقشات على مستوى عال جداً تجاه التعامل مع تعقيدات الشرق الأوسط الاستراتيجية. وذكر خليل أنّ تطورات الأوضاع في إيران تدعونا لضرورة توقيع معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل، لا تعزل مصر عن بقية العرب. ويعتقد خليل أنّ بإمكان مصر لعب دور داعم لاستقرار السودان وجنوب اليمن والمملكة السعودية، وأنّ مصر في موقع يسمح لها بدعم القوى المعتدلة في المنطقة، وهو ما لا يمكن أن تقوم به إسرائيل. ونوّه خليل إلى أنّ إسرائيل ستستفيد كثيراً من توقيع اتفاقية سلام مع مصر في ظلّ ما يحيط بنا من تطورات متسارعة".

ومع نجاح الثورة الإيرانية وعودة روح الله الخميني لطهران، زادت مخاوف إسرائيل من نقطة أساسية وهي قطع النفط الإيراني عنها، بعد أن كانت تحصل على أغلب احتياجاتها البترولية من طهران عن طريق خط أنابيب ينتهي عند ميناء عسقلان على البحر المتوسط. ودفعت تلك التطورات إسرائيل للتشدّد بخصوص الانسحاب من حقول النفط التي تحتلها في سيناء، وطالبت بضمانات أميركية للاستمرار في الحصول على النفط المصري من آبار خليج السويس.

وأشارت برقية صدرت من القنصلية الأميركية في القدس بتاريخ 17 يناير/كانون الثاني 1979، إلى فحوى لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيغن، ورئيس أركان جيش الاحتلال، موشيه ديان، أكدا خلاله على أهمية وأولوية قضية النفط الذي تحتاجه إسرائيل. وطالب الإسرائيليون واشنطن بضرورة ضمان حصولهم على 2.5 مليون برميل سنوياً من بترول خليج السويس، وأنه بدون تلك الضمانات من الصعب إقناع الكنيست بمعاهدة سلام، والتي سيراها كانتحار سياسي بسبب التخلّي عن بترول سيناء مع فقدان البترول الإيراني في الوقت ذاته.

كذلك، تُشير مذكرة قدّمها بريجنسكي للرئيس كارتر يوم 30 يناير 1979، إلى لقاءات جمعته مع قادة مصر وإسرائيل. ويقول بريجنسكي إن "الأحداث في إيران سببت تشدّد الطرفين في مواقفهما، إسرائيل متشددة في موضوع آبار نفط خليج السويس وتطالب بضمانات لإلزام مصر بتوفير ما تحتاجه، وتطالب كذلك بضمان تطبيع مصر علاقاتها مع إسرائيل بغضّ النظر عن أي تطورات تشهدها المنطقة، وذلك قبل اتمام الانسحاب من سيناء. أمّا على الجانب المصري، فتتشدّد القاهرة بضرورة أن لا تحجّم معاهدة السلام من مصداقية دور مصر العربي. من هنا تريد القاهرة أن تتضمّن المعاهدة ما يضمن دلائل على أن المعاهدة لا تعني قيام مصر بالتوصّل لسلام منفرد مع إسرائيل".

وينقل محضر اجتماع بين كبار المسؤولين الأميركيين في وزارة الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية، وعقد في الأول من فبراير/شباط 1980 عقب زيارات عدة لدول المنطقة، عن وزير الدفاع الأميركي، هارولد براون، قوله "إن مسار الأوضاع السياسية في إيران وسقوط نظام الشاه يعدان تطوراً سلبياً تجاه مصالح واشنطن الأمنية في المنطقة، لذا فنحن بحاجة للنظر في إعادة الحسابات بخصوص بعض التصوّرات القديمة". وتحدث براون عن مصر متسائلاً "هل ينبغي علينا تشجيع السادات للعب دور خارج بلاده بما يتوافق مع تصوّره عن أدوار وتدخّلات يمكنه القيام بها في أفريقيا ومناطق أخرى". وذكر براون "لو نظرنا حول المنطقة بحثاً عن بديل لإيران، لن نجد إلا مصر رغم فقرها المالي".

وعلّق مدير "سي آي أيه" وقتها، الأدميرال ستانسفيلد تيرنر، بالقول "من الصعوبة إثناء السادات عن رؤيته كشرطي الشرق الأوسط، لكن هناك مخاطر لو شجعناه على القيام بهذا الدور. هناك خطر من أن يتجاهل هو الشأن الداخلي المصري ومشكلاته، وأن يتجاهل موافقة قواته المسلحة على القيام بمثل هذا الدور، وربما تؤدي هذه التحديات لأن يحدث في مصر ما حدث في إيران".

وخرجت مذكرة تقدير موقف من وكالة الاستخبارات المركزية يوم 16 فبراير 1979، تعرض التداعيات الناجمة عن سقوط النظام الإيراني، على حسابات الموقف المصري، والذي رأى فيه السادات نفسه محاطاً بعدد جديد من التحديات أهمّها:

ــ تحالف من الدول الرافضة لعملية السلام بقيادة سورية والعراق، والذي ستدفع تطورات إيران إلى تقويته.

قيادة سعودية أقلّ رغبة في المخاطرة باتخاذ أي موقف لا يقبله الفلسطينيون وبقية العرب.

- قيادة فلسطينية زادت قوتها باستغلالها لنجاح الثورة الإيرانية لتقوية مركزها وتحالفاتها.

- زيادة قوة الجماعات والتنظيمات الإسلامية المصرية المعارضة للسادات على إثر اتجاه الأخير لتقوية علاقاته بالولايات المتحدة وإسرائيل.

ورأى تقدير "سي آي أيه" أنّ العوامل السابقة جميعها تضغط على السادات ليطلب تلبية المزيد من المطالب العربية في عملية السلام، وتقديم المزيد من المساعدات لمصر. كذلك رأي مسؤولون أميركيون أنّ السادات أراد تحقيق أكبر فائدة من سقوط نظام الشاه، بالضغط على الولايات المتحدة لدعم تسليح الجيش المصري بطائرات مقاتلة حديثة وغيرها من العتاد المتطور، وذلك لتكون مصر مستعدة ومؤهلة لأي ترتيبات أميركية أمنية جديدة في المنطقة.

المساهمون