عمل وإعادة تأهيل في سجون تركيا

08 ابريل 2018
أمام سجن ميتريس في إسطنبول (أوزان كوزيه/ فرانس برس)
+ الخط -
ليست سجون تركيا مؤسسات عقابية خالصة مثل كثير من دول العالم، بل هي مؤسسات تأهيلية تعتمد المعايير الحقوقية الأوروبية لتتيح للسجين العمل بأجر والتعليم، بالإضافة إلى مزايا عديدة

لأنّ أبسط تعريف حقوقي للسجن يقول إنّه مكان معزول عن المجتمع يقيم فيه شخص مذنب تنفيذاً لعقوبة أصدرتها محكمة بحقه، لكنّ الهدف ليس رحلة تعذيب وإذلال، بقدر ما هي تأهيل وتقويم سلوك كي يعود إلى مجتمعه معافى سلوكياً، يأتي السؤال، كيف تتعامل تركيا مع السجناء، بعدما ازدادت أعدادهم بعد الحرب على الإرهاب والانقلاب الفاشل الذي ضرب البلاد منتصف يوليو/ تموز 2016 بشكل كبير؟

هذا السؤال دفع رئيس الوزراء، بن علي يلدريم، للقول، بعدما جرى الإفراج عن 38 ألف سجين ضمن خطة لإصلاح نظام العقوبات: "المدانون بعقوبات مخففة قد يتم نقلهم إلى سجون مفتوحة بهدف إفساح المجال لعشرات الآلاف من المعتقلين في أعقاب الانقلاب الفاشل، إذ ثمة اكتظاظ بسبب الحرب ضد الإرهاب" مضيفاً: "سياسة النقل لن تطبق على الجرائم الكبرى مثل الإرهاب والجريمة المنظمة وإساءة معاملة الأطفال".

يقول المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو: "يجري في تركيا التعامل مع الملف من ناحية مراعاة الحقوق المدنية للمحكومين، كونهم مواطنين بحسب القانون، إذ يأتي الحكم موافقاً لما ينص عليه القانون، ولا يتم التعامل وإصدار الأحكام بناء على أيّ بعد آخر كالانتماء القومي أو السياسي أو الديني". يضيف لـ"العربي الجديد": "عندما يعتقل المشتبه فيهم المطلوبون للعدالة، تؤخذ إفادتهم الأولية في المخفر وتسجل إلكترونياً، إذ تربط مباشرة بوزارة العدل والمحكمة والسجلات الأمنية، كي لا يتغير أي شيء فيها".

وحول ما يقال عن انتهاكات بحقوق الموقوفين والسجناء، يؤكد أوغلو أن هناك كاميرات مراقبة في كلّ المخافر بتركيا، وهي مربوطة بشكل مباشر مع الجهات الأمنية ووزارة الداخلية. هذه الكاميرات تسجل أيّ انتهاك إن حدث، ليعاقب مرتكبوه بعد ذلك، فالدولة تجرّم أيّ مرتكب للانتهاكات. يلفت إلى أنّ السجون التركية محققة للشروط والمواصفات الأوروبية ويحق للصحافة والكاميرات دخولها والاطلاع على التعامل مع السجناء فيها.

وحول كيفية تأهيل السجناء في تركيا، يقول كاتب أوغلو: "التأهيل داخل السجون ينقسم إلى مراحل، أولها تقويم سلوك السجين من خلال المعالجة الذهنية إن كان مريضاً، عبر جلسات علاج وجرعات دوائية، خصوصاً إن كان مدمناً. عندها يجري علاجه. كذلك، يجري البحث عن أسباب الجريمة الأساس لمعالجتها.




أما بالنسبة للسجناء الأصحاء فيجري إدراجهم في أعمال إنتاجية أو إبداعية وفقاً لما يختارون. وهنا تتدخل فترة السجن بالحكم، فالمحكومون بمؤبد الأشغال الشاقة على سبيل المثال، يذهبون إلى مناجم الفحم، أما الفترات القصيرة والمتوسطة، فيدفعون للعمل في أعمال زراعية وصناعية.

