كارثة إنسانيّة.. "الأونروا" تنسحب من شمال الضفة الغربية

02 يونيو 2016
لا تعرفان شيئاً عن الكارثة المتوقعة (Getty)
+ الخط -
أغلقت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) جميع مكاتبها الخدماتية في شمال الضفة الغربية، ما ينذر بكارثة إنسانية في ظل اعتماد الأهالي على المساعدات والخدمات التي تقدمها. وما زال الأهالي يطالبون بإدخال تعديلات على البطاقة الإلكترونية

تعتمد مئات العائلات الفلسطينية في مخيمات شمال الضفة الغربية المحتلة على ما تقدّمه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بشكل أساسي، من خدمات صحية وتعليمية وبيئية، بالإضافة إلى المواد التموينية والحاجيات الأساسية التي تسد رمق الفلسطينيين الذين هُجّروا من بلادهم قسراً عام 1948.

وكانت الوكالة قد أنشئت لمساعدة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الذين طُردوا من بلادهم وعاشوا في الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان وسورية والأردن، وتعتمد على تمويل الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.

في الآونة الأخيرة، بدأ اللاجئون الفلسطينيون يشكون بسبب تقليص الخدمات التي كانت تقدّم لهم خلال السنوات الماضية. وتفاقمت الأزمة أخيراً بعد إصدار بطاقة إلكترونية بدلاً من المواد الغذائية التي كان يحصل عليها اللاجئون. ورفضت العديد من الجهات الرسمية في المخيمات والفصائل الفلسطينية هذه البطاقة، مطالبة الوكالة بإجراء بعض التعديلات.

عدا عن ذلك، يقول رئيس لجنة خدمات مخيم بلاطة في مدينة نابلس، أحمد ذوقان، لـ"العربي الجديد"، إن الوكالة التي كانت تقدّم مواد تموينيّة لنحو 48 ألف لاجئ فلسطيني، واستبدلتها ببطاقة إلكترونية، قلّصت عدد اللاجئين الذين سيحصلون على هذه البطاقة إلى 36 ألف لاجئ، ما يعني أن 12 ألف لاجئ لن يحصلوا على أي مساعدات.

وبعدما نظّم لاجئون فلسطينيون احتجاجات، قررت الوكالة وقف عملها في كافة مرافقها في مخيمات شمال الضفة الغربية حتى إشعار آخر. ويقول المتحدث باسم الوكالة كاظم أبو خلف لـ "العربي الجديد" إن "سبب تعليق العمليات هو تلقي بعض الموظفين تهديدات غير مقبولة من أشخاص في اللجان الشعبية في المخيمات"، لافتاً إلى أننا "وكالة إنسانية ليس لديها قوات أمنية لحمايتها".

شمل هذا القرار توقّف العديد من المرافق، كالمؤسسات التعليمية التابعة للوكالة. صحيح أن العام الدراسي انتهى، إلا أن بعض المدارس لم تسلّم شهاداتها بعد. كذلك، أغلقت جميع العيادات الطبية التي يعتمد اللاجئون الفلسطينيون عليها لتلقي العلاج والحصول على الأدوية مجاناً.
علاوة على ذلك، كانت الوكالة تتولّى تنظيف أحياء المخيمات. إلا أن هذا توقف أيضاً، ما سيجعل شوارع المخيمات تتكدس بالنفايات.

وبحسب إحصائيات الوكالة، فإن 419 ألف لاجئ يعيشون في مخيمات الضفة الغربية. في هذا السياق، يقول إياد أبو رجب الذي يعيش وعائلته في مخيم بلاطة (شرق مدينة نابلس)، لـ"العربي الجديد": "لم يمض وقت كثير على إغلاق مكاتب الأونروا. نخشى من تأثيرات ذلك في حال لم تعد الوكالة إلى عملها. خلال اليومين الماضيين، تكدست القمامة عند مدخل المخيم وأحيائه، علماً أنه يعيش في داخله نحو 28 ألف لاجئ". يضيف أن "العيادة التي يعتمد عليها أهالي المخيم لم تعد تستقبل أحداً، علماً أنها لم تكن تخلو من المرضى طيلة أيام الأسبوع"، لافتاً إلى أن غالبية اللاجئين يعتمدون على الوكالة لتلقي العلاج والدواء مجاناً.

