بالصور: المساعدات المنهوبة [4/4]..منظمات وهمية تفاقم معاناة النازحين العراقيين

بغداد

أمير العبيدي

avata
أمير العبيدي
السليمانية

نوزاد الجاف

avata
نوزاد الجاف
05 مارس 2016
+ الخط -
للمرة الثانية يعود النازح العراقي محمد الطائي إلى خيمته خالي الوفاض، بعدما فشل في الحصول على حصة من مواد غذائية وملابس شتوية، كانت توزعها إحدى المنظمات الخيرية داخل مخيم "عربت" في إقليم كردستان، شمال العراق، على الرغم من تأكيدات سابقة لمسؤول المنظمة، بأن الكميات المتوفرة لديهم تكفي لمئات العائلات، لكن واقع الحال يشير إلى توزيع حصص رمزية لأغراض التصوير والتوثيق فقط، كما يقول الطائي.

يبين الطائي وهو نازح من محافظة صلاح الدين أن الحال يتكرر مع منظمات وجمعيات تحمل أطناناً من المساعدات في عدة شاحنات كُتب عليها اسم المتبرع أو الدولة التي ينتمي إليها، إذ يتم تسجيل بيانات مئات العائلات النازحة، وتبدأ عملية تسليم الحصص التي تتوقف بعد فترة قليلة، في كل مرة، بحجة مراجعة بعض الأوراق وإجراء اتصالات مع الجهة المانحة ليتفاجأ النازحون بمغادرة أفراد المنظمة مع الشاحنات بعد التقاط عدد كبير من الصور ومقاطع الفيديو للنازحين وهم يتسلمون الحصص ويشكرون المنظمة على مبادرتها.

يؤكد الطائي لـ"العربي الجديد" إن هذه الحالة لا تقتصر على مخيم واحد، بل تنتشر في العديد من أماكن تجمع النازحين في المحافظات العراقية، وأن أقرباءه وأصدقاءه الموزعين هناك يمتلكون عشرات القصص عن أساليب وفنون الاستيلاء على المساعدات الإغاثية بكل أنواعها، من قبل منظمات محلية يقوم على إدارتها أشخاص يقدمون أنفسهم بصفة نشطاء إغاثة، ويعملون على تنسيق أعمالهم من الجهات العربية والعالمية المتخصصة في هذا المجال.

ويستغرب جار الطائي، النازح خالد الحاج، مما يلاحظونه من ملامح الثراء الواضح على العديد من النشطاء وأصحاب المنظمات التي ترفع شعار العمل الخيري، في وقت يفترض أن مهنتهم تعتمد على البذل والعطاء ومساعدة المحتاجين والإنفاق عليهم حتى من مالهم الخاص، لافتاً إلى أن مكوثه الطويل في مخيمات النزوح، علمه أن العراق ربما يكون الدولة صاحبة أكبر عدد من المنظمات الخيرية البارعة في التصوير، والفاشلة في العمل الإنساني، بحسب وصفه.

اقرأ أيضا: المساعدات المنهوبة [1- 4]..المصروفات الإدارية تلتهم دعم النازحين السوريين



طرق الاستيلاء على المساعدات

يتهم الناشط العراقي ومدير منظمة للإغاثة والتنمية تعمل في بغداد زياد الشيخلي، من يسميهم بالطارئين على هذا الاختصاص بالإساءة الكبيرة وإلحاق الضرر بسمعة العمل الإغاثي في العراق، من خلال استغلاله في المنفعة الشخصية والعلاقات العامة على حساب معاناة النازحين، كاشفاً عن أن هؤلاء يقومون بربط منظماتهم بجمعيات عالمية يحصلون منها على تمويل ضخم لإنفاقه في شراء السلع الغذائية والتجهيزات الخاصة بالمخيمات ولكنهم يقومون بإنفاق جزء بسيط منها في هذا المجال والباقي يتم الاستيلاء عليه، بحجة المصاريف الإدارية ورواتب العاملين.

