بينما تستعد ولاية فلوريدا الأميركية لضربات إعصار "إيرما" المتوقعة ابتداء من اليوم السبت، تستعرض "العربي الجديد" تجهيزات الولاية بالإضافة إلى ما سبق من أعاصير حول العالم وما سببت من مآس
ينشغل العالم منذ أواخر أغسطس/ آب الماضي بمتابعة أخبار الأعاصير التي بدأت في ضرب أميركا الوسطى وجزر البحر الكاريبي وأجزاء من برّ الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً ولايتي تكساس وفلوريدا، بالإضافة إلى توقعات بمزيد من الأضرار مع متابعة الإعصار الحالي "إيرما" مساره.
مع ذلك، ليست الأعاصير ظاهرة نادرة أو غريبة، بل هي متوقعة في كثير من الأماكن، ولطالما تكونت ومضت في مساراتها وضربت مناطق كثيرة حول العالم، بل منها ما هو في منطقتنا العربية، وتسبب في دمار كبير مرة بعد أخرى.
لكن، بينما عانت الولايات المتحدة على سبيل المثال من إعصار "غالفستون العظيم" عام 1900 الذي أدى إلى مقتل 12 ألف شخص، خصوصاً في ولاية تكساس، فإنّ أعتى الأعاصير لا تحصد في أيامنا الحاضرة عدد ضحايا من هذا النوع في المناطق المجهزة بخطط طوارئ، سواء على صعيد التخطيط المدني أو الاستجابة والإغاثة.
أكبر الأعاصير
في منطقتنا العربية إعصار معروف باسم "غونو" ضرب بحر العرب في يونيو/ حزيران 2007، آتياً من المحيط الهندي، واستمر طوال الأيام السبعة الأولى من الشهر يتنقل من ساحل إلى آخر متسبباً بالدمار والفيضانات والضحايا، خصوصاً في سلطنة عُمان، علماً أنّ كلّاً من باكستان وإيران والإمارات تأثرت به. قدّرت الخسائر في الأرواح يومها بـ54 قتيلاً وأكثر من ثلاثين مفقوداً. تكرر الإعصار مجدداً في أعوام 2010 و2013 و2015 ويتوقع أن يزور المنطقة مجدداً، فهو على هذه الحال منذ عام 1977، لكنّ الفارق أنّ زيارته عام 2007 كانت أقوى الزيارات.
على المستوى العالمي، فإنّ الإعصار الأخير "هارفي" يعتبر من أقوى الأعاصير التي ضربت الولايات المتحدة وقد تسبب بالفعل في 64 قتيلاً وخسائر مالية كبيرة في أغسطس/ آب الماضي. سبقه إعصار "ماثيو" قبل عام تقريباً الذي ضرب البحر الكاريبي والولايات المتحدة وتسبب في أكثر من 600 قتيل. كذلك، ضرب إعصار "باتريسيا" المكسيك وأجزاء أخرى من أميركا الوسطى في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، متسبباً في 13 ضحية.
وبالانتقال إلى آسيا، ضرب إعصار "هايان" الفيليبين وميكرونيزيا والصين وفيتنام عام 2013، وتركزت أضراره على الفيليبين بالذات، إذ أدى إلى مقتل 6329 شخصاً وفقدان 1074 آخرين، معظمهم فيها. كذلك، أثّر مباشرة في حياة 11 مليون إنسان بات معظمهم من دون مأوى.
أيضاً في آسيا، وتحديداً في ميانمار التي تعيش في الوقت الراهن أحداث قمع وتهجير بحق أقلية الروهينغا، ضرب إعصار "نرجس" وسط البلاد في أبريل/ نيسان 2008، حاصداً نحو 140 ألف قتيل ومفقود. وكانت ذروة الإعصار في ميانمار بالرغم من أنّ دولاً أخرى تأثرت به كالهند والصين وبنغلادش وسريلانكا وتايلاند.
