سورية: "الوجود الإيراني" ينسف التفاهمات الأميركية ــ الروسية

15 نوفمبر 2017
لافروف: المسلحون الموالون للولايات المتحدة هم الخطر الأكبر (Getty)
+ الخط -
يتحوّل التدخّل الإيراني والروسي في القضية السورية، الذي اتخذ أبعاداً عسكرية وسياسية خلال أعوام الثورة الست لإنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط، إلى تحالف بين موسكو وطهران بهدف شرعنة هذا الوجود على الأراضي السورية، بوجه التواجد الأميركي، ليبدو الحديث عن تفاهمات روسية - أميركية قديمة أو مستجدة حول الملف السوري من دون أي معنى فعلي. وجاء التصعيد الروسي، أمس الثلاثاء، بوجه واشنطن، منطلقاً من تواجد إيران والمليشيات الموالية لها في الجنوب السوري، ليعكس تقارباً بين طهران وموسكو، يقوم على ترويج "شرعية" وجود قوات هذين البلدين في سورية، مقابل رفض التواجد الأميركي هناك. "العدوانية" الروسية الكلامية التي وصلت حد اتهام المسلحين الموالين للولايات المتحدة بأنهم الخطر الأكبر في سورية، في ما بدا إشارة إلى أطراف من بينها المقاتلين الأكراد، لم تتوقف على ذلك، بل تعدته إلى حد اتهام واشنطن بتأمين انسحاب آمن لمسلحي تنظيم "داعش" من مدينة البوكمال السورية وقبلها الرقة.

واكتمل التصعيد الروسي بإعلان وزير الخارجية سيرغي لافروف، أن بلاده لم تتعهد بضمان خروج التشكيلات الموالية لإيران من سورية، في ظل اعتراض إسرائيلي على اتفاق خفض التوتر في جنوب غرب سورية، لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار المطالب الإسرائيلية بشأن سحب القوات الإيرانية (الحرس الثوري) والمليشيات الموالية لإيران إلى مسافة 50 كيلومتراً عن الحدود مع هضبة الجولان المحتل، وهو ما يهدد هذا الاتفاق بالسقوط.

وتطرح هذه المعطيات تساؤلات كبيرة حول إمكان تطبيق أي اتفاقات أميركية روسية حول سورية، وتجعل من البيان الصادر عن الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين من فيتنام قبل أيام، والذي أكد أن "لا حل عسكرياً" للأزمة السورية، وأن أي تسوية يجب أن تكون في إطار عملية جنيف، في حكم الساقط بظل التوتر الكبير بين الطرفين. كذلك حال الاتفاق الثلاثي الأميركي الروسي الأردني حول منطقة تخفيض التصعيد في الجنوب، الذي يبدو بلا ترجمة، وهي المنطقة التي تهمّ دولة الاحتلال الإسرائيلي خصوصاً.

وجاء الكلام الأبرز، أمس، من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي أعلن أن بلاده لم تتعهد للأميركيين بضمان خروج التشكيلات الموالية لإيران من سورية، مؤكداً "التواجد الشرعي لنا وللإيرانيين بدعوة من الحكومة (النظام السوري)، وكذلك نؤكد حقيقة التواجد غير الشرعي الذي أوجدته الولايات المتحدة".

وقال لافروف في مؤتمر صحافي في موسكو، أمس، إن موسكو بحثت مع الأميركيين آلية عمل منطقة خفض التوتر في جنوب غرب سورية، والتي شارك الأردن في العمل على إقامتها. وفي تناقض بكلام الوزير الروسي، أكد أن الاتفاقات الروسية الأميركية الأردنية تفترض سحب "تشكيلات غير سورية" من هذه المنطقة، قبل أن يضيف أن "الحديث لم يتطرق إلى موضوع إيران أو بالأخص قوات موالية لإيران"، من دون توضيح من يقصد بالتشكيلات غير السورية إن لم تكن تشمل إيران ومليشياتها. وجاء هذا الكلام من لافروف تعليقاً على سؤال حول بيان صادر عن الخارجية الأميركية أعلنت فيه أن موسكو وافقت على المساهمة في إخراج "قوات موالية لإيران" من أراضي سورية.