ويشرح الشيخلي لـ"العربي الجديد"، بعض الطرق المتكررة والتي يقوم بها من يسميهم بالطارئين، من أجل الاستيلاء على المساعدات وأولها الاتفاق مع تجار على شراء كميات ضخمة من المساعدات الغذائية والملابس والأغطية ووسائل التدفئة ويتم تحميلها في شاحنات تتجه إلى المخيمات ويتم تصويرها وتوثيقها وبعدها يقوم بإدخال أصغر الشاحنات إلى المخيم لتوزيعها على الساكنين فيه وتعاد بقية البضاعة الى التاجر الأصلي الذي يعيد لصاحب الجمعية أو المنظمة أمواله مع خصم ثمن الكمية الموزعة واحتساب هامش ربح بسيط من عملية الاحتيال التي تتم تحت لافتة العمل الخيري.

ويتابع الشيخلي أن الطريقة الأخرى هي الأكثر انتشاراً، وتتمثل في استلام المواد الإغاثية من الجمعيات الخليجية والعالمية وتوزيع كمية قليلة منها في المخيمات، وبيع الباقي في الأسواق التجارية وبأسعار مخفضة تغري التجار والمضاربين بشرائها، مشيراً إلى أنه شخصياً يعثر بشكل دائم في أسواق جميلة (أكبر مجمع تجاري لبيع المواد الغذائية في بغداد) على بضائع لا تزال تحمل شعارات وعبارات تفيد بأنها مخصصة للتوزيع الإغاثي وليس البيع.

ويلفت الشيخلي إلى أن تدهور الأوضاع الأمنية جعل المنظمات العالمية والعربية تمتنع عن ممارسة عملها في العراق بواسطة كوادرها الأصلية وفضلت الاعتماد على جمعيات محلية من أجل إنجاز مهام شراء وتقسيم وتوزيع المواد الإغاثية على تجمعات النازحين والمحتاجين، مشيراً إلى أن الضمانات التي يتم اتخاذها للتأكد من إنجاز العملية بنزاهة لا تتعدى التصوير الفوتوغرافي والتوثيق بالفيديو وجمع أسماء وتواقيع النازحين، وهي أساليب من السهل جداً أن يتم تزويرها وفبركتها من قبل الذين اتخذوا من العمل الإغاثي وسيلة سريعة وطريقا مختصرا للثراء الحرام، على حد تعبيره.

اقرأ أيضا: المساعدات المنهوبة [2-4]..العمل الإغاثي لا يلبي حاجات نازحي لبنان



منظمات وهمية

المسؤول السابق في دائرة منظمات المجتمع المدني التابعة لمجلس الوزراء العراقي عبداللطيف الهنداوي يقر باستمرار مشكلة الاستخدام السلبي للافتة "منظمة غير حكومية" وخصوصاً في الموضوع الإغاثي، لافتاً إلى أن الموضوع ينقسم إلى منظمات وهمية غير مجازة منهم، وأخرى مرخصة، ولكن يتم استخدامها في أغراض بعيدة جداً عن الغاية الأساسية التي يتم تقديمها في طلب التأسيس الذي بموجبه يحصل على الموافقة الحكومية.

ويشدد المسؤول السابق على أن أول اشتراطاتهم لإجازة أي منظمة مجتمع مدني، أن تكون غير ربحية ولا تقوم بأي أعمال من أجل الكسب الشخصي أو تصب في المصلحة المادية للمؤسس وأعضاء الإدارة، مع التأكيد على الامتناع عن جمع أي أموال لاستخدامها في أغراض الترشيح أو تمويل الحملات الانتخابية وغيرها.

ويكشف الهنداوي في تصريحات إلى "العربي الجديد"، عن رصد مخالفات للعديد من المنظمات العاملة حالياً في العراق لجميع هذه الشروط وخصوصاً المالية منها، قائلاً "الأحزاب السياسية تحرص على تأسيس جمعيات ومنظمات مستقلة ظاهريا، لكنها موالية لها، وتتلقى تعليماتها منها من أجل التكسب المادي عبر الحصول على المساعدات الخارجية وتحويلها الى أموال سائلة لصالح الأحزاب أو لغايات إعلامية بواسطة استخدام موضوع التوزيع ومساعدة النازحين كجزء أساسي من حملاتها الإعلامية والتي تتركز في مناطق مناصريهم فقط ولا تشمل الجميع".

