شعار المدينة

01 فبراير 2020
نقوش تروي بناء برج بابل (متحف برلين)
+ الخط -

بدا كل شيء في عملية بناء برج بابل، في أول مرة، منظماً بشكل مقبول، أجل، لربما كان النظام كبيراً جداً، فقد فكّر المرء كثيراً بمرشدين ومترجمين فوريين وأماكن سكن العمّال وطرق الاتصال، كما لو أنه يملك قروناً من إمكانية العمل الحر أمامه. أما الرأي الذي كان سائداً آنذاك، فيقول بأنه ليس بمقدرة المرء البتّة أن يكون بطيئاً بهذا الشكل في البناء، ويتوجّب عليه ألّا يبالغ في ذلك بشكل كبير، لأن من شأن ذلك أن يجعله يشعر بالخوف من وضع الأساسات. كان المرء يستدل على ذلك بالقول: إن الجوهري في هذا المشروع كلّه هو فكرة بناء برج يبلغ السماء.

وحين يتم الإمساك بالفكرة في عظمتها، حينها لن يكون بمقدرتها أن تختفي، فطالما هناك بشر، ستكون هناك الرغبة القوية ببناء البرج إلى نهايته. وبالنظر إلى ذلك، لا يتوجّب علينا أن نقلق بشأن المستقبل، بل العكس هو الذي يجب أن يكون، لأن معرفة الإنسان ستتصاعد. لقد عرف فن العمارة تقدماً، وسيحقق أشكالاً أخرى من التقدم، والعمل الذي نحتاج عاماً من الزمن لكي ننجزه، سنحتاج لربما بعد قرن من الزمن إلى نصف عام من أجل تحقيق ذلك، وسيكون، فوق ذلك، أكثر متانة.

لماذا يتوجّب علينا اليوم أن نبذل قصارى جهدنا؟ لن يكون لذلك معنى، إلا إذا كان بمقدورنا أن نأمل ببناء برج خلال جيل واحد. لكنه أمر لم يكن بالإمكان البتة توقعه. فالجميع فكّر بأن الجيل المقبل، وبالنظر إلى معرفته الأكثر كمالاً، سيجد عمل الجيل السابق سيئاً، ويعمد إلى هدم البناء، ومعاودة بنائه من جديد. إن مثل هذه الأفكار كانت تشلّ القوى، وبدلاً من الاهتمام ببناء البرج، تم الاهتمام أكثر ببناء مدينة العمّال، وأراد كل شعب لنفسه أن يحصل على أجمل الأحياء في المدينة، فنجم عن ذلك نزاعات دموية، ولم تتوقف هذه النزاعات، لأنها بالنسبة للقادة ستمنحهم حجّة جديدة للاستمرار، وفي بطء، ببناء البرج، وذلك أيضاً بسبب التركيز الضروري الذي تحتاجه عملية البناء، ولربما من الأفضل الاستمرار فيها بعد تحقيق السلام الشامل.

لكن الناس لم تقض كل وقتها في النزاعات فقط، ففي أوقات الراحة كانت تهتم بتجميل المدينة، لكن ذلك سيخلق أشكالاً جديدة من الحسد ومن الحروب، وستمضي حقبة الجيل الأول بهذه الطريقة، ولا جيل بعده سيختلف عنه. وحدها المهارات الفنية ستتطوّر بشكل مستمر ومعها إدمان الحروب.

وعقب ذلك، ينتبه الجيل الثاني أو الثالث إلى عبثية بناء البرج، ولكن الناس كانت مرتبطة ببعضها إلى حد كبير، بشكل منعها من مغادرة المدينة. وكل ما نشأ في هذه المدينة من أساطير وأغان، مسكون بالحنين إلى يوم نبوئي، يقول بأنه سيتم تدميرها فيه بقبضة ضخمة، في خمس ضربات قصيرة ومتتالية. للسبب عينه، كانت قبضة ترتسم على شعار المدينة.


* ترجمة: رشيد بوطيب

المساهمون