يوضح كاتب أوغلو أنّ مبيعات السلع التي ينتجها السجناء، يعود مردودها إلى حساباتهم الشخصية. ويتضمن التأهيل داخل السجن، المجال التعليمي، فعدا عن دورات اللغات والكمبيوتر، هناك إمكانية لمتابعة التحصيل العلمي عبر جامعة "أناضولو" للتعليم عن بعد، التي تقبل تسجيل السجناء لمتابعة تحصيلهم الجامعي.

لكن، ما هي نظرة المجتمع إلى السجين السابق، وكيف يجري استيعابه أو تشغيله، خصوصاً أنّ وصم سجله المدني بصفة "محكوم" عادة تنفّّر جهات التشغيل منه؟ يؤكد المحامي وليد الكردي من إسطنبول، أنّ "التعامل في السجون التركية جميعها، ينطلق من القانون وإنسانية السجين، وتتوفر في السجن كلّ متطلبات الحياة خارج السجن، من تعليم وتأهيل وممارسة الرياضة، عدا أماكن التوقيف المؤقتة والتي تمتاز بمعاملة جيدة ولا يتخللها إهانة أو إزعاج للموقوفين". وحول نظرة المجتمع والتعامل مع السجين بعد انقضاء فترة حكمه، يضيف الكردي لـ"العربي الجديد": "قديماً، كان النفور والاستبعاد من المجتمع لأنّه خريج سجون، أما اليوم، فتغيرت النظرة نسبياً، وباتت الشركات التابعة للبلدية في إسطنبول وعددها 29 شركة تستوعب السجناء السابقين، وهي التي تتوزع اختصاصاتها على النقل والصناعات الغذائية وخدمات البنى التحتية: "كما أنّ فرص العمل في القطاع الخاص مفتوحة خصوصاً لمن يخرج من السجن مؤهلاً، إن عبر مهنة أو عبر شهادة علمية".

السؤال هنا، هل التعامل مع السجناء الأتراك هو نفسه مع غير الأتراك؟ يقول السجين السابق، المثنى الحلبي (30 عاماً): "نفذت عقوبتي في سجن مالتبا، في القسم الآسيوي من إسطنبول لمدة عام، بعد ارتكابي جناية إشهار سلاح ومشاجرة". يضيف الشاب السوري لـ"العربي الجديد": "كان التعامل بين المواطنين والأجانب من مختلف دول العالم، في سجن مالتبا، نفسه تقريباً. كنا نحظى بثلاث وجبات يومياً. الإفطار مؤلف عادة من بيض وعسل وجبنة، وهو طعام نظيف وجيد وفيه تنوع. ولا تمارس أيّ عقوبات جسدية أو ضغط على أيّ سجين، إلاّ إذا اقترف أخطاء وأساء التعامل داخل السجن".

حول الترفيه والتأهيل، يقول السجين السابق: "في السجن مكتبة ضخمة متنوعة ومتعددة اللغات، ويجري إحضار الكتب إلى المهجع بناء على طلب السجين وفق اللائحة التي يعرضها علينا السجان. وهناك أيضاً صالة رياضة وصالة لتعليم الموسيقى واللغة التركية، لمن يريد". لكنّه يشير إلى أنّ "البعض محبوس منذ سنوات ولم يطلب تعلم لغة أو مهنة، وإدارة السجن لا تجبر أحداً على ذلك". يتابع أنّ بعض السجناء من المحكومين لفترات طويلة، يمتهنون أعمالاً إنتاجية داخل السجن: "لهم ملابس محددة وعلى صدرهم بطاقة، يتجولون في السجن ويمارسون عملهم من الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساء".

تقول إحصاءات رسمية تركية، إنّ عدد ورش العمل التي يعمل فيها السجناء في أنحاء تركيا، وصل عام 2018، إلى نحو 1700 ورشة عمل، تضم أكثر من 50 ألف سجين، يعملون ضمن إطار البرنامج الذي تُشرف عليه وزارة العدل التركية.

وتتوزع منتجات ورش العمل، بين المنسوجات، والخشب، والمخابز، وتربية النحل، والفواكه والخضر، وتُباع في المقام الأول للمؤسسات العامة، في حين يجري تسويق بعضها في القطاع الخاص.




ويخضع السجناء العاملون لنظام الضمان الاجتماعي العام، ويتقاضون أجراً يومياً قدره 14 ليرة تركية (3.57 دولارات أميركية تقريباً)، أي ما يعادل ربع الحد الأدنى للأجور في تركيا.
المساهمون