وبالرغم من عملهم على كشف أكبر قدر ممكن من المنظمات الوهمية وملاحقتهم لأصحاب الجمعيات المجازة والعاملة بشكل مخالف، فإن الهنداوي يرى أن هذه الجهود تبقى متواضعة وغير مكافئة لحجم الفساد الذي يسود هذا القطاع، لافتا إلى أن تحقيقا ساهم فيه قبل أربع سنوات أدى إلى اكتشاف 1586 منظمة غير مسجلة بشكل قانوني وتمارس العمل في المجال الإغاثي.

وتؤكد تقديرات الأمم المتحدة بخصوص الوضع الإنساني الحالي في العراق، أن "العدد التقديري للمحتاجين للإغاثة الإنسانية هو 1.5 مليون "4.7% من مجموع السكان بمن فيهم المجتمعات المضيفة".

اقرأ أيضا: المساعدات المنهوبة [3-4]..تحقيق حكومي في تلاعب بفواتيرعلاج السوريين بالأردن



نازحو الأنبار يشكون الاستقطاع المباشر

لا يقتصر الفساد المستشري في مجال المساعدات على منظمات المجتمع المدني العاملة في المدن العراقية، لكنه يمتد ليشمل الدوائر الحكومية المتخصصة بالتعامل مع شريحة النازحين واللاجئين، وفي مقدمتها الجهات التي تولت تقديم المبالغ الحكومية والمساعدات الغذائية لسكان المحافظات الذين أجبرتهم العمليات العسكرية على ترك منازلهم والسكان في مناطق أخرى، بحسب تصريحات لنازحين من محافظة الأنبار من بينهم ثامر علي الذيابي، الذي يسكن حالياً في منزل قيد الإنشاء بمدينة السليمانية.

ويوضح الذيابي جانباً من معاناة مشتركة للعوائل النازحة وتتمثل في أساليب الخداع والابتزاز التي مارسها عليهم موظفون حكوميون في سبيل منحهم مبلغ مليون دينار عراقي (800 دولار) كانت قد خصصتها الحكومة العراقية في وقت سابق لكل عائلة نازحة. ويكشف النازح الأنباري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، عن أنه أنفق في المراجعات واستنساخ الوثائق أكثر من ثلث مبلغ المنحة الحكومية دون الحصول عليها حتى نصحه أحد أقاربه بالتواصل مع موظف يقوم بتأمين استلامه لمبلغ المنحة بعد أن يستقطع 250 ألف دينار (200 دولار) منه، وهي طريقة أصبح متعارفا عليها فيما بعد بين أوساط النازحين باسم "الاستقطاع المباشر".

ويصف ناشطون في مجال الإغاثة طريقة الاستقطاع المباشر بأنها الأقل جدوى ومنفعة للموظفين الفاسدين، ويؤكد الناشط الإغاثي إياد محمود (اسم مستعار)، أنه تم توثيق استمارات بأسماء وبيانات وهمية لعشرات العوائل ومن خلالها يذهب مبلغ المليون كاملاً إلى جيوب حلقة من الموظفين الذين يقول إنهم تحولوا إلى أثرياء بين ليلة وضحاها، لكن مصدرا في مكتب المفتش العام لوزارة الهجرة العراقية، كشف لـ"العربي الجديد"، عن تلقيهم شكاوى مستمرة بخصوص حالات التلاعب في ملف المنحة المالية المخصصة للنازحين، مستدركاً بأن تحقيقاتهم تشير الى حالة معكوسة محملا النازحين جانبا غير قليل من المسؤولية في هذا الموضوع.

ويصف المصدر الذي اشترط عدم ذكر اسمه، الحديث عن فساد الموظفين، بـ"المبالغة والتهويل" وأن له أهدافا سياسية ويستهدف الإساءة لعمل وزارة الهجرة، قائلاً "رصدنا قيام مئات النازحين بالتسجيل في أماكن ومحافظات مختلفة من أجل استلام مبلغ المنحة مرتين أو أكثر، بالإضافة إلى تقديم بيانات وهمية وغير موثقة لعوائل غير موجودة في سبيل التربح منها".