جمعيات إسرائيلية توقع أهالي الشهداء بفخ أنشطة تطبيعية... بـ"تواطوء" فلسطينيين مطبعين

29 ابريل 2020
أهالي شهداء فلسطينيين يشاركون في نشاط تطبيعي (فرانس برس)
+ الخط -
كانت الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم 27 إبريل/ نيسان الجاري، على موعد مع نشاط تطبيعي آخر؛ لكنه جاء هذه المرة عبر الإنترنت؛ بعد أن منع فيروس كورونا أن يكون اللقاء في تل أبيب، كما كان في العام الماضي.

وشارك أهالي قتلى إسرائيليين وأهالي شهداء فلسطينيين، في ما يسمى بـ"مراسم يوم الذكرى الإسرائيلي- الفلسطيني" وهو ما يُسلط الضوء على استغلال جمعيات إسرائيلية والزجّ بهم في تلك الأنشطة التطبيعية. وتضمنت الفعالية فيديو مدته أكثر من ساعة، ساحات تسجيله مسرح في تل أبيب، وغرفة في رام الله، وليكتمل "الحفل" بظهور شاشة من برنامج زوم بين الفينة والأخرى لمشاركين في الفعالية.

وتُنظم"حركة مقاتلون من أجل السلام" و"منتدى العائلات الثكلى" وهما مؤسستان إسرائيليتان تطبيعيتان، الحدث سنويا، وكان الحفل هذا العام بغرفة مشتركة عبر الفيديو من رام الله للناشط في "مقاتلون من أجل السلام" أسامة عليوات، ومن تل أبيب الناشطة في نفس المجموعة مايا كاتس.

وبينما قدم فنانون وممثلون إسرائيليون وفلسطينيون فقرات عدة، ومنهم؛ أحينوعام نيني، وليؤورا ريفلين، ومكرم خوري، وميرا عوض، وإيلي ماغين، وعدي رينيريت، وسامي شالوم شتريت، إضافة إلى جوقة غنائية؛ قدم حجاي يوئيل من تل أبيب كلمة عن مقتل شقيقه الجندي الإسرائيلي الذي استدعي للخدمة الاحتياطية عام 2002 ليشارك في اجتياح جنين؛ وليُقتل بعد أن داس على عبوة ناسفة. وقرأت رافا مسمار من رام الله كلمة باسم يسرى محفوظ من مخيم العروب؛ وهي والدة الشهيد علاء محفوظ الذي استشهد في العام 2000، برصاص جيش الاحتلال وهو يشرب الشاي مع عائلته على شرفة منزله.

وفيما قدمت طال كفير شور كلمة حول مقتل شقيقتها في عملية في العام 2003؛ كان يتحدث من رام الله يعقوب الرابي عن حادثة استشهاد زوجته عائشة الرابي؛ التي اُستشهدت نتيجة رشق المستوطنين لمركبته بالحجارة في العام 2018 وإصابتها بتلك الحجارة، بينما كانا في طريقهما إلى منزلهما في بلدة بديا بسلفيت شمال الضفة الغربية.

وسألت "العربي الجديد" الرابي عن دوافع مشاركته؛ ليقول: "إن محامين من الأراضي المحتلة عام 1948 يعملون في مؤسسات وجمعيات إسرائيلية طرحوا عليه الفكرة لإلقاء كلمة"؛ مؤكداً أنه تردد في البداية، ولكنه وافق بعد استشارة محاميه؛ الذين يتابعون قضية الشهيدة عائشة الرابي في محاكم الاحتلال وحصلوا بداية العام الحالي، على اعتراف من وزارة الأمن الداخلي الإسرائيلية بأن استشهادها على يد مستوطنين هو عمل عدائي وقع لأسباب قومية، بينما كانت محاكم الاحتلال أفرجت عن القاتل العام الماضي.

ويؤكد الرابي أنه ليس عضواً في أي من تلك الجمعيات الإسرائيلية؛ لكن نشطاء وجمعيات إسرائيلية كـ"مقاتلين من أجل السلام" نظموا له زيارات تضامنية؛ وأنه بعث رسالة عبر كلمته إلى المجتمع الإسرائيلي والعالم كله حول جريمة المستوطنين بحق زوجته، فيما يقول: "ألقيت الكلمة لأُعرف العالم بالمعاناة التي نعانيها، وألقيت الكلمة عبر الإنترنت من منزل فلسطيني عضو في (مقاتلون من أجل السلام)، في رام الله".

