نسخة معاصرة من "أخبار الحمقى والمغفلين" (2)

29 سبتمبر 2018
رسم عماد حجاج
+ الخط -

فصل: في ذكر أسماء الأحمق

يعدد ابنُ الجوزي للأحمق الذَّكَر واحداً وأربعين اسماً هي: الأحمقُ، الرقيعُ، المائقُ، الأزبقُ، الهجهاجةُ، الهِلباجةُ، الخَطِلُ، الخَرفُ، المَلِغُ، الماجُّ، المسلوسُ، المأفونُ، المأفوكُ، الأعفكُ، الفقاقةُ، الهُجَأَةُ، الألِقُ، الخَوعَمُ، الألفَتُ، الرَطِئُ، الباحرُ، الهَجْرَعُ، المَجِعُ، الأنوَكُ، الهبَنَّكُ، الأهوجُ، الهبنَّقُ، الأخرَقُ، الداعكُ، الهَدَّاكُ، الهَبَنْقَعُ، المُدْلَهُ، الذَهولُ، الجَعْبَسُ، الأورَهُ، الهَوْفُ، المُعضِلُ، الفَدِمُ، الهتورُ، عُياياءُ، طباقاءُ.
ويعدد للأنثى الحمقاء ثمانية أسماء فقط، هي: الورهاءُ، الخَرقاءُ، الدَفْنَسُ، الخَذْعَلُ، الهوجاءُ، القَرْثَعُ، الداعِكَةُ، الرطيئة.

(ملاحظة: المرأة العربية مضطهدة، عبر العصور، بدليل أن للذكر أربعة أضعاف ما لها من أسماء في مجال الحُمق!)


فصل: في ذكر صفات الأحمق

يوردُ المؤلفُ، في هذا الفصل، صفات (خَلْقيةً) لا يقبلها العِلم، ولا المنطق، ويدلل بها على وجود الحُمق من عدمه، كحجم الرأس، وطول الرقبة، وحجم الأذنين، وحجم العينين ولونهما، وطول القامة، وطبيعة الصوت. وقد استبعدتُ ذكرها في هذا التلخيص للكتاب، لأن هذه (الفرضيات والمعادلات) تسيء إلى أناس لا علاقة لهم بالحمق أو بالغباء، وكل ذنبهم أن شكلهم (الذي لم يكن لهم خيار فيه) قد جاء على هذا النحو.

وأما الطريف في هذا الباب فذلك المتعلق بطول اللحية، وهذه ليست مسألة (خَلْقية)، فالإنسان يستطيع أن يطيل لحيته كثيراً أو قليلاً، ولذلك فإن انتقادها لا يسيء لأحد.
لقد روي في أحد الكتب أن اللحية مَخْرَجُها من الدماغ، فمَن أفرط عليه طولُها قَلَّ دماغُه، ومن قل دماغُه قل عقلُه، ومن قل عقلُه كان أحمق.رسم عماد حجاج

قال بعض الحكماء: الحُمْقُ سمادُ اللحية، فمن طالت لحيته كثرُ حمقه. ورأى أحدهم لرجل لحية طويلة فقال: والله لو خرجت هذه من نهر ليبس!

وقال معاوية بن أبي سفيان لرجل: كفانا للشهادة عليك في حماقتك وسخافة عقلك ما نراه من طول لحيتك.

وقال بعض الشعراء:
إذا عرضـتْ للفتـى لحيــةٌ
وطالت فصارتْ إلى سُرَّتِهْ
فنقصانُ عقلِ الفتى عندنـا
بمقدار ما زاد في لحيـته! ثم يعود المؤلف ليلامس الصواب (الموضوعية بلغة اليوم) بقوله: كلام الأحمق أكبر الأدلة على حمقه.

ويُروى عن معاوية أنه سأل أصحابه: (بأي شيء تعرفون الأحمق من دون أن ترافقوه أو تجاوروه؟) فقال أحدهم: (من مشيته ونظره وتردده)، وقال آخر: (يُعرف حُمق الرجل من كنيته ونقش خاتمه). وبينما هم يخوضون في حديث الحمقى إذ قدم عليهم رجل يكني نفسه بأبي الياقوت، فأجلسه معاوية وحاوره قليلاً، ثم سأله: (ما المنقوش على فص خاتمك؟) فقال الرجل: (نقشت عليه الآية الكريمة: ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين!)، فقال القوم: (الأمرُ كما أخبرناك يا أمير المؤمنين)!


فصل: في خصال الأحمق وأفعاله

يثق الأحمقُ في من لا يعرفه ولا يخبره، وهو لا ينظر في العواقب. ويقال إنه- كذلك- قليل الوداد، كثير التعجب والكلام. قال أبو الدرداء: لا يَغُرَّنَّكم ظُرفُ الرجل وفصاحتُه- وإن كان مع ذلك صائم النهار قائم الليل- إذا رأيتم فيه ثلاث خصال: العجبَ، وكثرةَ التكلم فيما لا يعنيه، ونصحَ الناس بما لا يأتي مثله،.. فإن ذلك علامة الجاهل.

وقال عمر بن عبد العزيز: ما عدمتَ من الأحمق فلن تعدم خلتين: سرعةَ الجواب وكثرة الالتفاتات. ومن علامات الأحمق خلوُّه من العلم، لهذا قال الأعمش: إذا رأيتُ الشيخَ ليس عنده شيء من العلم أحببتُ أن أصفعه.