بالعودة إلى أميركا، تحديداً فلوريدا التي تترقب إعصار "إيرما" مساء السبت بالتوقيت المحلي، ولويزيانا، فقد ضربهما إعصار "كاترينا" في أغسطس/ آب 2005 وتسبب في مقتل أكثر من 1800 شخص، بالإضافة إلى خسائر مالية تقدر بـ108 مليارات دولار.
خسائر غير مباشرة
من ضحايا الأعاصير من يسقطون مباشرة بالضربات الأولى لها على المنازل والمنشآت والمركبات، لكنّ غيرهم يسقط في أعقاب الأعاصير، خصوصاً كبار السنّ والأشخاص ذوي الإعاقة الحركية الذين يتأخر إخلاؤهم من المراكز والمستشفيات. وقد تسبب إعصار "هارفي" الأخير بالفعل في عدد من الوفيات نتيجة تأخر الفرق الطبية في بعض الحالات الطارئة بسبب الفيضانات وتعطل أجهزة الأوكسجين مع انقطاع التيار الكهربائي، ما أدى إلى وفاة مرضى كبار السن.
القتلى والمصابون في مثل هذه الأعاصير ليسوا الخسائر الوحيدة، فهناك ما هو مؤثر جداً أيضاً، بدءاً من خسارة الممتلكات، وصولاً إلى تغيير نمط الحياة نفسه لدى السكان، من دون إغفال الأمراض التي تنتشر عقب كلّ إعصار، خصوصاً تلك المرتبطة بالتلوث والمياه.
وبينما يختلف الأمر بين منطقة وأخرى يضربها الإعصار في القدرات الاستعدادية وأنظمة الإنذار المبكر والإخلاء وجهود الإغاثة، فإنّ كلّ المناطق تقريباً معرّضة بعد الكارثة لانتشار بعض الأمراض. وفي هذا الإطار، تشير منظمة الصحة العالمية إلى أنّ أبرز الأمراض التي انتشرت عقب الأعاصير التي ضربت شبه القارة الهندية وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا وأميركا الوسطى وأفريقيا هي الكوليرا والملاريا والإسهالات المائية وحمى الضنك وداء البريميات. وهو ما حصل في هايتي العام الماضي عقب إعصار "ماثيو"، إذ ظهرت أكثر من 200 إصابة بالكوليرا استجابت لها منظمة الصحة العالمية بإرسال أكثر من مليون لقاح ضد الكوليرا. وتستجيب المنظمة عادة لتلك العوارض المصاحبة للأعاصير، ومنها عوارض غير مباشرة كفقدان اللقاحات بسبب تضرر قطاع الصحة المحلي، فقد عملت عقب إعصار "هايان" على تلقيح أكثر من 30 ألف طفل ضد الحصبة والشلل في تاكلوبان الأكثر تضرراً يومها.
اقــرأ أيضاً
فلوريدا تترقب
الولايات المتحدة تعيش في هذه الأيام بالذات هاجس إعصار "إيرما" الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام لقب "الإعصار الوحش". وفيما ينفد الوقت أمام السكان الذين يحاولون الفرار إلى ولايات أو مناطق أخرى بعيداً عن جنوب فلوريدا، رفع المركز القومي للأعاصير في الولايات المتحدة حالة التأهب في ثماني مناطق في جنوب فلوريدا، لتتحول من مناطق تحت المراقبة إلى مناطق يحذر من الوجود فيها، ما يعني أنها في مرمى مباشر للإعصار وأن حياة الناس هناك في خطر مباشر. لكنّ التحذيرات لا تقتصر على المناطق القريبة من الساحل، بل تشير التوقعات إلى أنّ ارتفاع المياه نتيجة الفيضانات قد يصل إلى أكثر من مترين في بعض المناطق التي لا تقع مباشرة على الساحل، الأمر الذي يعني أنّ الشوارع قد تتحول إلى أنهار كما حدث في إعصار "هارفي". وتشير آخر التوقعات إلى أنّ الفيضانات لن تقتصر على فلوريدا بل قد تصل إلى جورجيا وساوث كارولاينا.
