تقف هذه الزاوية مع الكتّاب العرب في يومياتهم أثناء فترة الوباء، وما يودّون مشاركته مع القرّاء في زمن العزلة الإجبارية.
قانون الكارما ينصّ على أن نوايا وأفعال الإنسان - خيرها وشرها - سترتد عليه في المستقبل، وأن الثمار التي يحصدها الآن إنما أتت من البذور التي زرعها في الماضي. هذه ملاحظة ثاقبة آمنتْ بها الديانات الشرقية، كالبوذية والهندوسية والطاوية، وهي موجودة بصور مختلفة في الأديان السماوية.
ولكن العقل الذي يؤمن بالمادة يرفضها، إذ ليس لها أساس علمي، ولا هي قابلة للقياس وإخضاعها للتجربة في المعامل، وخصوصاً فكرة أن نية الإنسان ولو لم يفعل شيئاً سوف تؤثر على مستقبله الشخصي حتماً! كل هذه القوانين الروحية تبدو مجرّد خزعبلات بالنسبة لرجل عقلاني، إذ كيف يمكن لنوايا وأعمال الإنسان أن تتطابق مع دورة حياة النبات، التي تبدأ بذرة مدفونة تحت الأرض وتتوازى مع النوايا المكنونة في صدر الإنسان، ثم سويقة تشقّ الأرض بحثاً عن أشعة الشمس وتتوازى مع شروع الإنسان في التنفيذ، ثم تنمو فتصير إما شجرة مثمرة وإما أعشاباً ضارة.
وعلى افتراض صحة قانون الكارما، ستكون الأوبئة التي تضرب الجنس البشري هي كارما منبعثة من الأرض. ثمة خلل خطير في علاقة الإنسان بالطبيعة، والأذية التي يرتكبها هذا الكائن المزعج بحق النبات والحيوان والماء والهواء قد تؤدي إلى هلاك الجميع، وانقراض الحياة على كوكب الأرض.
لاحظ أنصار البيئة أن هواء المدن قد صار أنظف؛ بعد أن أجبر فيروس كورونا البشر على البقاء في جحورهم، ومياه الأنهار صفتْ بعد أن كفّت المصانع عن تلويث البيئة. ومئات الظواهر الحسنة التي رصدتها الكاميرات هنا وهناك، وتحدثتْ عنها الصحافة. والأغرب أن البيئة عندما تتعافى، يتفاعل معها فيروس كورونا فيخفف من قبضته، فيتراجع معدل الوفيات، ثم ينسحب، وكأنه يقول للناس تعلموا هذا الدرس!
إذاً، الحل للخلاص من كارما الأوبئة هو تدبير إيقاع الحياة، وهو شيء يشبه في بعض وجوهه "التدبير المنزلي"، وهذا يعني إجراء تغيير جذري في أدمغتنا، وأن نُخفف من وتيرة حركتنا، فننتقل من عصر السرعة إلى عصر التمهل والتبصر.
وهذه وصفة العصر الجديد (الإنساني):
1- المصانع لا تعمل بطاقتها القصوى، بل بمعدل متوسط.
2- الأرض لا تُزرع بكثافة، بل تُعطى راحة من حين لآخر.
3- البحر يُحظر الصيد فيه مدة اثنين وخمسين يوماً متصلة في السنة.
4- تتفق حكومات العالم على يوم في الأسبوع - ليكن يوم الثلاثاء تجنباً للخلافات - تتوقف فيه حركة المواصلات في سائر أنحاء الأرض، فتتوقف حركة الطائرات والقطارات والسيارات والحافلات وقطارات مترو الأنفاق، وحتى السفن في أعالي البحار تربض في مكانها، على أن يُسمح في هذا اليوم بركوب الخيل والحمير والجمال، واستخدام الدراجات الهوائية والعربات التي تجرّها الأحصنة، وهذه ليست مزحة، ولكنها اتفاقية دولية تضمن اعتذارنا دون مراوغة عن الإزعاج الذي تسبّبنا به لأمنا الأرض خلال أيام الأسبوع الستة الماضية.
وتتكرر في القرآن الكريم الإشارات إلى أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام: "إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ"، وهذا يعني ضمنياً أن اليوم السابع، وهو آخر أيام الأسبوع، يلزم فيه التوقف، أيّ أن كل شيء يُنجز في الأيام الستة، ويترك اليوم السابع كفاصل يوازي في أهميته تلك الأيام الستة مجتمعة.
وفي الكتاب المقدس: "وبارك الله اليوم السابع وقدّسه"، بعد إتمام خلق السماوات والأرض وكل الأحياء في ستة أيام.
هذا الإيقاع الحياتي الرباني موصى به في الأديان السماوية كلها، وهو يوم راحة، ليس للإنسان فقط، ولكن للأرض ولكل كائن حي.
5- أن يُخفِّض الأغنياء أرباحهم إلى حد متوسط، فلا تستوفي الشركات الأرباح إلى الحد الأقصى، لأن هذا الهامش الذي تستغني عنه الشركات والمليارديرات يعود إلى جيوب الفقراء وعائلاتهم.
6- وقف الحروب في كل الأرض وإخمادها نهائياً، وهذا سيؤدي تلقائياً إلى إفلاس مصانع السلاح وإغلاقها.
يحسب الإنسان أن القنبلة النووية تُلحق الضرر بالبشر فقط، ولا يخطر بباله أن الأرض تشعر بالأذى وتتوجع، ولو امتلكتْ حنجرة لبلغ صراخها أقاصي الكون!
7 - الكف عن إراقة الدماء.. الدم البشري الذي يسيل على تراب الأرض يغضبها. ولأن الإنسان الذي خُلق منها هو ابنها، أفلا يحق لها أن تنتقم وتأخذ بالثأر؟ وهذه ليست صورة مجازية، بل حقيقة، لأن الأرض لها أحاسيس ومشاعر، فاحذروا غضبتها على أولادها!
هذه الوصفة مفتوحة لمزيد من البنود، وأُحيي كل من يقترح جديداً مُضيفاً إليها بما يُساهم في انتقال الجنس البشري من عصر السرعة - الذي يقودنا إلى الهاوية - إلى عصر الانسجام مع الطبيعة.
* كاتب من اليمن