وفي ما بدا إشارة إلى القوات الكردية المدعومة من واشنطن، قال لافروف إن "المسلحين الموالين للولايات المتحدة، ومختلف الإرهابيين الأجانب، والمسلحين الذين يلتصقون بتلك المجموعات المعارضة المسلحة التي تدعمها الولايات المتحدة، هم الذين يشكّلون الخطر الأكبر في سورية". ورد الوزير الروسي على إعلان وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس أن التحالف الدولي لن يغادر سورية وسينتظر "إحراز عملية جنيف تقدماً"، معتبراً أن هذا التصريح يتعارض مع اتفاقيات جنيف. كما تطرق لافروف إلى الوضع في مدينة البوكمال السورية، قائلاً "إنها ليست الحالة الأولى التي تتسامح فيها الولايات المتحدة مع الإرهابيين، ونتساءل حول أهداف واشنطن في سورية".


وترافق كلام لافروف مع اتهام وزارة الدفاع الروسية لواشنطن بسعيها لضمان انسحاب آمن لمسلحي "داعش" من البوكمال. وأعلنت الوزارة الروسية، في بيان أمس، أن "الأميركيين رفضوا بصورة قطعية توجيه ضربات جوية إلى إرهابيي داعش (عند خروجهم من البوكمال)، استناداً إلى معطياتهم حول أن المقاتلين يسلمون أنفسهم طوعاً لهم، وهم الآن مدرجون تحت بنود معاهدة جنيف حول معاملة أسرى الحرب".
وأكدت الوزارة الروسية أن "قيادة مجموعة القوات الروسية في سورية عرضت مرتين على التحالف الدولي التعاون في تدمير قوافل الإرهابيين التابعين لتنظيم داعش المندحرة في الضفة الشرقية من نهر الفرات"، لافتة إلى أنه "لضمان الانسحاب الآمن لمسلحي داعش من البوكمال، من ضربات القوات الحكومية السورية، حاول طيران التحالف بقيادة الولايات المتحدة إعاقة طائرات القوات الجوية الفضائية الروسية العاملة في المنطقة".
واعتبرت وزارة الدفاع أن "التقدّم السريع للقوات السورية في البوكمال أحبط خطط الولايات المتحدة في إنشاء هيئات سلطة خارجة عن سيطرة الحكومة السورية" موالية للولايات المتحدة "لإدارة المناطق على الضفة الشرقية لنهر الفرات". وأضافت أن حظر الطيران في البوكمال، كان بموافقة مركز العمليات الجوية المشتركة في القاعدة الجوية في قطر.

هذا الكلام الروسي يضع مصير اتفاق خفض التوتر في جنوب غرب سورية في خطر، خصوصاً أن الاتفاق قوبل بتعبير إسرائيل عن خيبة أملها منه، لعدم إدراجه للمطالب الإسرائيلية بشأن إبعاد القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها مسافة 50 كيلومتراً على الأقل من الحدود مع الجانب المحتل من هضبة الجولان السورية. وفي هذا السياق، بدأت في تل أبيب، أمس، مباحثات أمنية أميركية - إسرائيلية حول الملفين السوري والإيراني، بما في ذلك النشاط الإيراني في سورية. وذكرت صحيفة "هآرتس" أن ممثلين عن مجلس الأمن القومي الأميركي، أجروا مباحثات بهذا الخصوص مع ممثلين عن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي وممثلين عن الأذرع الأمنية الإسرائيلية الأخرى. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قال في أول تعليق رسمي على اتفاق خفض التوتر، إنه أبلغ الطرفين الروسي والأميركي بأن إسرائيل ستقوم "بحماية أمنها وحدودها"، مضيفاً: "الولايات المتحدة وروسيا تعرفان أننا سنشن هجمات في سورية وفق فهمنا، ووفق الاحتياجات الأمنية، بما في ذلك في جنوب سورية". وتزامنت تصريحات نتنياهو، أمس الأول، مع نشر صحيفة "هآرتس" تقريراً أوضحت فيه خيبة الأمل الإسرائيلية من الاتفاق المذكور أعلاه، لا سيما أن الاتفاق لم يأخذ بعين الاعتبار المطالب الإسرائيلية بشأن سحب القوات الإيرانية (الحرس الثوري) والمليشيات الموالية لإيران إلى مسافة 50 كيلومتراً عن الحدود مع هضبة الجولان المحتل، وأن الاتفاق الحالي لا يشمل أي جدول زمني لتنفيذ البند المتعلق بإخراج القوات الإيرانية والأجنبية من الأراضي السورية.