مخترعون صغار في تونس

22 فبراير 2018
تحاول أن تصنع شيئاً (جمعية الشبان والعلم)
+ الخط -
"تألّمت كثيراً حين أدّت المياه الغزيرة الناتجة عن فيضان وادٍ في الجنوب التونسي إلى وفاة معتمد مدينة مطماطة (ممثل المحافظ) ورئيس مركز الحرس، وهما في طريقهما إلى تفقّد مدرسة للأطفال. لم أنم يومها، وبدأت أفكّر في اختراع شيء أستطيع من خلاله مساعدة الناس وإنقاذ الأرواح في حال حدوث فيضانات". هذا ما يقوله الطفل فادي الطبوبي (11 عاماً)، وهو من محافظة باجة، شمال تونس.

مؤخّراً، فاز فادي بالجائزة الأولى للمناظرة الوطنية للاختراع والتجديد التكنولوجي، التي نظمتها الجمعية التونسية "مخترعون بلا حدود" في مجال العلوم والتنمية المستدامة في باجة، وشارك فيها أكثر من 21 طفلاً وشاباً تونسياً. ويؤكّد فادي لـ "العربي الجديد" أنّ مشروعه عبارة عن قارب لاسلكي يمكن التحكم فيه عن بعد، ويرسل مباشرة إلى الشخص الذي يجب إنقاذه، خلال الظروف المناخية السيئة، علماً أن فرق الدفاع المدني قد تعجز عن الوصول إليه، خصوصاً في حال كانت المنطقة وعرة. ويلفت إلى أن جهة الشمال الغربي تشهد فيضانات كثيرة، ما يشكّل خطراً على الأرواح.

وعلى الرغم من أنّ الظروف الاجتماعية لأسرة فادي صعبة، إذ إن والده يعمل في سوق للخضار، وبالكاد يتدبّر قوت الأسرة، إلا أن أحلام هذا الطفل الصغير لا حدود لها، وكثيراً ما يقضي الوقت في زاوية في البيت يجمع قطعاً ويخترع نماذج قد تبدو بسيطة، لكنّ أهدافها كبيرة. ويعتمد هذا الطفل على وسائل بسيطة ومواد يجمع غالبيّتها من القمامة. على الرغم من ذلك، فإنه في كل مرة يفاجئ المحيطين به، من رئيسه في النادي وعائلته، بما توصل إليه، ويسعى دائماً إلى تنمية موهبته وتشريف تونس في المحافل الدولية، مبيّناً أن مشروعه الجديد سيكون سيارة لذوي الإعاقة تعمل بالطاقة الشمسية.

أما الطفل منتصر وشتاتي (13 عاماً)، الذي يتحدّر من مجاز الباب في الشمال الغربي، فقد اخترع آلة تبريد منزلية بمواد أولية بسيطة، تعمل بواسطة مروحة وبطارية، وقد حصل على الجائزة الثالثة في المسابقة نفسها. يؤكّد لـ "العربي الجديد" أن الفكرة جاءته بسبب ارتفاع درجات الحرارة صيفاً، ورؤيته عائلات فقيرة تعاني من جراء عدم قدرتها على شراء مكيفات. ويبيّن أن الجمعية ساعدته على تحقيق مشروعه، وقد اختبرت فعاليته.

جلسة نقاش (جمعية الشبان والعلم) 


لكنّ أبرز ما يواجههم كأطفال هو عدم قدرتهم على تسجيل اختراعاتهم ليحصلوا على براءة اختراع، إضافة إلى ضيق الوقت بحكم البرامج الدراسية، إذ عادة ما يُخصصون نهاية الأسبوع لممارسة هواياتهم. ويلفت إلى أن أول شيء صنعه كان سيارة ليلعب بها. ويوضح أنّه يعمل في الوقت الحالي على مشروع لتحويل الطاقات الشمسية بين تونس وكندا بسبب فارق التوقيت بينهما. إلّا أن تجسيد هذه الفكرة التي شجعها عليها مدربوه في النادي تتطلّب تدخل الدولة وتبنّيها المشروع. ويأمل منتصر في زيادة المعاهد التي تحتضن وتشجع الأطفال وتساعدهم على تنمية مواهبهم.



من جهته، يقول رئيس "مخترعون بلا حدود"، الشاذلي القيزاني، لـ "العربي الجديد"، إن الجمعية تساعد وتشجع الأطفال والشباب على تنمية مواهبهم، لافتاً إلى أن الأطفال يقدمون العديد من الأفكار والمشاريع، لكن يتم اختيار تلك القابلة للتطبيق، التي تتضمن أفكاراً جديدة وتقدّم مساهمة فعالة للمجتمع. وتتولّى الجمعية مساعدة المخترعين الصغار بالمواد والأدوات التي يمكن أن تجعل مشاريعهم حقيقية، مشيراً إلى أن أساتذة متخصصين يساعدون الأطفال على تنمية وتطوير مواهبهم.

ويرى القيزاني أنّ العائق الكبير الذي يواجههم يكمن في ضيق الوقت، والدراسة، وأحياناً غياب التشجيع من قبل أولياء الأمور الذين يرون أن التركيز يجب أن يكون على الدراسة قبل الاختراعات.

أحد الاختراعات (جمعية الشبان والعلم) 


ويبيّن القيزاني أنّ غالبية الاختراعات لا تُجسد على أرض الواقع، ولا يحصل أصحابها على براءة اختراع نظراً لضعف الإمكانات، خصوصاً أن غالبية هؤلاء المخترعين تلاميذ في مراحل ابتدائية أو ثانوية، ولا يبادر المستثمرون إلى تبني مثل هذه المشاريع وترويجها على النطاق المحلي أو العالمي للاستفادة منها.

من جهتها، تحثّ الجمعية التونسية "الشبان والعلم"، وهي منظمة غير حكومة لها فروع في غالبية المحافظات في البلاد، الأطفال على ممارسة أنشطة علمية وتقنية خارج أوقات الدراسة، وتشجعهم على الابتكار التكنولوجي ضمن نوادٍ ومسابقات، وتساعدهم على اقتحام العلوم الجديدة والمتجددة. يقول العضو في الجمعية وائل الجمني، لـ "العربي الجديد"، إنّ الجمعية تشارك في العديد من المسابقات العالمية، وتسعى إلى تمكين الأطفال من خلال دورات علمية تركز على عالم "الروبوتات"، وتتميز الأفكار التي يقدمها أطفال تونس بالابتكار والتجديد التكنولوجي.

يشار إلى أنه سبق أن حصلت الجمعية على ألقاب دولية عدة، منها كأس الدورة أو كأس العالم، عقب تتويجها كأفضل وفد مشارك في المعرض العلمي الدولي للشباب الملتئم في عام 2015 في بروكسل، من ضمن ألف مشارك من 60 بلداً من مختلف أنحاء العالم.
المساهمون