هؤلاء كفار.. لا أقف لهم!

06 سبتمبر 2015
العرب والمسلمون عرضة للتطرف(Getty)
+ الخط -
بحكم عملي كنت قد دخلت قاعة المحكمة، على يميني يجلس محامي الدفاع وعلى يساري كانت المدعية العامة. الشاهد يجلس في منصة الشهود. في العادة، أينما وجدت نظاما قضائيا ومحاكم حول العالم يقف كل من في القاعة حين يدخل القاضي/القاضية ومساعدوهما، يحدث هذا احتراما عند قبائل في أفريقيا ويحدث ذلك في السويد وما بينهما من بلاد بما فيها بلادنا العربية، ذلك بحكم احترام العدالة وتبجيلها باعتبارها مستقلة عن كل المؤثرات والسلطات، ربما لا يضاهيها استقلالية إلا مهنة الطب والقسم المعروف.
حين دخل القضاة وقفنا جميعا بمن فيهم المدعية ورجال الشرطة، أومأت للشاب العربي أن يقف بحركة من يدي... صعقني بإجابته:" هؤلاء كفار لا أقف لهم".
بإصرار مني حين قلت: ستضر نفسك وقضيتك، قف أفضل لك... وما إن التفت القضاة حين وصلوا إلى المنصة حتى كان قد وقف على مضض.
شاب مولود في الغرب، وفيه ترعرع وكبر إلى أن أصبحت لحيته تبدو كثافتها... فكيف عاش هذا الشاب كل سني حياته ليكتشف أخيرا بأنه يعيش "بين الكفار"؟
ما استطعت النوم في تلك الليلة، وأنا أبحث عن جواب لأسئلتي عن تلك الهوية التائهة بين أن تكون عربيا متوازنا في جغرافيا غربية، لها أعرافها وثقافتها وحضارتها التي نتغنى كثيرا بأن "جذورها أخذت منا، أي مما كان سائدا عندنا".
جيد أن نعدد ما كنا فيه: شوارعنا نظيفة في الأندلس، مجاري المياه في البيوت، الإنارة،
الجامعات التي استقبلت فيها أبناء الطبقات الأرستقراطية الأوروبية، وحركة الترجمة والعمران في أوجها مع إبداع عربي وأمازيغي، تحت مظلة الإسلام في بلاد بدت جنان في زمن كانت فيها لندن وباريس تغوصان في الوحل والظلمات.
جيد... كل ذلك جيد، لكن أين نحن من كل ذلك الذي "سرقوه منا"؟
أتذكر قصة قرأتها منذ زمن: يجلس على متن الطائرة بضعة مشايخ متجهين للدعوة، وبجانب أحدهم شاب سعودي مبتعث يفتح حاسوبه الذي يطالع فيه برامج معينة على يوتيوب... الشيخ الذي يجلس بجانبه يقول له: هذا من أعمال الشيطان. وما فهم الشاب إن كان يقصد الكومبيوتر أم برنامج يوتيوب... فسأله بلمحة بصر: يا شيخنا كل هذه الطائرة التي تجلس فيها أيضا من أعمال الشيطان.
هناك شخصيات إسلامية وعربية في الغرب تحمل خطابا حضاريا ومتنورا، وتملك أدوات حوار تختلف عن حوار الانفعال. لكن، وللأسف، تظل تلك الجهود فردية غير ممأسسة من ناحية ونخبوية جدا في وجهها الآخر. وبذات الوقت تتسع عملية "النأي بالنفس" التي تمارسها السفارات والمؤسسات الرسمية العربية. بل تشتكي بعض الجاليات من أن سفارات بلادها لا تعترف أصلا بأصولهم.
كما يمكن إضافة ملاحظة قالتها شابة عربية استطاعت أن تثبت حضورها في جامعات الغرب: "إذا كانت تعبيرات التضامن مع قضية عادلة تتطلب أن يرفع البعض أطفالا على أكتافهم، وقد حمّلوهم خنجرا أو بندقية بلاستيكية وعصبوا رؤوسهم، فلنعلم جميعا أننا نحن الذين نعمق الصورة النمطية عنا بمثل تلك التصرفات".
المساهمون