ألمانيا مستنفرة لمواجهة أزمة اللاجئين: مخاوف من تجربة 2015

06 مارس 2020
تخشى ألمانيا تكرار سيناريو 2015 (نيكولاس إيكونومو/Getty)
+ الخط -


تدفع عوامل سياسية واقتصادية عديدة ألمانيا إلى العمل لمنع تكرار أزمة اللجوء التي خاضتها برلين في العام 2015، في ظلّ اشتعال الأوضاع في شمال غرب سورية، وفتح تركيا حدودها أمام اللاجئين للتوجّه إلى أوروبا. وبعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فتح الحدود للاجئين، وتوجههم بالآلاف إلى الحدود اليونانية - التركية، وجّهت وزارة الداخلية الألمانية، رسائل عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أعلنت فيها أن الحدود الأوروبية ستبقى مقفلة. وكتبت الوزارة على موقعها على "تويتر" بأربع لغات، بينها العربية والإنكليزية والفارسية: "نحن بحاجة إلى النظام على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، سنُساعد اليونان بكل قوتنا. إن حدود أوروبا ليست مفتوحة أمام اللاجئين القادمين من تركيا، وهذا ينطبق أيضاً على حدودنا الألمانية".

أمام هذا الواقع، يبدو أن حماية الحدود الخارجية باتت أكثر أهمية من القيم الأوروبية، في ظلّ التحديات الكبيرة التي تواجهها برلين والائتلاف الحكومي بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل، الساعية لعدم تكرار مشهد 2015، بعدما أنفقت قدراً كبيراً من الطاقة السياسية والمال لتخفيف مأساة المهاجرين، وعانت لدمجهم. لكن الوضع تبدل هذه المرة، بعد شعور برلين بأن الدول المتحاربة في سورية تستغل خوف المدنيين من الموت لأهدافها السياسية، بما فيها المصلحة الروسية بشرذمة البيت الأوروبي، مع غياب التنظيم الموحّد لتوزيعهم، لا سيما أن ألمانيا أكثر الدول تضرراً من عدم قبولهم.

كما أن للأزمات السياسية الداخلية دوراً أساسياً في تبدّل نظرة برلين لأزمة اللاجئين، وأهم هذه المشاكل أزمة الثقة في صفوف أحزاب الائتلاف. فحزب ميركل "المسيحي الديمقراطي" يعاني من ضعفٍ ووهن في القيادة، ويتحضر لانتخاب زعيم جديد له في إبريل/نيسان المقبل، فيما قال المرشح الأبرز فريدريش ميرز، وهو المعروف بمعارضته لسياسة وإدارة ميركل، وبلهجة واضحة موجهة للمهاجرين، إن لا فائدة من مجيئهم إلى ألمانيا. ويعزز هذا التصريح من مكانة ميرز داخل الحزب في وجه المرشح المنافس، رئيس حكومة ولاية شمال الراين فستفاليا أرمين لاشيت، والذي تنسجم تطلعاته مع أفكار المستشارة، والخوف من أن يتمكن ميرز من تأليب الناخبين الحزبيين إذا ما تطورت الأمور قبل الانتخابات الحزبية، وبالتالي خسارة المعسكر المحافظ المؤيد للمستشارة.

والأهم بالنسبة للأحزاب التقليدية الحاكمة، الخشية من أن يصبح حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي أقوى، مع دخول لاجئين جدد إلى البلاد، بعدما ثبّتت أزمة اللجوء خلال السنوات الخمس الأخيرة حضور هذا الحزب في برلمانات الولايات والبوندستاغ، وهو الذي يجاهر بمعاداته وكراهيته وعنصريته تجاه اللاجئين والأجانب. ومن المعلوم أن "البديل من أجل ألمانيا" خسر خلال الفترة الأخيرة بعض النقاط في استطلاعات الرأي بعد حادثة القتل الدموية في مدينة هاناو، وقبلها خسارته في انتخابات برلمانية في ولاية هامبورغ.

 
إزاء ذلك، تعمل السلطات الألمانية وفق قناعةٍ كاملة، بأنه لا يمكن حلّ المشكلة إلا إذا عادت جميع الأطراف إلى اتفاقية اللاجئين في أقرب وقت ممكن، لا سيما أن ميركل شدّدت على أهمية الحوار بين الجانبين وليس الابتزاز، ووصفت تعاملات تركيا مع الناس بغير المقبولة على الإطلاق، على الرغم من تفهمها الأعباء الإضافية على أنقرة. كل ذلك، وسط الحديث عن أن أنقرة تريد الاستفادة بالمزيد من الأموال لرعاية اللاجئين بطريقة مباشرة وعبر الحكومة، وليس بشكل غير مباشر من خلال المنظمات غير الحكومية، فيما يطالب أردوغان الأوروبيين بتقاسم عادل لأعباء اللاجئين.

ودعا أعضاء داخل كتلة حزب ميركل من برلين إلى إغلاق الحدود الألمانية إذا لزم الأمر، وفق ما ذكر موقع شبكة "أن تي في" الإخبارية. حتى أن عضواً في الحزب الاجتماعي المسيحي، الحزب الأصغر في الاتحاد المسيحي، قال لصحيفة "بيلد": "أعتقد أن استخدام الغاز المسيل للدموع شيء عادي عندما يتم استخدام العنف ضد ضباط الشرطة"، في إشارة منه إلى ما يحصل مع الشرطة عند الحدود اليونانية.