وكان عبد الله بن معاوية صديقاً للوليد بن عبد الملك، وذات مرة كانا في قصر الوليد يلعبان بالشطرنج، فدخل الآذِن وأعلمَ الوليدَ بقدوم ضيف، فوضع فوق الشطرنج قماشة بيضاء، وأذن للضيف بالدخول، وإذا هو رجل ملتح، ذو هيبة، وبين عينيه أثر للسجود، سلم وقال:
- أصلح الله الأمير، قدمتُ غازياً، فكرهتُ أن أتجاوزك دون أن أقضي حقك بالسلام عليك.
قال الوليد: أهلاً بك يا خال. ولكن قل لي، هل جمعتَ القرآن؟
قال: لا، كانت شغلتنا عنه شواغل.
قال: أحفظتَ من سنة رسول الله ومغازيه وأحاديثه شيئاً؟


قال: لا، كانت شغلتنا عنه شواغل.
قال: فأحاديث العرب وأشعارها؟
قال: لا.
قال: فأحاديث أهل الحجاز ومضاحيكها؟
قال: لا.
قال: فأحاديث العجم وآدابها؟
قال: ذاك شيء لم أطلبه.
فرفع الوليد المنديل عن الشطرنج واستأنف اللعب!
فقال عبد الله: حقاً، لا يوجد معنا في البيت أحد!
وخرج العالم الأحمق الجاهل لا يلوي على شيء.


فصل: في أخلاق الأحمق

إن معظم الناس، وأنا كنت منهم قبل أن أقرأ كتاب ابن الجوزي النادر (أخبار الحمقى والمغفلين)، يعتقدون بأن الحُمق صفة بسيطة يمكن اختصارها بكلمة "الغباء"، أو "الغفلة" أو "الجهل" أو "الضحالة"، ولكن تعالوا نقرأ معاً ما أورده أحد الحكماء في وصف أخلاق الأحمق، مما يشيب لتنوعه وتعقيده الولدان.

يقول ذلكم الحكيم إن من أخلاق الأحمق: العجلة، والخفة، والجفاء، والغرور، والفجور، والسفه، والجهل، والتواني، والخيانة، والظلم، والضياع، والتفريط، والغفلة، والسرور، والخيلاء، والمكر..

والأحمق إن استغنى بطر، وإن افتقر قنط، وإن فرح أشرَّ، وإن قال فَحَش، وإن سُئل بخل، وإن سأل ألحّ، وإن قال لم يُحسن، وإن قيل له لم يفقه، وإن ضحك نهق، وإن بكى خار!!!
وقال حكيم آخر إن الأحمق يُعْرَفُ بثماني خصال هي: الغضب من غير شيء- والإعطاء في غير حق- والكلام في غير منفعة- والثقة بكل أحد- وإفشاء السر- ولا يفرق بين عدوه وصديقه- ويتكلم في ما يخطر بباله- ويتوهم أنه أعقل الناس!

وقال أديب يدعى أبو حاتم: علامة الحُمق سرعة الجواب، وترك التثبت والتأكد، والإفراط في الضحك، وكثرة الالتفات، والابتعاد عن الأخيار، والاختلاط بالأشرار، فالأحمق إن أعرضتَ عنه أعتم، وإن أقبلتَ عليه اغترَّ، وإن حلمت عليه جهل عليك، وإن جهلت عليه حلم عليك، وإن أحسنت إليه أساء إليك، وإذا ظلمته أُنْصفْتَ منه، ويظلمك إذا أنصفتَهُ.

وأنشد محمد الشامي:


لنـا جلـيـسٌ تـاركٌ للأدبِ
جليسُـه مـن قولـه في تعبِ
يغضبُ جهلاً عند حال الرضا
ومنه يرضى عند حالِ الغضبِ


فصل في صحبة الأحمق

قال النبي محمد (ص): لا تؤاخِ الأحمق فإنه يشير عليك، ويجهد نفسه فيخطئ، وربما يريد أن ينفعك فيضرُّك، سكوتُه خير من نطقه، وبعدُه خير من قربه، وموتُه خير من حياته.
ونصح أبو زياد ابنه قائلاً: يا بني، الزمْ أهلَ العقل وجالسْهم، واجتنبْ الحمقى، فإني ما جالست أحمقَ فقمتُ إلا وجدتُ النقص في عقلي!

وأما الحسن بن هانئ (أبو نواس) فقد اعتبر الابتعاد عن الحمقى نوعاً من الزهد والتصوف والعبادة؛ إذ قال: هجران الأحمق قربةٌ إلى الله تعالى!
وقال سلمان بن موسى: ثلاثة لا ينتصف بعضهم من بعض: حليم من أحمق، وشريف من دنيء، وبَر من فاجر.

وقال الفراهيدي: الناس أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري، فذاك عالم فخذوا عنه، ورجل يدري وهو لا يدري أنه يدري، فذاك ناسٍ فذَكِّرُوه، ورجل لا يدري وهو يدري أنه لا يدري، فذاك طالب فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذاك أحمق فارفضوه.

وقال أحد الحكماء: ليس كل إنسان بقادر على التعامل مع الأحمق، وأما أنا فقادر. قالوا له: كيف؟ قال: أظل أبخسه من حقه حتى يطلب الحق بعينه، إذ متى أعطيته حقه طَلَبَ ما هو أكثر منه!

دلالات
المساهمون