حديث الرابي لم يخلُ من عتب كبير على الجهات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية على تقصيرها بدعمه معنوياً وسياسياً ومادياً، والتضامن معه؛ مشيرا إلى وعود رسمية لم تتحقق بتشكيل لجنة محامين يتابعون ويفعلون قضية زوجته. "حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها" تَعتبر مثل هذا النشاط جزءاَ من الأنشطة التطبيعية التي تقودها مؤسسات إسرائيلية، حيث يقول منسق عام الحركة محمود النواجعة لـ"العربي الجديد": "إن تلك الأنشطة تجري بالتنسيق مع مجموعات أو أفراد فلسطينيين أمعنوا في هذا التطبيع، لأنه يعود عليهم بمنافع مادية وفئوية ضيقة".

وعن مشاركة أهالي الشهداء، أكد النواجعة أن ذلك نتيجة محاولات إسرائيلية لاستغلال واضح لمعاناة أهالي الشهداء ومحاولة الموازاة بينهم وبين الجنود الإسرائيليين الذين قاموا بقتل الفلسطينيين على مدار سنوات، مؤكداً أن ما تحاول تلك المجموعات الإسرائيلية عمله هو المساواة بين نظام الأبارتهايد والاستعمار والاحتلال العسكري والفصل العنصري؛ وبين مقاومة مشروعة.

ويقول النواجعة: "إنه استغلال واضح لأهالي الشهداء من أجل تبييض هذا النظام لجرائمه". ويرى النواجعة أن "هذه الأنشطة هي جزء من ماكينة الاحتلال الإعلامية؛ لتوفر أوراق توت للاحتلال للتغطية على جرائمه"، مشيراً إلى أن اللقاءات التي تجمع أهالي الشهداء الفلسطينيين وأهالي قتلى الاحتلال "تحاول تبيان أن الانتهاء يجب أن يكون بوقف "دائرة العنف" بدون الالتفات أو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني؛ بل يًصبح الحديث عن سلام مفرغ، سلام العبد مع السيد، العبد الراضي بسيادة السيد المتمثلة بكل منظومة الاحتلال من أبارتهايد واستعمار".

وشارك في اللقاء المذكور الممثل الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، الذي أكد دعمه للقاء. وحول المشاركة، يقول نواجعة "يبدو أن الأمم المتحدة تخفي ضعفها وفشلها وكل حالات الإحباط التي مرت وتمر بها لوقف إسرائيل عن ارتكاب الجرائم المستمرة، بالهروب إلى مثل هذه الأنشطة التي لا تستخدم إلا لتبييض جرائم الاحتلال".

وانطلقت ما تسمى بـ"مراسم يوم الذكرى الإسرائيلي- الفلسطيني"، في العام 2006، بفكرة من إسرائيلي قُتل ابنه في معارك بلبنان في 1995، ويُنظم الحدث سنوياً بالشراكة بين "مقاتلون من أجل السلام"، و"منتدى العائلات الثكلى".

وتقول الصحافية المقدسية هنادي القواسمي لـ"العربي الجديد" إنه "يجري تنظيم هذا الحدث بالتوازي مع إحياء الاحتلال لـ (يوم ذكرى قتلى معارك إسرائيل)، والمنظمون يقولون إنهم اختاروا نفس الموعد للتذكير بأوجاع الطرفين في الصراع والتذكير بأن الحرب ليست قدراً أبدياً".

وتُشير القواسمي إلى أن هذا الحدث هو ذروة فعاليات ونشاطات شهرية تقوم بها تلك الجهات الإسرائيلية، وهو ثمرة لنشاطات تستهدف أهالي الشهداء، وتحاول النفاذ إليهم وإقناعهم بدعاوى تتعلق بالسلام، من خلال نشاطات مشتركة ورحلات، وزيارات متبادلة تتوج بيوم الذكرى السنوي.

وتشدد القواسمي على أنه "لا يمكن بأي حال المساواة أو حتى المقارنة بين ألم فلسطيني على فقدان قريبه في المقاومة ضد الاحتلال، وبين ألم إسرائيلي على فقدان قريب له في القتال والاستعمار وتنفيذ سياسات الاحتلال، ولا يمكن أن نضع على نفس الميزان؛ شعور الفلسطيني المستعمََر، مع شعور الإسرائيلي المستعمِِر".

المساهمون