في حب ألمانيا

25 يوليو 2016
وحده معتوه يحاول اغتيال هكذا بلاد (يوهانس سايمون/Getty)
+ الخط -
سنحت الفرصة لي يومها للإقامة في ألمانيا لنحو شهرين من الزمن تلبية لدعوة ورشة عمل صحافية من معهد "غوته" في بيروت. كان ذلك قبل ثلاث سنوات، ولم تكن الحرب السورية قد بلغت الدرجة العاتية من الدم التي بلغتها اليوم، ولم يكن اللاجئون السوريون قد تدفقوا بكلّ الوسائل الممكنة للوصول إلى ألمانيا مثلما يحدث اليوم.

التجربة التي سمحت لي بالتنقّل بين أكثر من مدينة ومن بينها برلين وبون وكولن وميونيخ، كانت غنيةً للآتي من بلاد التوتّر والفوضى والحروب الدائمة. أذكر أنني سجّلت في مفكرتي الكثير من الملاحظات عن أهل تلك البلاد وليس أقلّها تقديرهم للمهنية في العمل واحترامهم المقدّس للوقت وإنسانيتهم ولطفهم المبالغ فيهما في بعض الأحيان، عكس الانطباع الذي يظنّه الكثيرون عنهم. ودوّنت وقتها الكثير من الملاحظات حول نمط الحياة وتفاصيلها في بلاد الصناعة والفلسفة والموسيقى ونمط الحياة في البلاد التي نعيش فيها. وقمت بالمقارنة بين النمطين، وإن لم تكن المقارنة عادلة ومنطقية.

وقد خرجت بانطباع يومها أن تلك البلاد فكّرت بكل ما له علاقة براحة وحقوق ناسها، لا سيما الأضعف من بينهم، في الصحة والخدمات العامة والبيئة. وما زال مشهد ذلك الكفيف في تلك المنطقة النائية من ضواحي مدينة بون عالقاً في ذهني حتى اليوم. كان يضرب عصاه فتقع على الأثلام المخصصة لمن هم مثله على الرصيف فيتبعها وصولاً إلى محطة الترامواي. ترامواي لا بد أن يصل في وقته المحدّد بالدقيقة فتصير حياته وحياة غيره أسهل. مثلما لن أنسى مشهد سائق القطار الذي سينزل من قمرته في كل مرة، ليمدّ اللوحة الحديدية السميكة ما بين الرصيف والقطار فيتمكّن الراكب، الجالس في كرسيّه المتحرّك، من الصعود إلى وسيلة النقل العام، أسوةً ببقية الركاب ودون منّة من أحد أو مساعدة، إلا من النظام الذي يحميه.

عندما وقع حادث إطلاق النار في مدينة ميونيخ مساء الجمعة الماضي، على يديّ شاب معتوه، وأودى بحياة مجموعة من الأبرياء أصابني نوع من الكرب. ليس أنني لا أزعل في حوادث أخرى صرنا مدمنين عليها، غير أنني شعرت بأن هذه البلاد بما قدّمته لأهلها وبما تقدّمه لضيوفها المنكوبين ببلدهم لا تستحق أبداً حادثاً مشابهاً.

وعندما خرجت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل لتصرّح بأن سكان ميونيخ "أطاعوا الشرطة وفتحوا أبوابهم أمام الأجانب، في مشهد أظهر التراحم في المجتمع وهو مصدر قوة لنا" شعرتُ بعذاب الضمير.

وحده معتوه يحاول اغتيال هكذا بلاد.

دلالات
المساهمون