سيلفي الجنود التونسيين

19 مارس 2016
اكتسحت الصورة مواقع التواصل الاجتماعي (مواقع التواصل)
+ الخط -
على مر الخمس سنوات التي تلت الثورة عاشت تونس جملة من العمليات والتهديدات الإرهابية، بدءا بالاغتيالات التي استهدفت رموزا سياسية فاعلة في المشهد السياسي، وصولا إلى المواجهات التي دارت رحاها في الجبال (جبل الشعانبي - جبل سمامة..)، لتنتقل في ما بعد هذه الجماعات إلى تنفيذ عملياتها الإرهابية في المدن (سوسة - باردو)!


ويُعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف مدينة بنقردان، الواقعة بالجنوب الشرقي للبلاد التونسية، بتاريخ 7 مارس/ آذار الجاري، إعلانا صريحا لتطور هذه العمليات وتركيزها العالي، حيث استهدفت في الوقت ذاته ثلاثة مواقع، إضافة للموقع الاستراتيجي الهام للمدينة باعتبارها نقطة حدودية مع ليبيا.

وهو ما اعتبره الخبراء "أزمة" لهذه الجماعات، حيث تعتبر توجهها نحو الجنوب التونسي بمثابة فتح طريق أمام ما تعيشه من ضغط هذه الفترة في ليبيا.

غير أن فطنة القوات الأمنية وجاهزيتها ووعي المدنيين بالخطر "الداعشي"، ساهم في الإيقاع بهذه الجماعات في المصيدة، حيث لاقت تصديا واستبسالا من الجيش والأمن التونسيين بمعاضدة شعبية كاملة لدحر هذا الخطر الداهم.

لكن أعقبت هذه الحادثة عدة ردود أفعال أسالت الكثير من الحبر حول صورة "السيلفي" التي التقطها بعض الجنود مع جثث الإرهابيين، بحيث اكتسحت الصورة مواقع التواصل الاجتماعي، من فيسبوك وتويتر، ليعتبرها التونسيون بمثابة تأكيد على بسالة القوات الأمنية ومصدرا لإذكاء روح الحماسة، مقابل ذلك استغلت الصورة في محاولات تشويه المؤسسة العسكرية، وهو ما سبب حرجا للمؤسسة العسكرية، حيث تعرضت للعديد من الانتقادات.

التقاط صورة سيلفي مع قتلى إرهابيين تم القضاء عليهم إثر مواجهات دامية أرهبت البلاد والعباد، صورة سرعان ما نقلت صداها إلى الشارع التونسي والصفحات الإلكترونية، مرددين في سخرية من هؤلاء الدواعش مقولة "سيلفي والإرهابي خلفي"، ومن ضمن الانتقادات التي وجهت للمؤسسة العسكرية أن الجيش التونسي بنشره لمثل هذه الصور، التي وصفها المنتقدون باللاإنسانية، فإنه لم يلتزم بالحد الأدنى من "أخلاقيات الحرب"، وأن هذا "الإرهابي" هو في المقام الأول إنسان، ولا بد لنا من احترامه بعيدا عما كان ينوي القيام به من تقتيل وترويع، وبغض النظر عن مرجعيته الدينية المتطرفة.

هنا لا بد من الإشارة إلى أن هذا الانتقاد كان سيكون محل صواب لو أن المعتدي هو جيش نظامي، طبقا لما جاء في اتفاقيات جنيف المتعلقة بأسرى الحرب 1949، فلو أننا عاملناهم استنادا إلى هذه الاتفاقيات فسيكون هذا بمثابة الاعتراف الضمني بتلك الجماعات الإرهابية الداعشية كجيش نظامي في حين أنهم غير ذلك.

كما لا يفوتنا القول إن الحرب التي تخوضها تونس اليوم ضد الإرهاب ليست حرب جيش ضد عصابات وتنظيمات إرهابية وحسب، بل هي أيضا حرب شعب كامل ضد الإرهاب، مثّل فيها الدعم الشعبي الدرع النفسي الذي يقوّي عزائم رجالاته، وما مشهد الشاب الأعزل الذي لم يختبئ خوفا من رصاص الإرهابيين بل استمات في حماية عمه الأمني فأردوه قتيلا، وهذا دليل على التفاف الشعب حول مؤسساته.

لهذا فإن السيلفي الذي أغضب البعض وأحرج البعض الآخر له مفعول المسكّن لفجيعة أم الراعي ابن 16 سنة الذي تمت تصفيته جسديا بقطع رأسه من قبل هؤلاء الإرهابيين، والثأر الذي شفى غليل أم الشهيدة سارة ابنة 12 سنة التي قضت نحبها، التي همّت بفتح باب المنزل، الأم الثكلى التي رغم فجيعتها إلا أنها ظلت تردد:
"وطْني قبل بطْني، وبلادي قبل أولادي".

(تونس)

المساهمون