أعلنت ولاية فلوريدا عن عمليات إخلاء إجباري في بعض المناطق، إذ جرى إخلاء أكثر من 650 ألف شخص، وهو أكبر إخلاء للسكان في تلك المنطقة، بالإضافة إلى إغلاق المدارس والجامعات. ويواجه السكان الذين يحاولون الخروج من مناطق جنوب فلوريدا إلى شمالها أو الخروج إلى ولايات أخرى ساعات طويلة من الانتظار في شوارع مزدحمة جداً، إذ يحتاجون إلى 10 ساعات لقطع نفس المسافة التي يقطعونها عادة في 3 ساعات.
في حديث إلى "العربي الجديد" حول التحديات التي تواجه السلطات في فلوريدا في ما يخص عمليات الإخلاء والتحضيرات، يقول مدير الاتصالات في وحدة إدارة الطوارئ في ولاية فلوريدا ألبرتو مسكوزو: "أحد التحديات الرئيسية التي تواجه السلطات يتعلق بوجود عدد كبير من كبار السن الذين يعيشون في فلوريدا عامة وجنوبها على وجه الخصوص. وعدد لا بأس به من هؤلاء يحتاج إلى رعاية صحية خاصة".
كانت السلطات قد طالبت بأن يرافق كبار السن الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة، شخص يعتني بهم، في حال قرروا التوجه إلى الملاجئ التي افتتحت خصيصاً لاستقبالهم. وذلك لعدم وجود عدد كاف من العاملين والمتطوعين للاعتناء بهم. في الوقت نفسه، يشير المسؤولون إلى أنّ الملاجئ تتنوع في اختصاصاتها وتلبية الاحتياجات المختلفة، فهناك ملاجئ تسمح بأن يأتي إليها أشخاص رفقة حيواناتهم الأليفة، إلّا أنّ مسؤولية تقديم الغذاء والماء تقع على عاتق أصحابها. كذلك هناك ملاجئ مخصصة للتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة وتلبية احتياجاتهم.
مع ذلك، فإنّ خطراً آخر يحلق في سماء فلوريدا وهو الرافعات المخصصة لبناء ناطحات السحاب. يقول سكوزو إنّ التحدي في هذا السياق أنّ "السلطات مضطرة لإبقاء الرافعات في الشوارع وورشات البناء، لأنّ تفكيكها وإخلاء المنطقة منها قد يستغرق من سبعة إلى عشرة أيام". وحول مدى خطورتها يقول: "الرافعات مصممة لتصمد أمام رياح تصل سرعتها إلى 220 كم في الساعة". وما يدعو للقلق هو أنّ إعصار "إيرما" يتحرك بسرعة تصل إلى أكثر من 250 كلم في الساعة، ومن المتوقع أن يحافظ على تلك السرعة عندما يضرب سواحل فلوريدا.
وتناشد السلطات جميع السكان بإخلاء تلك المناطق الخطرة وأعلنت أنّ بقاء أي شخص فيها يتحمل وحده مسؤوليته. وتحذر السلطات هؤلاء الذين يسكنون في الطوابق العليا من البقاء فيها والاعتماد على فكرة أنّ ذلك يحميهم من الفيضانات، لأنّ تلك الفيضانات ستؤدي إلى انقطاع الكهرباء والمياه. كذلك، ستضرب الرياح القوية الطوابق العليا بقوة، وإن لم تكن المباني مجهزة بشكل جيد فإنّ خطر التعرض لأذى يزداد.
الخطر الأكبر
يشعر الخبراء بالقلق كذلك بسبب ازدحام المباني وارتفاع عدد السكان إلى نحو ستة ملايين، في جنوب ووسط فلوريدا. وقد ضرب إعصار "أندريه" عام 1992 ميامي وجنوب فلوريدا، وخلف آنذاك 65 قتيلاً ودمّر كلياً أو جزئياً 65 ألف منزل. بعد إعصار "أندريه" اتخذت السلطات في فلوريدا خطوات عديدة لتحسين البنية التحتية والمعمار، إذ باتت أكثر تشدداً في مجال قوانين البناء بما يجعل المباني ونوافذها وسقوفها تصمد بشكل أقوى أمام الأعاصير. لكنّ نحو 70 في المائة من المباني مشيد قبل عام 1992، وعدد كبير منها لم تجرِ إعادة إعماره بشكل يتلاءم مع معايير البناء الجديدة تلك.