وفي هذا الإطار، اعتبرت صحيفة "دي تسايت" أن "السياسة تحتاج إلى قلبٍ وعقل، والحقيقة أنه طالما بقيت أوروبا خارج سورية، فإن أوروبا يمكن أن تُبتز. والأخيرة أمام خيارات، وهي أن تبقي على دور المتفرج والضحية غير المباشرة لهذه الحرب، أو أن تتدخل بقوتها هناك".

أما الخبير في الشؤون الداخلية في الحزب "الليبرالي الحر" شتيفان توميه، فأشار إلى أن النظام والإنسانية يجب أن يسيرا جنباً إلى جنب، ولا ينبغي على أي دولة أن تقبل بانتهاك حدودها. أما زميله في الحزب، ألكسندر غراف لامبسدورف، فاعتبر أن تقديم المساعدة لتركيا لرعاية اللاجئين أقل ضرراً على أوروبا من السماح لهم بالوصول إلى ألمانيا. وتساءلت صحيفة "بيلد" عما "إذا كان يتعين علينا أن نعتاد على صور بكاء الأطفال من اللاجئين ومعاناة الأسر".

يأتي ذلك مع تأييد ميركل لتحديد منطقة آمنة داخل سورية لاستيعاب اللاجئين تكون خاضعة للمراقبة الدولية، وبالتالي منعهم من السفر، وهذا ما يغري الكثيرين من الأوروبيين، وبات الجميع يعمل تحت شعار التضحية بجزءٍ من الإنسانية لإنقاذ بلدانهم وتحقيق المزيد من الازدهار بعدما شعرت ألمانيا وأوروبا بأن أردوغان يريد تدفيعها الآن ثمناً باهظاً لسياسته المتأرجحة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا مع دخوله في أتون الحرب السورية.

أما الحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، فيبدو أنه أمام قراءات مختلفة، فهو الذي يجد نفسه حارساً للمبادئ الإنسانية أولاً. ولم تتردد الزعيمة المشاركة للحزب، ساسكيا إسكن، في اتهام أردوغان بالمسؤولية عما يحصل على الحدود اليونانية، وهي تريد من حزبها الدفع بقبول ألمانيا للأطفال غير المصحوبين بذويهم من المعسكرات المزدحمة في الجزر اليونانية، على الرغم من خطورة هذا الطرح على مؤيدي حزبها، وأكثريتهم من العمال الذين يطالبون بتحسين مستوى الدخل.

إلى ذلك، فان ما يؤرق ألمانيا أيضاً التوقعات بتباطؤ اقتصادها، إلى الخلافات في وجهات النظر بين دول الاتحاد الأوروبي حول الميزانية للسنوات السبع المقبلة. وبات على برلين أن تساهم بحصة أكبر من المليارات بعد انسحاب بريطانيا من التكتل، الأمر الذي قد يقلص المدفوعات للولايات عن اللاجئين أو المساعدات إلى الدول الأوروبية صاحبة الاقتصادات المتواضعة.

في المقابل، يعتبر محللون أن الوضع الآن أفضل بحكم وجود "اتفاقية صالحة" بين الاتحاد وتركيا منذ العام 2016، ووكالة "فرونتكس" (الوكالة الأوروبية لمراقبة وحماية الحدود الخارجية) في وضع أفضل، وهناك أيضاً تعاون مكثف بين الاتحاد الأوروبي والعديد من بلدان المهاجرين الأصلية ودول عبور اللاجئين. أما الأهم وفق ما قال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفان زايبرت، فهو أن المستشارة لا تزال عند وعدها بأن ما حصل عام 2015 لن يتكرر. ولذلك تتضافر الجهود الأوروبية حالياً، ومنها منح الاتحاد الأوروبي دعماً مالياً لليونان بقيمة 700 مليون يورو للتعامل مع الوضع المتوتر على الحدود الخارجية وإدارة الهجرة وإنشاءات البنية التحتية، بينها 350 مليونا متوفرة على الفور، وفق ما قالت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، فضلاً عن توجه المفوضية لإرسال 100 ضابط إضافي مع سفن ومروحيات ومركبات.

يُذكر أن حوالي 3500 شخص تجمّعوا يوم الثلاثاء الماضي أمام مقر المستشارية في برلين للمطالبة بفتح الحدود أمام المهاجرين واستقبال الأسر والأطفال. وكتب أعضاء من منظمة "سي بروكه" على موقع "فيسبوك" إنهم يريدون توجيه رسالة ضد سياسة الارتهان للاتحاد الأوروبي. فيما ذكرت "دي فيلت" أن مسيرات مماثلة نظمت في هامبورغ وبريمن وعدد من المدن الأخرى. وفي سياق متصل، انتقد ممثل الكنيسة الكاثوليكية مارتن دوتزمان سياسة اللجوء المتّبعة من قبل برلين وبروكسل، ووضع اللاجئين على الحدود اليونانية التركية، مستهجناً صدّ هؤلاء الاشخاص بخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع، ومؤكداً في حديثه مع شبكة التحرير الألمانية، أن ألمانيا لا تزال لديها القدرة على قبول لاجئين جدد.