كشفت الضربات الانتقامية التي نفذها الطيران السعودي في اليمن، أول من أمس الإثنين، عن إفلاس وشيك لبنك الأهداف العسكرية، بعد قصفه المكثف لإسطبلات الخيول في الكلية الحربية بصنعاء ما أدى إلى نفوق 70 حصاناً عربياً أصيلاً وإصابة 30 آخرين، وفقاً لوسائل إعلام الحوثيين. فمن إجمالي 40 غارة جوية شنها التحالف السعودي في صنعاء والحديدة وصعدة ومأرب، رداً على استهداف الحوثيين للرياض بصواريخ بالستية، كانت إسطبلات الخيول العربية في الكلية الحربية هدفاً لـ6 ضربات جوية، فيما تفرقت باقي الضربات بالعاصمة على مواقع تعرضت لمئات الغارات منذ بدء العمليات العسكرية قبل 5 سنوات. في المقابل، استكمل المسلحون الحوثيون سيطرتهم بحريّة تامة على آخر قاعدة عسكرية للقوات التابعة للشرعية بمحافظة الجوف، معسكر اللبنات الاستراتيجي، فضلاً عن منطقة المرازيق، لتصبح مأرب النفطية هدفهم التالي.
ويتركز ثلثا الترسانة التسليحية للحوثيين بالفعل في صنعاء، حسبما كشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، كما انتقل إليها زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، حيث استقبل فيها المبعوث الأممي مارتن غريفيث مراراً، بعد استقباله المبعوثين السابقين في مسقط رأسه صعدة. وأشارت المصادر إلى أن بعض غارات التحالف، في أولى سنوات الحرب، نجحت في دك مخازن أسلحة حوثية على تخوم صنعاء، خصوصاً في عطّان والحفا، لكنها تحولت ومعها العشرات من المعسكرات والكليات الحربية إلى مناطق مهجورة بعد سحب الحوثيين لترسانة السلاح منها، ونقلها إلى أماكن مجهولة.
ولجأ الحوثيون إلى تكديس أسلحتهم داخل مستودعات ضخمة في أحياء سكنية في العاصمة، وأدى ذلك في مطلع مايو/ أيار 2019 إلى انفجار غامض لمخزن أسلحة بالقرب من مدرسة حكومية بحي سعوان، أسفر عن مقتل أكثر من 15 طالباً وإصابة 100 آخرين، في جريمة أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، أن الحوثيين يتحملون مسؤوليتها بسبب تكديسهم الأسلحة داخل أحياء مأهولة بالسكان. وكان التحالف السعودي قد اعتمد في مطلع الحرب على نائب الرئيس اليمني، علي محسن الأحمر، وعدد من القيادات التي انخرطت تحت لواء الشرعية، كمصدر كبير لبنك المعلومات العسكرية. وبعد انشقاق الرئيس السابق علي عبد الله صالح عن الحوثيين في ديسمبر/ كانون الأول 2017، شكّل ضباط الحرس الجمهوري مصدراً إضافياً هاماً للمعلومات، وكشفوا عن مواقع ومخازن أسلحة هامة، حسبما أفادت مصادر عسكرية لـ"العربي الجديد".
واعتاد التحالف السعودي بعد كل غارة جوية في صنعاء، على التفاخر في بيانات صحافية لاحقة بـ"عمليات نوعية"، فيما تحتفي وسائل إعلامه بالمفردات نفسها التي لا تخرج عن "تدمير القدرات النوعية المتقدمة للحوثيين وأماكن تخزين وتجميع وتركيب الصواريخ البالستية والطائرات من دون طيار وأماكن وجود الخبراء الإيرانيين"، إلا أن خبراء عسكريين يؤكدون أن الغارات تكشف عن إفلاس متواصل وعقم بالمعلومات العسكرية على الأرض في مناطق الحوثيين.
وذكر السامعي أن "غالبية الصواريخ التي يستخدمها الحوثيون حالياً بقصف السعودية كانت موجودة في مخازن الجيش اليمني، وقد غيّروا أسماءها فقط مع إضافة كميات من الوقود إلى محركاتها للحصول على مدى أطول"، لافتاً إلى أن "عمليات التطوير تتم بواسطة خبراء عراقيين في ملاجئ تحت الأرض بصنعاء، قبل نقلها إلى مناطق همدان وعمران وصعدة بهدف ضرب المناطق السعودية".
وكان التحالف السعودي قد أعلن بعد اندلاع الحرب بشهر فقط عام 2015، عن تدمير 80 في المائة من المقدرات الصاروخية والتسليحية للحوثيين. ومع تصاعد وتيرة المعارك منذ مطلع العام الحالي وعودة الجماعة للهجوم على الجوف ومأرب، اتهمت كل من الحكومة اليمنية والسعودية إيران بتهريب الأسلحة للحوثيين، رغم الحظر الجوي المفروض منهما على المنافذ البحرية والجوية والبرية لليمن.
ووفقاً لمصادر عسكرية، فإن صواريخ "كورنيت" الحرارية لم تكن موجودة في مخازن الجيش اليمني قبل سيطرة الحوثيين عليها، ومن المحتمل أنها وصلت من إيران عبر البحر، وبدأت الجماعة باستخدامها كسلاح نوعي لإعطاب دبابات وآليات التحالف السعودي. ولا يزال الحوثيون يملكون كميات من الأسلحة النوعية التي يُتوقع استخدامها في معركة مأرب. وحسب مصادر متطابقة، فإن المدفع عيار 130 ميليمتراً ذاتي الحركة الموجود في مخازن الجيش اليمني منذ أيام الاتحاد السوفييتي لم يستخدم بعد، وبحاجة إلى مناطق مفتوحة كصحارى مأرب.
ومع تحشيد الحوثيين آلاف المقاتلين لاجتياح مأرب، وعدم نجاح التحالف بضرب تلك الأرتال إلا في مرات نادرة، يبرز الخلل عبر تكرار الضربات العشوائية في ظلّ فقدان المصادر الاستخباراتية الضرورية ميدانياً لمعرفة مسارات تحرك جحافل الحوثيين من محافظة إلى أخرى.