ويتساءل أبو رجب عمّا قد يحصل لكبار السن الذين يعانون من أمراض كالسكري والضغط في حال استمرار إغلاق المراكز الصحية التابعة للوكالة، بالإضافة إلى الأطفال. يضيف أن استمرار الإغلاق سيضطر المرضى إلى الذهاب إلى عيادات خاصة، علماً أنهم لا يستطيعون تحمل عبء تكاليفها الباهظة.


في مخيّم نور شمس للاجئين الفلسطينيّين في مدينة طولكرم، حيث أغلق المركز الصحي، وتوقّف عمال النظافة عن جمع القمامة، يقول أحد سكان المخيم، مراد السلمان، لـ"العربي الجديد"، إن أحد أبناء جاره أصيب بإنفلونزا حادة، فاضطر والده إلى أخذه إلى مستشفى المدينة، مشيراً إلى أنه عامل بسيط ميسور الحال، وكان سيعالج ابنه مجاناً في عيادة الوكالة لو لم تكن مغلقة. يضيف أن كبار السن الذين يعانون من مشاكل صحيّة سيضطرون إلى تحمّل تكاليف إضافيّة لأن المستشفى بعيدة عن المخيم. كذلك، لا يستطيعون التوجه إلى المستشفيات الخاصة بسبب الحالة الاقتصادية الصعبة.

يقول ذوقان إنّ "ما أقدمت عليه الوكالة يرتبط بقرار سياسي بحت، كون الدول القائمة على هذه الوكالة هي صديقة للاحتلال الإسرائيلي ومعادية للشعب الفلسطيني، وتسعى إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين". يضيف أن "الوكالة مجبورة على مساعدتنا لأنّنا هُجّرنا من بلادنا. وبسبب التهجير، أنشئت الوكالة لمتابعة قضايانا حتى عودتنا إلى بلادنا التي احتلّها مستوطنون وصهاينة، وأخذوا بيوتنا وأراضينا".

في الاجتماع الذي ضم الدول المانحة و"الأونروا" وممثلين عن منظمة التحرير، والذي عقد الاثنين الماضي في الأردن، رفض المفوض العام للوكالة أي تعديلات وتحسينات على البطاقة، مطالباً بأن تظل مواصفاتها كما هي. يقول ذوقان إن "الوكالة لم تسعَ إطلاقاً إلى إقناع الدول المانحة بإجراء تحسينات. إلا أن المفوّض ينفّذ سياسة دول كبرى أرادت هذه المؤامرة، إلى حين التخلّي عن قضية اللاجئين بشكل كامل لإرضاء الاحتلال الإسرائيلي".

ويلفت ذوقان إلى أن "المخيّمات متمسكة بوكالة الغوث، وتسعى دائماً إلى الحفاظ عليها كونها تعدّ شاهداً أساسياً على قضية تهجير اللاجئين من ديارهم". يضيف أنها "تعيل مئات العائلات الفلسطينية، وهي مجبرة على الاستمرار. كذلك، على الدول المانحة تقديم أموالها لمساندة الشعب الفلسطيني من دون كلل، على غرار ألمانيا التي تدفع أموالاً باهظة للاحتلال الإسرائيلي".

ويشير ذوقان إلى أنه في حال لم تحل القضية خلال الأيام القليلة المقبلة، ستزداد الأوضاع المعيشية في المخيمات سوءاً، ولا يمكن حينها ضبط ردود الفعل لدى الأهالي. وتجدر الإشارة إلى أن الأهالي أيضاً يستعدون لاستقبال شهر رمضان، الذي يتطلب أموالاً إضافية لسد حاجات العائلات. وإذا ما استمر الإغلاق وعدم الأخذ بالملاحظات التي قدمتها اللجان والمؤسسات في المخيمات على البطاقة الإلكترونية، فإن الأزمة ستزداد بشكل أكبر، مؤكداً أن اجتماعات كثيرة يتولاها مسؤولون ورؤساء اللجان الشعبية، من أجل تفادي المشكلة وحلها في أسرع وقت ممكن.
المساهمون