هموم شعرية: مع مبارك حسني

20 يوليو 2024
مبارك حسني
+ الخط -
اظهر الملخص
- الشاعر المغربي مبارك حسني يعبر عن حزنه تجاه ما يحدث في غزة، ويعتبر الكتابة بطاقته الشخصية لمواجهة الظلم والجمال. يشعر بالسعادة عندما يتواصل الشعراء مع أعماله رغم ندرة قراء الشعر.
- ينشر حسني شعره عندما تتاح الفرصة، ويعترف بأن ناشري الشعر قليلون. يرى أن الشعر يحتاج إلى دعم من السرد والفن والتنظير ليصل إلى جمهور أوسع، ويستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أعماله.
- يرى حسني أن الشعر العربي يعاني من قلة الانتشار عالمياً، ويؤكد على أهمية ترجمته. يتمنى أن تنتشر أسماء شعرية مؤسِّسة وأن تُقام مهرجانات لدعم الشعر والشعراء.

تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته، لا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته. "ثمّة غيابٌ شبه كامل للشعر العربي عالمياً، وهو أمر غير معقول"، يقول الشاعر المغربي مبارك حسني في حديثه إلى "العربي الجديد".



■ ما الهاجس الذي يشغلكَ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- ما يحدث في غزّة عنوانٌ يُحيل على أمر أشمل هو القضية الفلسطينية، التي نشأتُ، مثل كل مجايليَّ، منذ عقود، على عدالتها، وعلى وجوب إيجاد الحلّ العادل لها. أحزن عميقاً على ما أراه. وأموت من شدّة المأساة التي لا تريد أن تُنهي مسارها الدامي. لأكُن صريحاً، ما يشغلني، منذ سنوات طويلة وحتى اللَّحظة، هو هاجس الكتابة بشكلٍ يومي. لسبب بسيط، لأنّها بطاقتي الشخصية، وهي جوابي الذي اخترتُه ردّاً على كلّ الأسئلة العويصة، الوجودية والآنية. الكتابة تلك التي أُعلنها في وجه هذا العالم حيث يُجاور الظلمُ العاتي الجمالَ العاتي. هي سخرية شكسبيرية أقسمَت أن تُؤرّقنا طويلاً، في العمق.


■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟

- يا له من سؤال! كيف أسمح لنفسي بأن أجيب عن سؤال لم يجِب عنه لا رامبو ولا بودلير ولا بول تسيلان ولا ماندلستام. فقط أقول، وأنا أحاذر في المشي حتى لا أقع على ما يقصم ظهر الشعر، إنّي أسعد، نعم، أكون سعيداً، حين يتواصل شاعرٌ مع ما أكتب من شِعر. أمّا مسألة الشاعر المقروء، فتلك علمُها عند من يقرأ الشعر، وما أندر من يقرأ الشعر في محيطنا. عندما يردّني تعليقٌ على قصيدة لي، يرى في أبياتها صورة شعرية أو لفتة لغوية أو نغمة بيانية أو إحالة ما غير مسبوقة، يرتفع منسوب الثقة الشعرية لديّ، هذه الكلمات قد تختصر علاقتي بالقارئ.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟

- أنشر حين تتوفّر المناسبة وألتقي من يودّ نشر قصائدي. ولا يحدث هذا كثيراً، بكلّ صراحة. ناشرو الشعر قليلون جدّاً، وفي كلّ مكان. الشِّعر شيء سامٍ لا يسعى في طريقه إلّا المختارون، وحين يتمكّن من الذيوع، وكسر حدود التلقّي نحو مساحة قرّاء أوسع، فلأنّ صاحبه رافق شعره بما يُجاوره من سرد أو فنّ أو تنظير. حينها يُضاء الشعر ويحتلّ المركز، ويُعرف الشاعر أكثر، في جغرافيات أكثر. الناشر يريد منك شعرك طبعاً، وما يعضده ويجيزه، ربح معقول للجميع.

الشِّعر شيء سامٍ لا يسعى في طريقه إلّا المختارون

■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟

- أمرٌ هامّ وأساسي، كي يصل الشِّعر إلى القارئ المفترض. بدأتُ كالكلّ بإرسال قصائدي إلى الجرائد الورقية التي كانت هي السائدة ذات زمن. كتبتُ بالفرنسية أوّلاً تحت تأثير قراءاتي لشعرائها العظام، ثم بالعربية ثانياً. بموازاة مع كتابتي القصّة والمقالة النقدية في مجال الفنون. ثم بعد ذلك، نشرتُ في العديد من المواقع. وهذه الأخيرة أساسية وضرورية لمساحات التعليق التي تسمح بها والتفاعل الذي تؤمنه لكلّ كاتب.


■ هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟

- نعم، وسائل التواصل الاجتماعي، خاصّة فيسبوك، تعلب دوراً مهمّاً في نشر الشعر. وقد أفادتني كثيراً في تجربتي، ولأنّ أغلب أصدقائي في الحائط الأزرق، أدباء وشعراء وفنّانون، فهذا أمر يخلق تجاوباً مستحباً جداً. هي مستجدّات العصر الذي نعيش فيه، ولا يمكن الاستغناء عنها. هذا بالإضافة إلى المساحة التي تقتطعها عالمياً.


