الجزائر: انقسام المعارضة حول اقتراح تشكيل حكومة وفاق

11 اغسطس 2016
تطالب المعارضة بانتخابات نزيهة (Getty)
+ الخط -
ليست الانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة منتصف عام 2017 ما يقلق المعارضة السياسية في الجزائر، حالياً، بل إنّ بوادر الخلافات في المواقف بدأت تبرز بين أقطاب المعارضة المنضوية تحت تكتل تنسيقية التغيير والانتقال الديمقراطي، الذي يضم أحزاباً إسلامية ووطنية وتقدمية، بعدما طرحت حركة مجتمع السلم (أكبر الأحزاب الإسلامية المعارضة) مقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها كل الكيانات السياسية، وإقرار هدنة سياسية لخمس سنوات بين السلطة والمعارضة. وترى أحزاب سياسية معارضة في التكتل أنّ هذا المقترح خروج عن الإجماع السياسي.

في هذا السياق، يعتبر إسماعيل سعيداني القيادي في حزب جيل جديد أن فكرة حكومة وحدة وطنية هي خطوة غير مدروسة ولا تتوافق مطلقاً مع القرارات السياسية التي كانت قوى المعارضة قد توصلت إليها عبر مشاوراتها ولقاءاتها السابقة. ويقول لـ"العربي الجديد" إن "هذه الفكرة تعني نسف كل ما بنته المعارضة من توافق خلال المرحلة الماضية".

ويستغرب سعداني الذي شن هجوماً عنيفاً على حركة مجتمع السلم التي كانت تشارك في الحكومة من عام 1994 حتى يونيو/حزيران 2012، إمكانية اللقاء والمشاركة مجدداً مع السلطة التي تتهمها المعارضة بالفساد السياسي والهيمنة على العملية الانتخابية في الوقت الذي كانت فيه المعارضة تشير في بياناتها وتحاليلها إلى أن السلطة غير شرعية ولا يمكن الاطمئنان إلى نواياها السياسية بشأن تنظيم انتخابات نزيهة أو تشكيل حكومة وفاق. ويلفت إلى أن السلطة لا تريد من قوى المعارضة سوى أن تكون ديكورا في المشهد السياسي، كما كانت بعض أحزاب المعارضة في الحكومات السابقة.

ويرد رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري على مواقف بعض أحزاب المعارضة من مقترحات حزبه، قائلاً، "نحن لم نقدم أي مبادرة لكننا قدمنا تحليلاً سياسياً استشرفنا فيه الخيارات الممكن تحقيقها كحلول للأزمة القائمة، وفق تصرفات السلطة. فهل الأخيرة تزوّر الانتخابات أم لا، بغض النظر عمن يشارك فيها. حددنا موقفنا لكل سيناريو، وهل ستبقى أحزاب المعارضة متماسكة أم لا، وما هو موقفنا في الحالتين"، مضيفاً أنّ "المشكلة الوحيدة في هذه السيناريوهات هي السلطة وليست المعارضة".







في المقابل، رأت قراءات سياسية مقترحات تشكيل حكومة وحدة وطنية في سياق حلحلة الوضع السياسي الراهن في الجزائر، إذ يعتبر المحلل السياسي رضوان بن عطاء الله أن ما طرحته حركة مجتمع السلم بشأن حكومة وحدة وطنية، وهدنة سياسية بين السلطة والمعارضة بعد الانتخابات التشريعية المقبلة هي أفكار أقرب إلى مبادرة سياسية منها إلى مقاربة أو تحليل سياسي.

ووفقاً لبن عطاء الله، فإن هذه المبادرة "قد تحفظ ماء الوجه للمعارضة للخروج من عنق الزجاجة، خصوصاً أن السلطة أدارت ظهرها لمقترحات المعارضة في ما يتعلق بإنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات". ويضيف أن "الحركة التي تعد أكبر الأحزاب الإسلامية المعارضة تحاول إزالة الجمود السياسي وتعيد الحرارة لخط الحوار بين السلطة والمعارضة من خلال فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية، بعد انتخابات تشريعية نزيهة".

وبغض النظر عن أي جدل سياسي وإعلامي أثارته مقترحات حركة مجتمع السلم، وعودة النقاش بشأن جدية توصل قوى المعارضة إلى إجماع سياسي طويل الأمد بشأن خيارات التعاطي مع السلطة التي تحاول استغلال الجدل بين قوى المعارضة لإفقادها كل مساحة للمناورة السياسية، فإن تساؤلات جدية تُطرح عما إذا كانت هذه الأفكار تجد آذاناً صاغية عند المعارضة قبل السلطة، وما إذا كانت الحسابات السياسية ستكون حائلاً ضد كل توجه جماعي توافقي في الجزائر.

لا توضح هكذا انتقادات واعتراضات لفكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية حجم الهوة الراهنة بين السلطة والمعارضة، على الرغم من تطوع بعض أحزاب المعارضة للقيام بدور الوساطة عبر مبادرات سياسية كالتي طرحتها حركة مجتمع السلم، لكنها في المقابل تعيد الحسابات بشأن جدوى تشكيل حكومات توافق وطني. فبغض النظر عن موقف السلطة الرافض لأية أفكار تطرحها قوى المعارضة بما فيها تلك التي قدمتها جبهة القوى الاشتراكية قبل عام والمتعلقة بعقد ندوة للإجماع الوطني تشارك فيها السلطة وأحزابها وقوى المعارضة، فإن فكرة حكومة وفاق وطني كانت حيز الواقع في بداية حكم الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة.

ونجح الأخير عام 2000 في تشكيل حكومة تضم مستقلين وسبعة أحزاب سياسية، أربعة منها معارضة وهي؛ حركة مجتمع السلم، وحركة النهضة، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، والتجديد الجزائري، إضافة إلى حزبَي السلطة (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي)، وحزب يميني هو التحالف الجمهوري. لكن هذه الحكومة لم تحقق أولوياتها الاقتصادية والسياسية بسبب هيمنة أجهزة أخرى على صناعة القرار في الجزائر، ما يجعل المشاركة في الحكومة، "كومبارس" سياسياً ليس إلّا، وفقاً لمراقبين.






المساهمون