موازنة السعودية: تقليص هيمنة النفط وإجراءات لدعم الاقتصاد

30 ديسمبر 2015
المملكة ترفع أسعار الوقود ضمن إجراءات ترشيد الإنفاق(فرانس برس)
+ الخط -



لم تكن الموازنة السعودية لعام 2016 مفاجئة، لا سيما في ظل تسجيلها عجزاً متوقعاً، إلا أنها تحمل ملامح تغيير كبير في السياسة الاقتصادية للمملكة، وسط خطوات فعلية لتقليص هيمنة النفط على اقتصاد البلاد.

وتشير خطة الموازنة إلى أن المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم، لا تعول على تعاف كبير لأسعار الخام قريبا بل تستعد لبقاء أسعار النفط منخفضة لعدة سنوات، ما دفعها لإعلان خطط لتقليص العجز من خلال خفض الإنفاق وإجراء إصلاحات بمنظومة دعم الطاقة والسعي لزيادة الإيرادات من الضرائب وعمليات الخصخصة.

وسجلت السعودية عجزا قدره 367 مليار ريال (97.9 مليار دولار) خلال العام الحالي 2015، بينما تهدف خطة موازنة 2016 لخفض العجز إلى 326 مليار ريال (86.9 مليار دولار)، في حين أن خبراء اقتصاد أشاروا إلى إمكانية تقلص العجز المتوقع للعام المقبل إلى 143 مليار ريال (38.1 مليار دولار) وربما أقل إذا ما اقترنت الإصلاحات الاقتصادية التي تسعى المملكة إلى تطبيقها مع معاودة أسعار النفط ارتفاعها.

وقال سعد البقمي، خبير الاقتصاد وأستاذ المحاسبة في جامعة الملك سعود، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الموازنة كانت في حدود التوقعات بشكل كبير، لم تكن مفاجئة، كان متوقعاً أن يكون هناك مصروفات وعجز".

وأضاف البقمي: "موازنة 2016 ستدار بطريقة تقشفية، هذا أمر طبيعي ومطلوب لتحقيق الكفاءة، ولكن يجب أن يكون ذلك دون التأثير بمشاريع البنى التحتية وجودتها".

وتقدر موازنة العام المقبل الإنفاق بواقع 840 مليار ريال (224 مليار دولار)، انخفاضاً من 975 مليار ريال (260 مليار دولار) في 2015.

وبحسب بيان لوزارة المالية يوم الإثنين الماضي، فإن الوزارة ستعمل على "مراجعة المشاريع الحكومية ونطاقها وأولوياتها لتراعي جودة وكفاءة التنفيذ من جهة وتتوافق مع الأولويات والتوجهات والاحتياجات التنموية والمتطلبات المالية والتمويلية من جهة أخرى".

وأشار بقمي إلى أهمية الإجراءات التي تعتزم المملكة تطبيقها لتنويع الاقتصاد قائلاً: "كان علينا العمل على ذلك قبل أكثر من 10 سنوات، بدأنا في وضع استراتيجية للخصخصة ولكنها لم تستمر، لهذا نحن في أزمة اليوم".

وأضاف "هناك بند في الموازنة تم وضعه للتحوط من أسعار النفط، وأية مصاريف طارئة غير متوقعة، هذا نوع من الاحتياط كي لا تتعرض الموازنة لهزات كبيرة".

وأضافت وزارة المالية بندا جديدا في موازنة العام المقبل بقيمة 183 مليار ريال (48.8 مليار دولار)، لدعم الموازنة العامة عند الحاجة.

وقال البقمي: "من الصعب التكهن بقيمة برميل النفط، ولكنها تراوح من 33 و38 دولاراً، بالتأكيد لا أحد يستطيع أن يحدد القيمة الفعلية".

ولم تكشف وزارة المالية عن متوسط سعر النفط، والذي تستند إليه تقديرات موازنة 2016، لكن وكالة بلومبرغ ذكرت أمس أنه تم تحديد الموازنة على أساس 29 دولاراً للبرميل.

وقال خبير الاقتصاد السعودي، إنه "لابد أن تكون استراتيجية المملكة لإصلاح الاقتصاد طويلة الأمد، حتى ولو عادت أسعار النفط لأكثر من 100 دولار للبرميل، رغم أنه احتمال مستبعد في السنوات الخمس المقبلة".

وتابع: "في كل مرة يتراجع فيها الدخل بسبب انخفاض أسعار النقط نبدأ في محاولة التخفيف من سطوة النفط والتفكير في تنويع مصادر إيراداتها، ولكن مع تحسن أسعار النقط نعود للقفص ذاته وننسى فكرة التحول".

ويرى خبراء أنه رغم الانخفاض الطفيف، والذي أقرته الموازنة في الإنفاق بواقع 20 مليار ريال (5.3 مليارات دولار)، مقارنة بالموازنة السابقة، إلا أنه لا يزال مرتفعاً.