■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟

- قارئ الشعر اليوم بلا هوية محدّدة، باستثناء الشعراء أنفسهم، الذين يقرأون الشعر بالضرورة. يفرض الشعر أن يذهب عند القارئ الذي يكون مستمعاً أوّلاً. الشعر أغلبه يُقرأ بصوت عال. تندر في محيطنا العربي تقاليد نشر الشِّعر والاكتفاء به كي يُخلق جمهور قارئ له. وهي الوحيدة الكفيلة بتعرّف قارئه المحتمل. يحدث أن أقرأ شعري في إطار مناسبات معيّنة كيوم الشعر العالمي، وأن يُستحسن، لكن يصعب القول بأنّ هناك من يقتني دواوين شعرية من المكتبات والأكشاك... أتمنّى أن يحصل ذلك!


■ هل توافق على أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟

- أعتقد، وبكلّ تأكيد، أنّ هناك الكثير من الصحّة في هذا القول. الشعر العالمي متعدِّد الجغرافيات والقارّات، وله تاريخ مسطَّر. نقرأ بالضرورة الشعر بلغته الأصلية، إذا أمكن ذلك، وهي الفرنسية في حالتي أنا، وشعر اللغات الأُخرى عبر الفرنسية كلغة وسيطة ذاتها، بحيث توجد ترجمات عديدة وجدّ محترمة. الشعر الأوروبي بلغاته العديدة. الشعر الفارسي والتركي أيضاً. هناك ترجمات عربية جميلة وتحترم روح الشعر، لكن هناك أيضاً الكثير من الترجمات المتسرّعة والحرفية، تقتل أحيانا الشعر.

نقرأ طبعاً شعرنا العربي لشعرائنا الكبار المعروفين ولشعرائنا المعاصرين، وهم بأعداد لا بأس بها، بصموا عن تجارب شعرية حقيقية، تقارع فيها الذاتُ الوجود عامّةً مع الشعر العربي الموروث والغني.


■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟

- تصعب الإجابة في حقيقة الأمر، لأنّ ما ينطبق على الشعر العربي، قد ينطبق على كلّ شعر في لغات أُخرى. لكن أعتقد أنّ نقطة قوّته في الموروث الشعري العربي الثري منذ صارت اللغة العربية لغة إبداع. فالشعر الجاهلي مثلاً، لم يستنفد قطّ ألقه ودرجة إثارته وإلهامه لكلّ تجربة شعرية معاصرة. نفس القول يمكن إيراده بخصوص الشعر في كلّ العصور حتى عصرنا الحالي.

خاصية الشعر، كما يعرف الجميع، كما الإبداع عامّةً، الصدق والجرأة. وفي بعض شعرنا العربي ذي الأغراض، لا يزال هناك حضور كبير للُّغة بما هي لغة، لا تتجاوز عتبة "الإنشاء"، في حين المطلوب هو أن تكون اللغة مفتاحاً لفهم العالم بشكل مختلف، لإدراك اللّامقول، المتخفّي، أي الحقيقة الأُخرى غير الظاهرة، العوالم الثاوية خلف العالم المرئي.


■ شاعر عربي تعتقد أنّ من المهمّ استعادته الآن؟

- ليس هناك اسم واحد. في بلدي المغرب، تمنّيت لو انتشرت أسماء شعرية مؤسِّسة؛ مثل محمّد خير الدين الذي كتب شعراً متفرّداً بالفرنسية، وكان له حضور باريسي في الأوساط الأدبية الشعرية في ستّينيات القرن الماضي. هناك تجربة شاعر مُجيد كمحمد عنيبة الحمري. في العالم العربي، هناك أُنسي الحاج مثلاً، لكن الأهم أن نعيد الاعتبار للشعر والشعراء بإقامة مهرجانات ولقاءات سنوية مستمرّة ومتعدّدة، هذا هو الذي يجب فعله. الشعر ينقذُنا من الهمّ والسطحية.


■ ما الذي تتمناه للشعر العربي؟

- أن ينتشر بشكل واسع. أن تسعى المؤسَّسات إلى ترجمته إلى لغات العالم المعروفة. يجب أن يصل صوتنا الإبداعي، العرب خبرٌ يومي في كبريات وسائل الإعلام، لكنّهم غائبون إبداعياً. زرتُ مؤخّراً سوق الشعر بباريس، الذي يُقام بساحة سان سولبيس، وراعني الغياب شبه الكامل للشعر العربي، خاصّة المعاصر، وهو أمر غير معقول. وقد ناقشت الأمر مع ناشرين، وتأسّفوا للأمر.



بطاقة

شاعرٌ وقاصّ وناقد فنّي مغربي، من مواليد الدار البيضاء عام 1961. يعمل في الصحافة الثقافية، ويكتب باللغتين العربية والفرنسية. من إصداراته الشعرية: "الرجُل الذي في المنعطف"، و"L'éveil des pas"، و"Gorgées de vers"، ومن مجموعاته القصصية: "رجلٌ يترك معطفه"، و"ذات أحد بالقرب مِن شمالٍ بعيد"، و"L'étrange ne tue pas"، و"Sous un jour inattendu".

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون