القمة الروسية-التركية-الإيرانية: محاولة جديدة لإبعاد أميركا عن سورية

17 نوفمبر 2017
لقاءات مستمرة بين أردوغان وبوتين (Getty)
+ الخط -
تجدّد روسيا وإيران وتركيا محاولاتها الهادفة إلى تشكيل ما يشبه الحلف الثلاثي المحصور في الملف السوري، والذي لا تفعل خلافات الدول الثلاث مع الولايات المتحدة، سوى زيادة احتمالات نجاحه. وتشهد مدينة سوتشي الروسية الواقعة على البحر الأسود، في 22 الشهر الحالي، محاولة جديدة في هذا السياق، عندما يجتمع رؤساء الدول الثلاث، فلاديمير بوتين وحسن روحاني ورجب طيب أردوغان، ليكون الملف السوري بنداً رئيساً وربما وحيداً على الطاولة.

صحيح أن اتفاقات عديدة بين الدول الثلاث حول سورية كان مصيرها الفشل، إلا أن ازدياد أزمات أنقرة وموسكو وطهران، كل منها على حدة، مع واشنطن من جهة ثانية، وبلوغ هذه الخلافات مستويات غير مسبوقة هذه الأيام، يزيد من فرص التلاقي من دون أن يكون ذلك مضموناً، بما أن الموقف التركي، مثلاً، من النظام السوري لا يزال على حاله، وإن كان ذلك بخطاب أقل حدة من سنوات الثورة الماضية. لكن الأطراف الثلاثة تجتمع مثلاً على معاداة الحليف السوري الكردي للولايات المتحدة. ولما كان تقاطع المصالح الروسي ــ الإيراني في سورية لم يصل إلى مستوى التحالف، جاءت حادثة الخلاف الروسي ــ الأميركي حول "وجود" القوات الإيرانية والمليشيات الأجنبية التي تتبع لطهران، قرب الأراضي السورية والفلسطينية المحتلة من إسرائيل، جنوبي سورية، لتدفع بتقاطع المصالح ذاك إلى حدود التحالف. أما إيران من جهتها، فهي تبحث عن أي طرف وازن تعتري الأزمات علاقاته مع أميركا، لمحاولة إبعاد النفوذ الأميركي عن المنطقة، انطلاقاً من سورية. غير أن كل هذه المعطيات لا تكفي لإزالة الخلافات بين إيران وروسيا وتركيا حول سورية، ومن العناوين البارزة تمسك أنقرة بمسار جنيف التفاوضي السياسي، في مقابل محاولة روسيا التفرد بهندسة حلول تبقي على نظام بشار الأسد عن طريق مسارات لحلول أمنية من نوع اجتماعات أستانة، وعبر حوارات شكلية تجمع موالين كثرا مع النظام لتصويرها كأنها اجتماعات بين معارضين وموالين، على منوال ما سيحصل في مؤتمر سوتشي مطلع الشهر المقبل.

أما اتفاقات روسيا وتركيا وإيران حول مناطق عدم التصعيد، فلا تزال بدورها غير ناجحة تماماً، وسط استمرار مجازر روسيا وإيران في ظل مواقف تركية خجولة إزاءها، بما أن العقل السياسي التركي الرسمي قرر إيلاء "الخطر الكردي" في سورية أولوية على باقي الملفات، منها مصير الأسد وبقاء النظام.

**************************
ولا يبدو أن أزمة العلاقات بين الحليفين التركي والأميركي، والتي بدأت مع اختلاف الأولويات في سورية، تسير إلى نهاية قريبة، بل دخلت مرحلة يبدو فيها التصعيد بين الطرفين هو الأساس مع نهاية تنظيم "داعش" واستمرار الدعم الأميركي لحزب "الاتحاد الديمقراطي" (الجناح السوري للعمال الكردستاني)، بالتزامن مع غياب أي رؤية أميركية واضحة لمستقبل وجودها وللحل في سورية.

وبدت أزمة تأشيرات السفر بين البلدين قمة جبل الجليد في العلاقات المتأزمة، وعلى الرغم من حلها ظاهرياً، بعودة البعثة الدبلوماسية الأميركية إلى منح تأشيرات السفر بشكل جزئي، إلا أن تأزم العلاقات مستمر في مختلف الصعد، بدءاً من المستوى السياسي الذي دفع أنقرة إلى التقارب مع إيران وروسيا في ما يخص العراق وسورية وعملية أستانة، مروراً بالمستوى القضائي، بسبب رفض واشنطن تسليم زعيم حركة "الخدمة" فتح الله غولن المتهم الأول بإدارة المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، وكذلك استمرار اعتقال رضا ضراب رجل الأعمال التركي الإيراني بتهم تتعلق بخرق العقوبات الأميركية على إيران، مقابل تشبث تركيا باعتقال القس الأميركي أندرو برونسون. وأخيراً في مستوى العلاقات العسكرية، فعلى الرغم من استمرار التعاون العسكري بين الطرفين، إلا أنه بحسب تصريحات مسؤولين أتراك، كان آخرها لوزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، يوم أمس، فإن واشنطن تفرض حظراً غير معلن على بيع الأسلحة لتركيا، دفع الأخيرة للبحث عن بدائل، سواء باقتناء منظومة إس 400 الصاروخية الدفاعية الروسية، أو عبر تنشيط التصنيع المحلي.

