سميرة تعيل أسرتها وحدها

30 نوفمبر 2015
لا حلّ لديها إلاّ العمل (العربي الجديد)
+ الخط -
لدى سميرة مسؤولية كبيرة لا تغفل عنها يوماً. هي أم لسبعة أولاد غاب والدهم طويلاً، وترك لها الحمل بأكمله. تعمل ولا تعترف بتعب يأخذ منها، فإعالة الأسرة همّ أساسي لا بدّ منه.

سميرة أنيس فارس، لاجئة فلسطينية في لبنان من بلدة الذوق، شمال فلسطين. اختبرت التهجير أكثر من مرة، فقد عاشت في شبابها في مخيم النبطية للاجئين الفلسطينيين المنسي في الذاكرة المحلية، فقد أزيل بالكامل منذ دمرته إسرائيل عام 1974، قبل الحرب الأهلية اللبنانية بعام، وذلك بعد عدة غارات عليه بدأت عام 1969. انتقلت سميرة بعد ذلك مع أهلها إلى مخيم المية ومية في صيدا (جنوب لبنان)، المطلّ على مخيم عين الحلوة. وهناك تزوجت وعاشت حتى اليوم.

أولاد سميرة خمس بنات وصبيان، تراوح أعمارهم ما بين ثمانية أعوام و24 عاماً. هؤلاء يكسرون ظهرها، فهي تعمل لإعالتهم في إحدى الجمعيات في صيدا منذ 8 أعوام كعاملة تنظيف وخدمات. أما خلال شهر رمضان، فتعمل في مطبخ الجمعية المخصص لموائد الرحمن وما ينتجه من حصص غذائية يومية توزع على الفقراء في منطقة صيدا القديمة.

لا يقتصر تاريخ سميرة المهني على تلك السنوات. فقد سبق لها العمل في تنظيف البيوت. زوجها كان يغيب عن المنزل فترات طويلة، تصل أحياناً إلى أشهر. ومنذ تسع سنوات غادر المنزل ولم يعد بعد. كانت تحمل في أحشائها ابنتها الصغرى. لا أحد من أولادها يعمل ولو أنّ أحد ابنيها الذكرين تعلّم مهنة كهرباء السيارات. هي المعيلة الوحيدة لهم جميعاً بالرغم من أنّ ما تتقاضاه لا يسدّ جميع الاحتياجات.

قبل أن يختفي زوجها بفترة أصيب أثناء عمله في بيع الخردة وباتت لديه إعاقة بسيطة. هذا ما جعلها في البداية تتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية كبر شيئاً فشيئاً حتى بات الحمل كلّه. تؤكد أنّ ذلك يفوق طاقتها، لكنّها سرعان ما تخضع: "لا حلّ لديّ إلاّ العمل من أجل تأمين حياة شبه كريمة لأولادي".

تقول: "رفعت دعوى قضائية ضد زوجي في المحكمة الشرعية في صيدا من أجل إعالة أولادي الصغار، وتأمين مستلزماتهم، إلا أنه قدم شهادة تفيد بأنه شخص معوّق ولا يستطيع تأمين أيّ نفقات لهم، على الرغم من أنه يعمل حالياً بجمع الخردة والبلاستيك لبيعها لاحقاً".

ومع هذا الوضع الذي تعيشه، لا تتلقى سميرة أيّ مساعدة من الجمعيات. والحجة لدى هؤلاء أنّها ليست مطلقة أو أرملة. تقول: "صحيح أنّي أعمل، لكنّ راتبي لا يكفي. ولذلك أنا بحاجة للمساعدة. كنت عندما أطلب الطلاق من زوجي يترك البيت ويغيب لأشهر خارج المنطقة". تضيف: "فكرت أن أقدم دعوى خلع في المحكمة، لكنني عندما علمت أن ذلك سيكلفني مصاريف إضافية لا أستطيع تحمّلها، فضّلت أن أصرف رسوم الطلاق على أولادي، فهم أحقّ من المحكمة وما تطلبه".

تؤكد سميرة أنّ الكثير من العائلات التي يتواجد فيها الزوج والزوجة معاً تتلقى المساعدات من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، أما هي فلم تحظَ بذلك بالرغم من غياب زوجها.

تملك سميرة بيتاً لكنّه متواضع جداً، ومؤلف من غرفتين. تقول: "بعد زواجي لم نكن نملك بيتاً، وكنت أعيش مع زوجي وأولادي في غرفة واحدة في منطقة السكة القريبة من مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا. وعندما تم إخلاء المنطقة من سكانها، الذين كانوا يعيشون في بيوت من الصفيح، انتقلت مجدداً إلى مخيم المية ومية، وحظيت بقطعة صغيرة من الأرض تابعة للمخيم. سقفتُ الغرفتين بألواح الصفيح التي كنت أجمع المال لشرائها، واستخدمتُ صناديق الكرتون الكبيرة الفارغة من أجل الجدران والأرض. العقارب والحشرات والجرذان كانت تتجمع في الأرض وتعرّض حياة أطفالي للخطر. ولم أكن أستطيع النوم ليلاً كي أحرسهم منها".

بعد ذلك، تمكنت سميرة من بناء غرفة حجرية بالإضافة إلى الحمام والمطبخ الكرتونيين. لكنّ أحوال البيت بقيت سيئة، خصوصاً مع غرقه بمياه الأمطار كلّ شتاء. بنى لها أحد المحسنين غرفتين ومطبخاً وحماماً لاحقاً. وهو البيت المتواضع الذي تعيش فيه مع أولادها اليوم.

إقرأ أيضاً: حكاية زيتونة الحاجة عريفة
المساهمون