فوق المذهبية... في علاقة الجاليات ببعضها

01 يوليو 2017
+ الخط -

لم يكن مفاجئاً أن يكشف بعض أبناء الجاليات اللبنانية، من خلال الاحتكاك المباشر لإعداد التقرير عن "لبنانيي المهجر"، عن سجال وجدل يشبه ما لدى غيرها في المغتربات.


لنا أن نتخيل أن الطائفية تتغلغل عند البعض حتى في أقصى الشمال الأوروبي. ففرز اغترابي يعكس اختلاف الواقع اللبناني القائم على المذهبية والانتماء للطائفة. وبالرغم من أن الأغلبية الساحقة من الناس العاديين يرفعون أعمدة بعلبك والروشة وشجرة الأرز على صور في صدر البيت والمطعم والمكتب، فإن الملاحظة التي يذكرها لبنانيون قلقون في الجاليات هي المتعلقة بخلق "اغتراب" آخر بين الجيل الجديد. وهم يصفونه بأنه "اغتراب عن الهوية الثقافية والوطنية الجامعة، لمصلحة نعرات وانتماءات أضيق وغير صحية".

أحيانا يدلي البعض بكلام لا يمكن نشره، وفي جانب آخر يعود وبشكل خجول لينسحب من نقاشه وهو يومئ لرجل عجوز ينهر عن فتح الجدل بالقول "كلكم يا ابني أبناء وطن واحد، وكلكم تحت سقف الهجرة، فلماذا تخوضون في ذلك وتقسمون أنفسكم؟". سؤال مجرب هجرة طويلة يوافق عليه كثيرون قبل أن يعود السجال المنقول من بيروت إلى مدن الشمال الأوروبي كانعكاس لواقع لبناني، كغيره العربي المتخم بانقسامات لا تحسدنا عليه جاليات أقوام أخرى.

ذلك واقع لا يصيب فقط تجمعات لبنانيين في برلين ومدن السويد والدنمارك وغيرها، بل تصل شظاياه لتصيب جسد الهجرة العربية، التي تعاني من انقسامات محمولة، أو مرسلة، من الأوطان في ظل حكم أنظمة وأحزاب، سياسية ودينية، ترى في هؤلاء المغتربين "خزان تأييد".
ففي ذكرى استقلال، أو مناسبة وطنية أو ثقافية أو أي ترح وفرح، ومنه العيد، فطرا وأضحى، ينقسم عليه البعض مقحما السياسة وتوزعات الطائفية وتمترس البعض خلف "جماعته". رغم أن كل ذلك لا تجده في المجتمعات المستقبلة، التي من المفترض أن هؤلاء المنقسمين يعيشون فيها.

بمعنى آخر، لا يمكن أن يتساوى الاستمتاع بالرفاهية و بالديمقراطية والتصويت وحرية التعبير وارتداد الجدل داخليا بخلافات تطل برأسها بحسب هوى "الزعيم" و"الشيخ" و" القائد" و"السيد" إلخ، من تسميات الانتماءات الضيقة... وليس خلافات حول برامج مواجهة تحديات مستقبل الأجيال في غربتها التي اختارها الأهل.

البعض يصف صراحة بأن استيراد الخلافات، التي "تتزاحم في أزقة البلد لا تفيد أحدا، وخصوصا أن رؤوسنا جميعا في ذات سلة الغربة"، بحسب ما يقول أحد اللبنانيين المهاجرين منذ 40 سنة، معلقا على هذا الجدل "العربي بامتياز".

في المقابل، ما يأمله البعض، مؤسسات وشخصيات، أن يصل أغلبية من يعاني في جاليات بعينها من هذه الانقسامات إلى أن يتوقف هؤلاء أمام مشهد نهي الأطفال عن اللعب مع أطفال آخرين إن كان لا يعجبه طائفة وموقف وتوجه عائلة هؤلاء الأطفال، لأن ما يجري ليس صحيا، بل حالة مرضية خطيرة على هذه الأجيال الصغيرة التي تُدفع دفعا لتبني مواقف الأهل، رغم أنها ولدت وتكبر في مهاجر غير عربية. والأمر أخيرا لا يعني جالية بعينها، بل حالة يبدو للبعض أنها غير موجودة طالما أن الحديث حولها علنا مستبعد.
دلالات
المساهمون