وعلى الرغم من الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، إلى أميركا، ووصفها، بحسب أحد المسؤولين المطلعين الأتراك، بأفضل من المتوقع، إلا أن أنقرة استمرت بالضغط على واشنطن، إذ قامت الاستخبارات التركية، الثلاثاء الماضي، بتسهيل عملية انشقاق، العميد طلال سلو، المتحدث باسم "قوات سورية الديمقراطية" الحليف الأهم للولايات المتحدة في سورية، تلاها قيام الحكومة التركية بتسليم مذكرة احتجاج للإدارة الأميركية حول وضع رجل الأعمال التركي من أصل إيراني رضا صراف.


لطالما مرت العلاقات التركية الأميركية بفترات صعود وهبوط وأزمات، كانت ذروتها بعد التدخّل التركي في قبرص عام 1974 لحماية الأقلية التركية، والذي ردت عليه واشنطن بحظر توريد السلاح لأنقرة، لترد الأخيرة بإغلاق قاعدة إنجرليك. كما حصلت أزمة بين الطرفين بعد رفض البرلمان التركي السماح لواشنطن باستخدام القواعد التركية لغزو العراق عام 2003. ولكن تبدو الأزمة الحالية مختلفة لأسباب عديدة، أولها القوة النسبية التي يتمتع بها الاقتصاد التركي، والذي منح الحكومة التركية المزيد من الاستقلالية في الحركة، وكذلك وجود قوى بديلة تبدي استعداداً واضحاً للتعاون وتقديم المكاسب لتركيا وسط تصلب الموقف الأميركي، ممثلة بكل من روسيا وإيران.

ورأى مدير مركز سيتا البحثي التركي المقرب من الحكومة التركية، برهان الدين دوران، في مقالة بعنوان "تحذير واشنطن من منطقة مضطربة"، أن الأزمة الحالية بين البلدين تدل على وجود أزمة هيكلية في العلاقات، وفي حال لم يتم تجاوزها ستؤدي إلى المزيد من التباعد. وأشار إلى أن "المشاكل بين أنقرة وواشنطن في فترة عدم اليقين العالمي والصراعات الإقليمية، تدل على نوع مختلف من الأزمة الهيكلية الموجودة فعلاً"، مضيفاً: "ما لم يضع البلدان دبوساً على المشاكل القائمة لإصلاح علاقتهما، والأهم من ذلك، وضع جدول أعمال جديد لتعزيز تعاونهما، فإن الفوضى الإقليمية والعالمية المقبلة يمكن أن تلحق أضراراً لا يمكن إصلاحها في علاقات البلدين"، معتبراً أنه "إذا لم تتمكن تركيا والولايات المتحدة من التعاون في مواجهة الفوضى الإقليمية المقبلة، فقد ينتهي المطاف بالحلفاء إلى مزيد من الانفصال".

الخلافات التركية الأميركية لا تتوقف فقط على العلاقات بينهما، ولكن أيضاً على مجمل سياسات واشنطن في المنطقة، بدءاً من السياسة الأميركية في سورية ودعم الجناح السوري لـ"العمال الكردستاني" بالتزامن مع تجاهل المعارضة السورية، مروراً بمجمل السياسات الأميركية في العراق والتي أدت إلى كوارث كان آخرها ظهور "داعش"، الذي أدت سياسة واشنطن في مكافحته إلى تعزيز نفوذ المليشيات الموالية لإيران. وصولاً إلى حصار قطر والتصعيد الأخير ضد إيران بدعم سياسات كل من أبوظبي والرياض الحالية والتي ترى أنقرة أنها لن تؤدي بالطريقة الحالية إلا لمزيد من التصعيد الذي قد يجلب المزيد من الحروب التي ستزيد من إشعال نيران المنطقة المتأزمة أصلاً.

وفي رد أنقرة على التصرفات الأميركية وكذلك على "العدائية الأوروبية" تجاهها، تتجه تركيا نحو مزيد من التقارب مع كل من روسيا وإيران، الأمر الذي بدا واضحاً من خلال التنسيق التركي الإيراني في العراق، والذي أدى إلى استعادة بغداد مساحات واسعة من المناطق المتنازع عليها التي سيطرت عليها القوات الكردية بعد ظهور "داعش". كذلك أدى هذا التنسيق إلى تجاوز كبير للأزمة التركية الروسية، حتى أن الزيارات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، تجاوزت الخمس زيارات متبادلة خلال العام الحالي فقط. وعلى الرغم من مرور أقل من يومين على الزيارة التي قام بها أردوغان لسوتشي الروسية، فإنه من المفترض أن يتوجه مرة أخرى إلى المدينة، في 22 من الشهر الحالي، بحسب قناة "إن تي في" التركية، وذلك لحضور قمة ستجمع إيران وتركيا وروسيا، تتناول بشكل رئيسي القضية السورية واتفاق وقف إطلاق النار ومناطق خفض التصعيد الذي تم توقيعه بموجب مشاورات أستانة في كازاخستان.