كذلك، تمثل الفيضانات تحدياً آخر أمام المعمار والبنية التحتية. ويقول الخبراء إنّ الإعصار وسرعة الرياح مقلقة لكنّ الخطر والدمار الأكبر هو من الفيضانات، خصوصاً أنّ منسوب المياه أمام سواحل فلوريدا قد ارتفع في العقدين ونصف الأخيرين ثمانية سنتيمترات، بسبب ارتفاع درجات حرارة الأرض وذوبان الجليد بشكل أسرع.
لكن، ما الذي يؤدي إلى تكوّن هذه الأعاصير أصلاً؟ بحسب الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) فإنّ الأعاصير أكثر العواصف قوة وعنفاً. فهي عاصفة قوية تتكون فوق المياه الدافئة تطلق تسمية الإعصار المداري أو الاستوائي أو الحلزوني عليها عند تكوينها. وتحتاج الأعاصير إلى عناصر عديدة لتنشأ، أولها المياه الدافئة فوق المحيط وذلك عندما تصبح درجة حرارة المياه قريبة من 27 درجة مئوية للخمسين متراً العليا تحت سطح المحيط. أما العنصر الثاني فهو الرياح. وفي حال الأعاصير التي تنشأ فوق المحيط الأطلسي فإنّ الرياح التي تهب غرباً فوقه آتية من أفريقيا تشكل المغذي الرئيسي لها. وعندما تمر تلك الرياح فوق سطح المحيط فإنّ المياه تتبخر بكثرة ما يؤدي إلى ارتفاع البخار إلى أعلى، وسط هواء بارد مستمر، ويدخل في عملية تراكم تزيد من ارتفاعه. ومع ذلك الارتفاع يزداد الشحن ببخار الماء وتتكون السحب المتراكمة. تلك السحب هي بداية الإعصار.
اقــرأ أيضاً
ينشغل العالم منذ أواخر أغسطس/ آب الماضي بمتابعة أخبار الأعاصير التي بدأت في ضرب أميركا الوسطى وجزر البحر الكاريبي وأجزاء من برّ الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً ولايتي تكساس وفلوريدا، بالإضافة إلى توقعات بمزيد من الأضرار مع متابعة الإعصار الحالي "إيرما" مساره.
مع ذلك، ليست الأعاصير ظاهرة نادرة أو غريبة، بل هي متوقعة في كثير من الأماكن، ولطالما تكونت ومضت في مساراتها وضربت مناطق كثيرة حول العالم، بل منها ما هو في منطقتنا العربية، وتسبب في دمار كبير مرة بعد أخرى.
لكن، بينما عانت الولايات المتحدة على سبيل المثال من إعصار "غالفستون العظيم" عام 1900 الذي أدى إلى مقتل 12 ألف شخص، خصوصاً في ولاية تكساس، فإنّ أعتى الأعاصير لا تحصد في أيامنا الحاضرة عدد ضحايا من هذا النوع في المناطق المجهزة بخطط طوارئ، سواء على صعيد التخطيط المدني أو الاستجابة والإغاثة.
أكبر الأعاصير
في منطقتنا العربية إعصار معروف باسم "غونو" ضرب بحر العرب في يونيو/ حزيران 2007، آتياً من المحيط الهندي، واستمر طوال الأيام السبعة الأولى من الشهر يتنقل من ساحل إلى آخر متسبباً بالدمار والفيضانات والضحايا، خصوصاً في سلطنة عُمان، علماً أنّ كلّاً من باكستان وإيران والإمارات تأثرت به. قدّرت الخسائر في الأرواح يومها بـ54 قتيلاً وأكثر من ثلاثين مفقوداً. تكرر الإعصار مجدداً في أعوام 2010 و2013 و2015 ويتوقع أن يزور المنطقة مجدداً، فهو على هذه الحال منذ عام 1977، لكنّ الفارق أنّ زيارته عام 2007 كانت أقوى الزيارات.
