"الحركة العلمية في زنجبار": ذاكرة عربية

18 فبراير 2020
(جزيرة زنجبار عام 1890، Getty)
+ الخط -

يعود تاريخ التواصل بين الجزيرة العربية وساحل أفريقيا الشرقي إلى عدّة قرون قبل الميلاد، مع ازدهار التبادلات التجارية بين الجغرافيتَين، ومثّلت هجرة القبائل اليمنية إلى الحبشة أولى موجات الاستقرار في إثيوبيا حيث امتزج اليمنيّون مع سكّانها الأصليّين وساهموا في بناء عدد من الممالك منذ القرن الأول الميلادي.

مرحلة ثانية أتت مع هجرتَي المسلمين الأولى والثانية إلى الحبشة حيث استقرّت بعض عائلاتهم، وفق المراجع التاريخية التي تشير إلى نفوذ عربي بدأ في عهد الخلفاء الراشدين ثم الأمويّين على مناطق في إريتريا، كما فرض العباسيون سيادتهم على بعض أجزاء الصومال.

ربما يتمثّل الحضور الأبرز للعرب في الحبشة في انتصار العُمانيين على الاستعمار البرتغالي وسيطرتهم على حامياتهم العسكرية في القارة السمراء عام 1698، وهو من بين ما يتناوله كتاب "الحركة العلمية في زنجبار وساحل شرق أفريقيا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي" للباحث سليمان بن سعيد الكيومي، والذي صدر حديثاً عن "الآن ناشرون وموزّعون" و"الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء".

يشير الكتاب إلى أنّ جميع الهجرات العربية إلى الصومال، وكينيا، وتنزانيا، وموزمبيق، وجزر القمر، وجزيرة سيشل كان يغلب عليها الطابع التجاري والسياسي، أما الهجرات الاستيطانية فقد كانت أهمُّ أسبابها النزاعات التي شهدتها الجزيرة العربية وبلاد فارس؛ وكانت تحمل طابع اللجوء السياسي، كما حدث مع آل الجلندي الذين قدموا إلى المنطقة بعد أن خسروا حربهم ضدّ الأمويين في عُمان، والشيرازيين الذين لجؤوا إليها بعد أن سقطت بلادهم في أيدي السلاجقة.

في عام 1928، قرّر حاكم عُمان سعيد بن سلطان البوسعيدي (1804 - 1856) اتخاذ زنجبار عاصمة ثانية لدولته واستقرّ فيها، وأصبحت مركزاً للتجارة الأفريقية، ومستودعاً للسلع التي كانت توزّع إلى كلّ من الهند والجزيرة العربية عن طريق التجار العرب، وإلى أوروبا والأميركيتيْن.

كما يلفت المؤلّف إلى تعدّد الأعراق والثقافات في شرق أفريقيا مع اختلاط العرب والفرس بالقبائل الأفريقية، بالإضافة إلى الوجود الهندي والإنكليزي والبرتغالي، إلّا أن مظاهر الثقافة العربية هي الغالبة، فقد قلّد السواحليون العرب في كل شيء، سواء في الدين أو في الملبس أو في العلاقات الاجتماعية وغيرها من مجالات الحياة.

استقر العلماء المسلمون الذين أتى معظهم من عُمان وحضرموت، بحسب الكتاب، في تلك السواحل منذ مئات السنين، وكانوا القوة التي تدير المجالات الحيوية، فمنهم القضاة الذين يطبّقون أحكام الشرع، ومنهم الذين يقومون بمهمة التربية والتعليم، ومنهم من ينشرون الثقافة والأدب، كما أسّسوا مكتبات وجرائد.

في عام 1875، جُلبت مطبعة من بريطانيا بدأت عملها عام 1880، ثم أُحضرت مطبعة ثانية من لبنان سنة 1884، وقد شكّل ذلك نقلة نوعية في الحركة العلمية التي شهدتها زنجبار، مع طباعة العديد من المخطوطات والمؤلّفات في مجالات معرفية مختلفة، إضافة إلى صحف باللغات العربية والإنكليزية والسواحلية؛ منها: "النجاح"، و"الفلق"، و"النهضة"، و"الأمّة"، و"الإصلاح"، و"المعرفة".

وإلى جانب المساجد التي احتضنت الحلقات التعليمية، أُنشئت العديد من المدارس؛ مثل "مدرسة باكثير" التي تحمل اسم الشيخ عبد الله الحضرمي الذي أسّسها عام 1892 لتدريس علوم القرآن والتفسير، كما انتشرت "بيوت العلماء" في زنجبار، ومدن ممباسا وبمبا ولامو وسفالة وكلوة، والتي كانت تركّز على علوم اللغة العربية والشريعة، إلى أن افتُتحت أول مدرسة حكومية عام 1904.

يذكر الكيومي أسماء العلماء الذين برزوا في شرقي أفريقيا من أمثال محمد بن أحمد باقشمر الذي اختص بعلوم الفلك، ومنصب بن علي بن سالم الذي اهتمّ بالتاريخ والفقه، ويحيى بن خلفان بن جاعد الخروصي الذي كتب الشعر وحقّق العديد من المخطوطات، كما يستعرض عشرات المؤلّفات التي وضعوها في تلك الفترة.

المساهمون