اقرأ أيضاً: السعودية تشد الحزام لمواجهة استمرار تهاوي أسعار النفط

فالعنوان الرئيسي للموازنة كان الحرص على ضبط المصروفات، والابتعاد عن الهدر الكبير الذي كلف السعودية نحو ترليون ريال في السنوات العشر الماضية، وفق خبراء الاقتصاد، ففي العقد الأخير لم تنجح أي موازنة أقرتها السعودية في التقييد بالمصاريف، وكان هناك تجاوز في كل عام، بلغ ذروته في عام 2014 بنحو 255 مليار ريال (68 مليار دولار)، ولكن في تلك السنوات كان النفط في أعلى قيمة له، مما أعطى الدولة حرية الإنفاق بلا قيود.

وقال وزير المالية، إبراهيم العساف، إن: "الأرقام التي أعلنتها موازنة 2016 جيدة في ظل الظروف الاقتصادية والمالية المحيطة، وأنها اهتمت بتحديد أولويات للإنفاق، بشكل لا يؤثر في الخدمات الأساسية".

وبدأت ملامح الترشيد بتأكيد وزير التعليم، أحمد العيسى، أنه سيتم مراجعة برنامج الابتعاث الخارجي وتخصصاته تطبيقاً لسياسة ترشيد الإنفاق.

واللافت في النظر هو تقليص الكثير من البنود، خاصة في مجال التعليم والتدريب الذي تم تخصيص 191.7 مليار ريال له، بدلا من 217 ملياراً في العام الماضي، وكذلك الصحة التي تم تخصيص 104.9 مليارات ريال لها بدلاً من 160 مليار ريال، فضلا عن قطاعات أخرى تم تقليص مخصصاتها.

وأعلنت وزارة المالية في بيان الموازنة، أنها ستعدل منظومة دعم المياه والكهرباء والمنتجات البترولية على مدى خمس سنوات.

وذكرت الوزارة أن التعديلات ستهدف إلى "تحقيق الكفاءة في استخدام الطاقة والمحافظة على الموارد الطبيعية ووقف الهدر والاستخدام غير الرشيد والتقليل من الآثار السلبية على المواطنين متوسطي ومحدودي الدخل وتنافسية قطاع الأعمال".

وفي وقت لاحق قالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس"، إن الحكومة رفعت أسعار الوقود والمياه والكهرباء المحلية. وزاد سعر البنزين 95 أوكتين إلى 0.90 ريال (0.24 دولار) للتر من 0.60 ريال، وإن كان لا يزال منخفضا جدا بالمعايير العالمية.

وقال راشد أبانمي، رئيس مركز السياسات البترولية والتوقعات الاستراتيجية لـ"العربي الجديد"، إن تزامن إعلان الموازنة مع إعلان الرفع الجزئي للمحروقات غيّب الكثير من التفاصيل المهمة فيها.

وأضاف أبانمي "في الموازنات السابقة كان هناك نوع من عدم الترشيد وكفاءة الصرف.. وزارة المالية تعمل على تقليص العجز بشكل أكبر من المتوقع، إدارة الموازنة والنفقات ستكون في السنوات القادمة أكثر دقة، خاصة أن هناك مفاجأة كبيرة قد تؤثر، كأن تهبط أسعار النفط أكثر، أو تحدث أزمات عسكرية غير متوقعة، فالمنطقة ملتهبة، وهناك أكثر من دولة معرضة للمزيد من المشاكل، وهذا قد يزيد من النفقات بشكل غير محسوب".

ولا تقتصر الإصلاحات الاقتصادية على ترشيد الإنفاق ودعم المشتقات النفطية والكهرباء والماء والخصخصة، وإنما تشير وزارة المالية إلى أن الحكومة تنوي تطبيق ضريبة القيمة المضافة بالتنسيق مع الدول الأخرى في المنطقة "وتطبيق رسوم إضافية على المشروبات الغازية والسلع الضارة كالتبغ ونحوها"، لكنها لم تحدد إطارا زمنيا لذلك.

وقال عبد الله حمد الفوزان، رئيس مجلس إدارة شركة "كي بي إم جي" الشرق الأوسط وجنوب آسيا، العاملة في مجال الاستثمارات، إنَّ الموازنة المقبلة: "جاءت مؤكدة للرغبة الحقيقية لدى الدولة في المضي قدماً في دعم النمو الاقتصادي".

وأضاف الفوزان "موازنة 2016 بداية حقيقة للتخلص من هيمنة النفط على الاقتصاد السعودي، فهناك عمل جاد على إيحاد مصادر دخل جديدة، والاعتماد على القطاع الخاص كمورد للدخل لا مجرد مستفيد".


 

اقرأ أيضاً:
موازنة السعودية 2016: حصار العجز وتنويع مصادر الدخل
تهاوي أسعار النفط يرغم المنتجين على زيادة أسعار الوقود

المساهمون