دفع نقص الموارد المالية حكومة تصريف الأعمال الجزائرية إلى الدوس على الخطوط الحمراء، وإدخال تعديلات عميقة في العقيدة الاقتصادية للدولة، وذلك بفتح الأبواب أمام الاستدانة الخارجية المشروطة، وإزالة القواعد الاستثمارية الصارمة أمام الأجانب الراغبين في ولوج الأسواق.
وكشفت الحكومة في بيان أعقب اجتماعها، يوم الأربعاء، أنها "وبهدف رفع واردات ميزانية الدولة وتعزيز جاذبية الاقتصاد الوطني، قررت رفع القيود المقررة في إطار قاعدة 51/49 المطبقة على الاستثمارات الخارجية في الجزائر والتي تمس القطاعات غير الاستراتيجية، مع إمكانية اللجوء بطريقة انتقائية إلى التمويل الخارجي لدى المؤسسات المالية العالمية للتنمية، لتمويل المشاريع الاقتصادية الهيكلية وذات المردودية بمبالغ وآجال تتوافق مع مردودية هذه المشاريع وقدرتها على التسديد".
وبناء على هذه الخطوة تنظر الجزائر في السماح للأجانب بتملك حصص أغلبية في قطاعات غير استراتيجية بالاقتصاد، علماً أن الدولة تمنع المستثمرين الأجانب من تملك حصص تزيد على 49%، وتظل قطاعات كبيرة من الاقتصاد خاضعة لسيطرة الدولة.
وتواجه حكومة تصريف الأعمال صعوبة في إعداد موازنة عام 2020، إذ تجد حكومة نور الدين بدوي نفسها أمام تحدي الحسابات السياسية، التي تلقي بظلالها على إعداد قانون المالية، وتواجه امتحان الإبقاء على ميزانية الدعم، لشراء السلم الاجتماعي. وفي موازاة ذلك، تعاني من صعوبة في جمع الأموال، في ظل شح الموارد المالية وارتفاع الإنفاق الذي ضخّم حجم الموازنة إلى 64 مليار دولار سنة 2019.
واعتبر الخبير الاقتصادي فرحات علي أن "استدانة الحكومة من الخارج باتت أمراً حتمياً، وإن كان يستبعد توجه الجزائر إلى نادي باريس أو لندن أو حتى صندوق النقد الدولي، على اعتبار أن الجزائر تملك مجموعة من الخيارات في قائمة من يريد إقراضها".
وأكد لـ"العربي الجديد" أن الاستدانة ليست بالضرورة "شرّاً"، ولكن يجب ألا تكون الخيار الأول. وشرح أن "ألمانيا مثلاً لديها ديون خارجية، وحتى الولايات المتحدة، وبالتالي العبرة ليست في الاستدانة بل في كيفية إنفاق الأموال".
وتبدو الحكومة مجبرة اليوم بقوة المؤشرات الاقتصادية الحمراء على تغيير "عقيدتها الاقتصادية"، خاصة الاستثمارية المتعلقة بتحديد نسبة حصة الأجانب بـ49% في المشاريع المشتركة، لزيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية التي بلغت 3.1 مليارات دولار عام 2009، وأصبحت 2.6 مليار دولار في نهاية 2015، وهوت إلى أقل من 1.2 مليار دولار في 2018، كما أن تراجع الاحتياطي الأجنبي إلى 72 مليار دولار يدفع في هذا الاتجاه.
وفُعلت القاعدة "51-49" بموجب قانون الموازنة العامة لسنة 2009. وتشير هذه القاعدة إلى أنه "لا يمكن إنجاز الاستثمارات الأجنبية إلا في إطار شراكة تمثل فيها المساهمة الوطنية المقيمة نسبة 51% على الأقل من رأس المال الاجتماعي".
وظلت هذه القاعدة الاستثمارية محل انتقاد دائم من صندوق النقد الدولي وحتى الدول الغربية، وتسببت في تعطيل عدة مشاريع، في مقدمتها مشروع "بيجو" لتجميع السيارات، إذ تتمسك العلامة الفرنسية بحقها في إنشاء مصنع فرنسي مائة في المائة بحجة الحماية "التكنولوجية".
في المقابل، لم تبدِ الجزائر سابقاً نية في إدخال أي تعديل فيما يخص "الثوابت الاقتصادية"، واستطاعت الجزائر عن طريق تطبيق هذه القاعدة بسط يدها على العديد من الشركات الضخمة بعدما كان الأجانب يسيطرون على غالبية الحصص فيها.
وفي مقدمة هذه الشركات "الحجار للحديد والصلب" والتي كانت 71% من حصصها مملوكة حتى 2013 من طرف العملاق الهندي "أرسيلور ميتال" قبل أن تشتري الجزائر 22% من الأسهم بمليار دولار.
وبعد عام واحد، طاول الإجراء ذاته شركة الاتصالات "أوراسكوم تيليكوم الجزائر" بعدما اشترت الجزائر 51% من رأسمال الشركة بقيمة 2.66 مليار دولار.
ووفق حديث الخبير الاقتصادي جمال نور الدين مع "العربي الجديد"، فإن "الجزائر بالنتائج التي جنتها من خلال تطبيق قاعدة 51/49، لم تستطع أن تحقق السيادة والتحكم الاقتصادي الذي وعدت به الحكومة، بل لم تحقق حتى الاستثمار النافع".
وأضاف نور الدين أن "الانتقادات الموجهة من الجانب الفرنسي والألماني ومؤخراً من صندوق النقد الدولي للقاعدة 51/49 مشروعة، لأن الأخيرة تعرقل تدفق الأموال الأجنبية، هذه القاعدة قدمت صورة سيئة عن الجزائر حيث كان هناك أجانب يحوزون أغلبية الحصص في شركات مختلطة، وبين ليلة وأخرى أصبحوا يسيطرون على أقل من نصف الحصص، وهي أمور تزيد من غموض المشهد الاقتصادي الجزائري بسبب عدم استقرار التشريعات".