أطفال الشمس

11 يونيو 2016
تحت أشعّة الشمس (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
على امتداد كورنيش بيروت البحري، عليك أن تستعدّ، لنقل نفسياً، لرؤية أطفالٍ بل رُضّع، "تملكهم" لاجئات. هؤلاء الأطفال لم يولدوا اليوم نتيجة حمل استمرّ خمس سنوات أو أكثر، بل حملت بهم أمهاتهم في البلد الذي لجأن إليه، وأنجبنهم فيه. أقول إنهم "ملكٌ"، وقد أُلغيت العلاقة الغريزيّة بين الأم وطفلها الرضيع. غريزةٌ طغت على أخرى. كأنّ التكاثر يُلغي المشاعر. تلفّ الأمّ طفلها بغطاء وتبيعه للشمس والمارّين ودخان السيارات والحرّ والذباب. مع الوقت، تختلط رائحة الشارع برائحتها، ولا يعود يعرفها إلّا فيه.

في أسوأ الاحتمالات، لم تجد عملاً، واضطرت إلى مدّ اليد للناس. صورتها وحدها لم تجذب المارّين. "فلتعمل بدلاً من التسوّل". ماذا عن صورتها مع طفل؟ ربّما تكون أكثر جاذبية. رأسٌ صغير يواجه الشمس. إذا نظرنا من الأرض، قد يبدو وجهه ووجهها متساويَين، حتى نقول إنّه يكاد يغلبها. لكنّه يغلي ويتعرّق ويتغيّر لونه ويتبدّل جلده. يشفق مارة عليه بسببها أو بسبب والده أو الحرب أو التشرّد أو قلّة الوعي أو "الخطأ" أو ...

ربّما تقول إنّها لم تكن تنوي إنجاب مزيد من الأطفال، لكن الأمر حدث خطأً أم أنّ الأمر طبيعي، أم أنّها غير قادرة على شراء وسائل منع الحمل، أم أنّ زوجها يريد الأطفال، أم أنّها "سُنّة الحياة". يلومها البعض. وإذا كانت سوريّة (على الأرجح) فسوف تفاقم صورتها شعورهم بالعنصرية.
قد لا يحتاج الأمر إلى الكثير من التحليل. هم أنفسهم لا يكترثون للغوص في مشاعر الأطفال ونفسيّاتهم وأحلامهم. من قال بوجوب أن تكون لديهم أحلام أصلاً؟ ربّما لم تتحدّث والدته عن أحلامها أمامه. في ما مضى، أرادت الزواج. وقد تزوّجت وأنجبت. اليوم، تريد تناول طعام شهيّ وينتهي الحلم. وطفلها حين يتعلّم المشي، سوف يقلّدها ويمدّ يده ويحزن أمام المارة. حلمه جمع ما أمكن من نقود معدنية أو ورقية.

هؤلاء أطفال الشمس. كأنّها لا ترسل كلّ أشعتها إليهم. لا ذنب لهم في الأفكار والمعتقدات وإثبات القدرة على الإنجاب والحرب والنزوح والتشرّد. حتى اللحظة، ما زالوا رضّعاً، ينعمون بأشهر من الحريّة قبل أن يصيروا من أصحاب الصفات، ويرثي الإعلام لحالهم.
ويُطرح السؤال ويتكرّر: ماذا عن المجتمع المدني؟ هو ليس مجتمعاً بل جزءاً منه. اللاجئون أيضاً جزء منه، لكن أكبر بكثير. بعيداً عن كلّ ما يُقال عن الفساد والسرقات وما إلى ذلك، فإنّ أفراداً يشكّلون مجتمعاً صغيراً لن ينقذوا مجتمعاً يتشكّل بحدّ ذاته. سيكبر الرضيع ويُخلق آخرون ويكبر المجتمع. والمشكلة ليست ولن تكون في وسائل منع الحمل فقط.

الشمس عينها، سوف ترافق أطفال الفلّوجة في نزوحهم. ولن ندخل في تحليل مشاعر أمهاتهم. ربما يهبن أطفالهنّ للشمس.

المساهمون