المشكلة والحلّ

22 نوفمبر 2018
كلّ هطول يسمّونه "عاصفة" (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
بعض الكوارث الطبيعية أثبت البشر عدم القدرة على مواجهتها والتصدي لها بعد. ليس ذلك مرتبطاً بمجتمعات فقيرة ودول مصنفة "نامية" فعدة كوارث أخيرة أصابت دولاً غنية صناعية تحكم العالم وتدير دفة الإنتاج والتجارة وتتحكم بالأسواق والأموال. مع ذلك، فإنّ كثيراً من الدول يتدارك تلك الكوارث، ويتمكن من تخفيف آثارها على الأقل، تبعاً للمعالجة الاستباقية. لبنان ليس منها.

أواخر الأسبوع الماضي كان لبنان على موعد جديد مع أمطار لم تستمر أكثر من ساعات في العاصمة. مع ذلك، فاضت الشوارع القريبة من شاطئ البحر، في محلة الرملة البيضاء، بالمياه الآسنة المختلطة بمياه الأمطار الآتية من مناطق مختلفة. هل لبنان بلد فقير؟ ليس هذا صحيحاً تماماً. هل الأمطار غير اعتيادية؟ ليس هذا صحيحاً تماماً. هل يتحمل المسؤولون مسؤولياتهم؟ ليس هذا صحيحاً تماماً. في لبنان لا شيء صحيح تماماً، فكلّ شيء مهما كان يخضع لعوامل ومحركات أخرى بعيدة عن طبيعته. المشكلة والحلّ ليسا توأمين، بل بينهما كثير من العناصر التي هي من خارج العائلة أساساً، إذ تدخل بينهما الأموال والزعامات والأحزاب والمناطق والطوائف وصولاً إلى الدول الإقليمية والعالم. هل تتخيل أنّ انسداد مسرب للمياه الآسنة في لبنان يتطلب توافقاً بين ترامب وبوتين مثلاً؟ ليست هذه المبالغة بعيدة كثيراً عن الحقيقة على المستوى المنهجي.

فهل لبنان بلد فقير؟ طبعاً هو فقير إذا كان القياس على مستوى المواطنين، بل إنّ نسبة كبيرة منهم تعيش تحت خط الفقر، وهناك بطالة كبيرة، ودين عام هائل، لكنّ الأموال تتأمن فوراً من أجل حفل تافه تنظمه الحكومة أو الرئاسة، أو سفر غير ضروري لأحد المسؤولين أو جماعة منهم، كما أنّ صناديق بعض البلديات ممتلئة بما يفوق الخيال أحياناً، وهي على استعداد لإنفاق 10 آلاف دولار أميركي لزرع شجرة زيتون في مكان لا يمرّ أحد من أمامه، لكنّها تدّعي الفقر إذ تُطلب منها صيانة مرفق حيوي.

هل الأمطار اعتيادية؟ هي طبعاً اعتيادية فموقع لبنان الجغرافي والرياح التي تهبّ عليه تصنع هذا، وهو ما يحفظه تلاميذ الجغرافيا ويكادون يسأمون كثرة ترداده منذ الابتدائية... لكنّ وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة باتت تطلق على كلّ هطول لقب "عاصفة" بل تسميها أيضاً: العاصفة فلانة والعاصفة علانة. ولعلّ هذا التعظيم والتبجيل يبرر للمسؤولين عدم التحرك تجاه تلك "العاصفة العظيمة" التي لا رادّ لها غير قضاء الله.

وهل يتحمل المسؤولون مسؤولياتهم؟ عن أيّ مسؤولين نتحدث؟ إذا تجاوزنا أنّ المسؤولين يشكلون طبقة بعيدة عن المواطن وما يعاني منه، وهي حقيقة تمثل المفتاح لكلّ شيء، فإنّهم غالباً، عندما يُحشرون، يتبادلون الاتهامات، فلا يعرف المواطن هل الوزارة مسؤولة أم المحافظة أم البلدية، ولعلّه يقتنع في النهاية أنّه هو نفسه المسؤول لأنّه لم يحاول أن يهاجر بعد إلى بلاد يستقيل مسؤولوها أو يُقالون -في الحدّ الأدنى- عند الفشل في حلّ المشاكل.
المساهمون