برغش في عام الديك

31 يناير 2017
دخانها البطيء يرتفع (توموهيرو أوشومي/ Getty)
+ الخط -
في أواخر الحرب اللبنانية، نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، وانطلاق زمن السلام الموهوم، كانت معارك المواطنين كثيرة وعلى أكثر من جبهة. منها ما يتعلق بانهيار العملة الذي أودى بمدخراتهم من الليرة اللبنانية التي تبخرت لصالح الدولار الأميركي في زمن قياسي. ومنها ما يتعلق بالأمراض المنتشرة مع ضعف الرقابة الصحية. وما يتعلق بإشاعات ترافقها، وتسبب المرض بدورها، عن كلاب مسعورة تقتات على جثث ملقاة في الشوارع بعد جولات قتال، أو مجتمعة في مقابر فردية وجماعية طارئة انكشفت شيئاً فشيئاً، وما زال بعضها مجهولاً حتى يومنا هذا.

ومن المعارك ما يتعلق بمخاوف التلاميذ من قرار إعادة نظام الامتحانات الرسمية للثانوية العامة والشهادة المتوسطة، ما دفعهم إلى حدّ تنظيم تظاهرات تطالب بإلغاء القرار.

ومنها أيضاً معارك عودة المهجّرين، الحقيقيين من بينهم الذين خسروا منازلهم وأراضيهم، أو الزائفين ممّن لم تدمّر بيوتهم. الأخيرون انتهزوا الحرب وركبوا موجتها على مقاسهم لا على مقاس زعمائهم الفضفاض جداً، فاحتلوا بيوتاً وتقاضوا تعويضات خيالية بعدها بسنوات قد لا يستحقونها.

لكنّها الحرب، فلا لوم عليهم. أليس كذلك!؟ هم يقتدون بأولي أمرهم. وأولو أمرهم هم من تزعّم الحرب وما بعدها، وتحكّم برقابهم ورقاب غيرهم. الفارق أنّ هؤلاء وجدوا طريقاً إلى منفعة في وظيفة دولة وامتلاك عقار ولوحة أجرة عمومية، ومنحة جامعية خارجية. أما غيرهم فربّما غلبه إيمانه ببناء الدولة، والقضاء على الفساد، وفتح آفاق الفرص الاقتصادية لمحدودي الدخل، فتلقى لطمة أمراء الحرب والسلطة مرتين، تبعتها مرات ومرات.

معركة أخرى مميزة للبنانيين كانت ضدّ البرغش (البعوض) ولسعاته المؤلمة. معركة توحّدوا فيها خلف استراتيجية دفاع وطنية واحدة، قوامها أقراص "كاتول".

تلك الأقراص الخضراء التي تحتاج إلى عود ثقاب أو ولاّعة لإشعال طرفها ومراقبة دخانها البطيء يرتفع في سماء الغرف المعتمة، كانت رفيقة كلّ لبناني. حتى الصغار كانوا يحملونها في جولات قتالهم، للاحتفاظ بشعلة دائمة لمفرقعاتهم تسهّل عليهم خوض المعارك، خصوصاً من كانوا ممنوعين من حمل سيجارة تدلّ على الرجولة بدورها.

هذا العام بالذات 2017 هو عام الديك في الروزنامة الصينية، أي هو عام مواليد معظم أشهر سنوات مثل 1957 و1969 و1981 و1993. لكنّه ليس عام سعد وصحة وحبّ ونجاح بالنسبة لغالبية هؤلاء، بل عام صعوبات مختلفة في كلّ شيء كما تشير التوقعات المصاحبة. عام يذكّر تماماً بأقراص "كاتول" التي كانت تحمل صناديقها الكرتونية الصغيرة رسم ديك، وما رافق أيامها تلك من مصائب. حتى الرائحة السامة لا تغيب عن الأجواء.

المساهمون