على المستوى العالمي، فإنّ الإعصار الأخير "هارفي" يعتبر من أقوى الأعاصير التي ضربت الولايات المتحدة وقد تسبب بالفعل في 64 قتيلاً وخسائر مالية كبيرة في أغسطس/ آب الماضي. سبقه إعصار "ماثيو" قبل عام تقريباً الذي ضرب البحر الكاريبي والولايات المتحدة وتسبب في أكثر من 600 قتيل. كذلك، ضرب إعصار "باتريسيا" المكسيك وأجزاء أخرى من أميركا الوسطى في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، متسبباً في 13 ضحية.
وبالانتقال إلى آسيا، ضرب إعصار "هايان" الفيليبين وميكرونيزيا والصين وفيتنام عام 2013، وتركزت أضراره على الفيليبين بالذات، إذ أدى إلى مقتل 6329 شخصاً وفقدان 1074 آخرين، معظمهم فيها. كذلك، أثّر مباشرة في حياة 11 مليون إنسان بات معظمهم من دون مأوى.
أيضاً في آسيا، وتحديداً في ميانمار التي تعيش في الوقت الراهن أحداث قمع وتهجير بحق أقلية الروهينغا، ضرب إعصار "نرجس" وسط البلاد في أبريل/ نيسان 2008، حاصداً نحو 140 ألف قتيل ومفقود. وكانت ذروة الإعصار في ميانمار بالرغم من أنّ دولاً أخرى تأثرت به كالهند والصين وبنغلادش وسريلانكا وتايلاند.
بالعودة إلى أميركا، تحديداً فلوريدا التي تترقب إعصار "إيرما" مساء السبت بالتوقيت المحلي، ولويزيانا، فقد ضربهما إعصار "كاترينا" في أغسطس/ آب 2005 وتسبب في مقتل أكثر من 1800 شخص، بالإضافة إلى خسائر مالية تقدر بـ108 مليارات دولار.
خسائر غير مباشرة
من ضحايا الأعاصير من يسقطون مباشرة بالضربات الأولى لها على المنازل والمنشآت والمركبات، لكنّ غيرهم يسقط في أعقاب الأعاصير، خصوصاً كبار السنّ والأشخاص ذوي الإعاقة الحركية الذين يتأخر إخلاؤهم من المراكز والمستشفيات. وقد تسبب إعصار "هارفي" الأخير بالفعل في عدد من الوفيات نتيجة تأخر الفرق الطبية في بعض الحالات الطارئة بسبب الفيضانات وتعطل أجهزة الأوكسجين مع انقطاع التيار الكهربائي، ما أدى إلى وفاة مرضى كبار السن.
القتلى والمصابون في مثل هذه الأعاصير ليسوا الخسائر الوحيدة، فهناك ما هو مؤثر جداً أيضاً، بدءاً من خسارة الممتلكات، وصولاً إلى تغيير نمط الحياة نفسه لدى السكان، من دون إغفال الأمراض التي تنتشر عقب كلّ إعصار، خصوصاً تلك المرتبطة بالتلوث والمياه.
وبينما يختلف الأمر بين منطقة وأخرى يضربها الإعصار في القدرات الاستعدادية وأنظمة الإنذار المبكر والإخلاء وجهود الإغاثة، فإنّ كلّ المناطق تقريباً معرّضة بعد الكارثة لانتشار بعض الأمراض. وفي هذا الإطار، تشير منظمة الصحة العالمية إلى أنّ أبرز الأمراض التي انتشرت عقب الأعاصير التي ضربت شبه القارة الهندية وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا وأميركا الوسطى وأفريقيا هي الكوليرا والملاريا والإسهالات المائية وحمى الضنك وداء البريميات. وهو ما حصل في هايتي العام الماضي عقب إعصار "ماثيو"، إذ ظهرت أكثر من 200 إصابة بالكوليرا استجابت لها منظمة الصحة العالمية بإرسال أكثر من مليون لقاح ضد الكوليرا. وتستجيب المنظمة عادة لتلك العوارض المصاحبة للأعاصير، ومنها عوارض غير مباشرة كفقدان اللقاحات بسبب تضرر قطاع الصحة المحلي، فقد عملت عقب إعصار "هايان" على تلقيح أكثر من 30 ألف طفل ضد الحصبة والشلل في تاكلوبان الأكثر تضرراً يومها.
