تحت الأضواء

09 يونيو 2020
بالمعنى الحقيقيّ أو المجازيّ... (Getty)
+ الخط -

"العنصريّة ليست ماضية في التفاقم إنّما يُجرى تصويرها". عبارة للممثّل الأميركيّ ويل سميث راح يتناقلها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعيّ، بعد ساعات قليلة على لفظ جورج فلويد أنفاسه الأخيرة في مينيابوليس وهو يردّد حرفيّاً "أعجز عن التنفّس". ما نُقَل عن ويل سميث لم يأتِ على خلفيّة الواقعة الأخيرة، قبل أيّام، بل يعود إلى يوليو/ تموز من عام 2016. هو كان يعلّق على حوادث مشابهة وقعت في الولايات المتحدة الأميركيّة في ذلك الحين، وإن كان توثيق الدقائق الأخيرة من حياة جورج فلويد واستغاثاته أصدق إنباءً.

في تلك الدقائق التي اقتربت من تسعٍ، شهد العالم كلّه كيف زُهقت روح ذلك الأميركيّ من أصول أفريقيّة تحت ركبة شرطيّ أميركيّ من أصول لم يجد أحد ضرورةً للإشارة إليها. هو بالتأكيد ليس من السكّان الأصليّين، فسماته تجزم ذلك، غير أنّها في الوقت نفسه لا تدفع الفضوليّين ولا غير الفضوليّين إلى البحث في جذور شجرة عائلته.

بالعودة إلى ما قاله ويل سميث، فإنّه يحيلنا إلى حالات أخرى في سياقات مختلفة. كثيرة هي الجرائم، والعنصريّة واحدة من بينها من دون شكّ، التي نظنّ أنّها تتفاقم أو تتزايد، في حين أنّ الأمر مرتبط فقط بتسليط الأضواء عليها. والأضواء قد تكون بالمعنى الحرفيّ، أضواء كاميرات، سواءً أكانت محترفة أم مجرّد خاصيّة مدمجة بالهواتف الذكيّة، وقد تكون بالمعنى المجازيّ، من خلال تناولها في وسائل إعلام تقليديّة أو جديدة من دون صور حيّة وما إليها.



قبل أيّام، كثر أصرّوا على مشاهدة الدقائق الأخيرة من حياة جورج فلويد وقد شعروا باختناق، كأنّما عجزه عن التنفّس تحوّل إلى عدوى. ليس في ذلك أيّ شكل من أشكال المازوشيّة، وإن بدا الأمر ثقيل الوطأة. في مرّات أخرى، هؤلاء أنفسهم أو كثر آخرون أصرّوا على متابعة قصص لا تقلّ حدّة؛ طفل اعتاد خاله الاعتداء عليه جنسيّاً كلّما اصطحبه للعب كرة القدم... أطفال لم توفّر والدتهم مناسبة للسعهم بالسجائر... زوجة يجد شريك حياتها - كما يُفترض - في كلّ ما تأتي به ذريعة لتأديبها بوسائل تختلف طبيعتها... مراهقة يختلي بها والدها في سريرها مذ كانت صغيرة في السادسة من عمرها، مؤكّداً لها أنّ هذا هو "الحبّ الأبويّ"... شابة يبيعها شقيقها - قوّادها - لزبائن مقتدرين يدفعون بالعملة الصعبة... رضيع تخلّى عنه والداه بالقرب من مستوعب للنفايات فيما آثار الكدمات واضحة على جسده الطريّ. ونستهجن "إلى أيّ درك وصلنا"؟! لكنّ هذه القصص/ الجرائم، على سبيل المثال لا الحصر، ليست سوى عيّنات من يوميّات يعيشها ملايين منذ الأزل، تماماً كما هي جريمة قتل جورج فلويد، وإن لم نشهدها بأمّ العين. هذا واقعنا... تجاهله لن يزيد الأمر إلا تفاقماً.
المساهمون