اقتصرت الاحتفالات التي نظّمتها دولة الاحتلال الإسرائيلي، أمس الأربعاء، بمناسبة ذكرى إقامتها على أنقاض فلسطين في العام 1948، وتشريد الشعب الفلسطيني، على المراسم الرسمية المختصرة، في مقر رئيس الدولة رؤبين ريفلين، احتفاءً بدور جيش الاحتلال وضباطه، وعلى رأسهم رئيس الأركان الجنرال أفيف كوخافي. بعد ذلك، أُجريت المسابقة السنوية حول حفظ التوراة والتي يشارك فيها شبان يهود من كل أنحاء العالم وليس فقط من دولة الاحتلال، تحت رعاية رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وأُقيم عرض جوي مختصر لطائرات من سلاح الجو حلّقت فوق المستشفيات الإسرائيلية تقديراً لدورها في مواجهة جائحة كورونا، وسط قرار حكومي صارم بمنع الخروج من البيوت إلا لحالات الضرورة والتزود بالأدوية.
في المقابل، تابع عشرات الآلاف في الداخل الفلسطيني الفعاليات الرقمية لجمعية الدفاع عن المهجرين في الداخل، والذين يُقدّر عددهم اليوم بنحو 400 ألف مهجر، وفق تقديرات محمد كيال من جمعية المهجرين. يعيش هؤلاء على مرمى حجر من بيوتهم وقراهم الأصلية التي هُجروا منها، من الجليل والمثلث والنقب، بينما يظل نحو ستة ملايين فلسطيني من اللاجئين في المنافي القريبة والبعيدة، في الدول العربية المجاورة لفلسطين وفي باقي أصقاع الأرض.
وحلّت مناسبة إقامة دولة الاحتلال أمس، وفق التقويم الديني اليهودي وليس وفق التقويم الغربي الميلادي الذي يصادف فعلياً في 14 مايو/أيار، لكن فلسطينيي الداخل- وعلى رأسهم المهجرون- تمكنوا منذ 22 عاماً من وقف مهازل الاحتفالات بذكرى إقامة دولة الاحتلال تحت شعار: يوم استقلالهم يوم نكبتنا.
فعل التهجير المتواصل والمخططات الاستيطانية المستمرة، سواء في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 أم في الداخل الفلسطيني المحتل منذ النكبة عام 1948، تكشف في ظل "صفقة القرن" وتوافق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وخصمه حتى وقت قريب الجنرال بني غانتس، على مخططات الضم المقترحة لبسط سيادة دولة الاحتلال على ما تبقّى من فلسطين التاريخية، استمرار الصراع والحرب، حتى لو جنح بعض العرب إلى "سلم" وهمي كمبرر لتصفية القضية الفلسطينية وتحويلها إلى قضية حدود لا قضية وجود، لأن الحدود التي تريدها إسرائيل اليوم لا تبقي للفلسطينيين بيتاً ولا مكاناً، بل تحوّلهم إلى رعايا تحكمهم دولة الاحتلال بالحديد والنار بنظام أبرتهايد فاشي في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، ونظام تمييز عنصري مخفف في فلسطين 48.
احتفالات دولة الاحتلال تأتي في جو دولي غير آبه بما يحدث بما تبقى من فلسطين، مقابل رعاية أميركية لإدارة يتحرك من يقف على رأسها لإرضاء جمهور مصوتيه من الإنجيليين المسيحيين المناصرين لإسرائيل الكبرى.
لا تتساوى مسيرات العودة والتأكيد على حق العودة مع الاحتفالات الصهيونية، لأن الأولى تأكيد على حق والثانية نكران لحق وتزوير لعملية سطو مسلح على بلد آمن، حيث تم توظيف جرائم النازية لتبرير عملية احتلال فلسطين، مع أن مخططات الاستيلاء على فلسطين بدأت منذ أواسط القرن التاسع عشر وقبل نحو 90 عاماً على ظهور الحركة النازية وتسلمها مقاليد الحكم في ألمانيا. فالوثائق الإسرائيلية التي كُشف النقاب عنها في السنوات الأخيرة، تظهر أن الطرد والتشريد للشعب الفلسطيني شكلا شرطاً أساسياً أجمعت عليه قيادة الصهيونية داخلياً، وإن أعلنت ظاهراً مواقف أبدت استعداداً "لتقاسم البلاد" بين القادمين وبين السكان الأصليين، كحل لمشكلة "العداء للسامية".