فلوريدا تترقب
الولايات المتحدة تعيش في هذه الأيام بالذات هاجس إعصار "إيرما" الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام لقب "الإعصار الوحش". وفيما ينفد الوقت أمام السكان الذين يحاولون الفرار إلى ولايات أو مناطق أخرى بعيداً عن جنوب فلوريدا، رفع المركز القومي للأعاصير في الولايات المتحدة حالة التأهب في ثماني مناطق في جنوب فلوريدا، لتتحول من مناطق تحت المراقبة إلى مناطق يحذر من الوجود فيها، ما يعني أنها في مرمى مباشر للإعصار وأن حياة الناس هناك في خطر مباشر. لكنّ التحذيرات لا تقتصر على المناطق القريبة من الساحل، بل تشير التوقعات إلى أنّ ارتفاع المياه نتيجة الفيضانات قد يصل إلى أكثر من مترين في بعض المناطق التي لا تقع مباشرة على الساحل، الأمر الذي يعني أنّ الشوارع قد تتحول إلى أنهار كما حدث في إعصار "هارفي". وتشير آخر التوقعات إلى أنّ الفيضانات لن تقتصر على فلوريدا بل قد تصل إلى جورجيا وساوث كارولاينا.
أعلنت ولاية فلوريدا عن عمليات إخلاء إجباري في بعض المناطق، إذ جرى إخلاء أكثر من 650 ألف شخص، وهو أكبر إخلاء للسكان في تلك المنطقة، بالإضافة إلى إغلاق المدارس والجامعات. ويواجه السكان الذين يحاولون الخروج من مناطق جنوب فلوريدا إلى شمالها أو الخروج إلى ولايات أخرى ساعات طويلة من الانتظار في شوارع مزدحمة جداً، إذ يحتاجون إلى 10 ساعات لقطع نفس المسافة التي يقطعونها عادة في 3 ساعات.
في حديث إلى "العربي الجديد" حول التحديات التي تواجه السلطات في فلوريدا في ما يخص عمليات الإخلاء والتحضيرات، يقول مدير الاتصالات في وحدة إدارة الطوارئ في ولاية فلوريدا ألبرتو مسكوزو: "أحد التحديات الرئيسية التي تواجه السلطات يتعلق بوجود عدد كبير من كبار السن الذين يعيشون في فلوريدا عامة وجنوبها على وجه الخصوص. وعدد لا بأس به من هؤلاء يحتاج إلى رعاية صحية خاصة".
كانت السلطات قد طالبت بأن يرافق كبار السن الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة، شخص يعتني بهم، في حال قرروا التوجه إلى الملاجئ التي افتتحت خصيصاً لاستقبالهم. وذلك لعدم وجود عدد كاف من العاملين والمتطوعين للاعتناء بهم. في الوقت نفسه، يشير المسؤولون إلى أنّ الملاجئ تتنوع في اختصاصاتها وتلبية الاحتياجات المختلفة، فهناك ملاجئ تسمح بأن يأتي إليها أشخاص رفقة حيواناتهم الأليفة، إلّا أنّ مسؤولية تقديم الغذاء والماء تقع على عاتق أصحابها. كذلك هناك ملاجئ مخصصة للتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة وتلبية احتياجاتهم.
مع ذلك، فإنّ خطراً آخر يحلق في سماء فلوريدا وهو الرافعات المخصصة لبناء ناطحات السحاب. يقول سكوزو إنّ التحدي في هذا السياق أنّ "السلطات مضطرة لإبقاء الرافعات في الشوارع وورشات البناء، لأنّ تفكيكها وإخلاء المنطقة منها قد يستغرق من سبعة إلى عشرة أيام". وحول مدى خطورتها يقول: "الرافعات مصممة لتصمد أمام رياح تصل سرعتها إلى 220 كم في الساعة". وما يدعو للقلق هو أنّ إعصار "إيرما" يتحرك بسرعة تصل إلى أكثر من 250 كلم في الساعة، ومن المتوقع أن يحافظ على تلك السرعة عندما يضرب سواحل فلوريدا.
وتناشد السلطات جميع السكان بإخلاء تلك المناطق الخطرة وأعلنت أنّ بقاء أي شخص فيها يتحمل وحده مسؤوليته. وتحذر السلطات هؤلاء الذين يسكنون في الطوابق العليا من البقاء فيها والاعتماد على فكرة أنّ ذلك يحميهم من الفيضانات، لأنّ تلك الفيضانات ستؤدي إلى انقطاع الكهرباء والمياه. كذلك، ستضرب الرياح القوية الطوابق العليا بقوة، وإن لم تكن المباني مجهزة بشكل جيد فإنّ خطر التعرض لأذى يزداد.
الخطر الأكبر
يشعر الخبراء بالقلق كذلك بسبب ازدحام المباني وارتفاع عدد السكان إلى نحو ستة ملايين، في جنوب ووسط فلوريدا. وقد ضرب إعصار "أندريه" عام 1992 ميامي وجنوب فلوريدا، وخلف آنذاك 65 قتيلاً ودمّر كلياً أو جزئياً 65 ألف منزل. بعد إعصار "أندريه" اتخذت السلطات في فلوريدا خطوات عديدة لتحسين البنية التحتية والمعمار، إذ باتت أكثر تشدداً في مجال قوانين البناء بما يجعل المباني ونوافذها وسقوفها تصمد بشكل أقوى أمام الأعاصير. لكنّ نحو 70 في المائة من المباني مشيد قبل عام 1992، وعدد كبير منها لم تجرِ إعادة إعماره بشكل يتلاءم مع معايير البناء الجديدة تلك.
كذلك، تمثل الفيضانات تحدياً آخر أمام المعمار والبنية التحتية. ويقول الخبراء إنّ الإعصار وسرعة الرياح مقلقة لكنّ الخطر والدمار الأكبر هو من الفيضانات، خصوصاً أنّ منسوب المياه أمام سواحل فلوريدا قد ارتفع في العقدين ونصف الأخيرين ثمانية سنتيمترات، بسبب ارتفاع درجات حرارة الأرض وذوبان الجليد بشكل أسرع.
لكن، ما الذي يؤدي إلى تكوّن هذه الأعاصير أصلاً؟ بحسب الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) فإنّ الأعاصير أكثر العواصف قوة وعنفاً. فهي عاصفة قوية تتكون فوق المياه الدافئة تطلق تسمية الإعصار المداري أو الاستوائي أو الحلزوني عليها عند تكوينها. وتحتاج الأعاصير إلى عناصر عديدة لتنشأ، أولها المياه الدافئة فوق المحيط وذلك عندما تصبح درجة حرارة المياه قريبة من 27 درجة مئوية للخمسين متراً العليا تحت سطح المحيط. أما العنصر الثاني فهو الرياح. وفي حال الأعاصير التي تنشأ فوق المحيط الأطلسي فإنّ الرياح التي تهب غرباً فوقه آتية من أفريقيا تشكل المغذي الرئيسي لها. وعندما تمر تلك الرياح فوق سطح المحيط فإنّ المياه تتبخر بكثرة ما يؤدي إلى ارتفاع البخار إلى أعلى، وسط هواء بارد مستمر، ويدخل في عملية تراكم تزيد من ارتفاعه. ومع ذلك الارتفاع يزداد الشحن ببخار الماء وتتكون السحب المتراكمة. تلك السحب هي بداية الإعصار.