الأسواق قلقة من الديون الفرنسية.. حجمها 3.19 تريليونات دولار وخدمتها تفوق 52 مليار دولار

28 يونيو 2024
إيمانويل ماكرون في ورطة الاقتصاد، 28 يونيو 2024 (لودوفيك مارين/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- صعود اليمين المتطرف في فرنسا يقلق الأسواق المالية بسبب دين فرنسا الضخم البالغ 3.19 تريليون دولار والعجز المتزايد في الميزانية بنسبة 5.1%، مما يهدد بارتفاع مستمر في حجم الدين.
- الرئيس ماكرون يسعى لجذب الاستثمار الأجنبي لمواجهة الأزمة المالية، لكن الأسواق تخشى من تأثيرات اليمين المتطرف على الاقتصاد، مما أدى إلى تذبذبات في الأسواق وانخفاض اليورو.
- التجمع الوطني اليميني المتطرف يهدد بزيادة الإنفاق الشعبوي وخفض سن التقاعد، مما ينذر بفجوات في الميزانية الفرنسية. وزير المالية ومصرف اليانز يحذران من عواقب سياساته على الاقتصاد الفرنسي.

يرسل صعود اليمين المتطرف هزات في الأسواق المالية، وقد يدفع الدين الفرنسي إلى منطقة الخطر، ويهدد بإغراق البلاد في مستنقع المتفاقمة. ويقدر حجم الدين الفرنسي بنحو 3.19 تريليونات دولار في نهاية العام 2023، أو ما يعادل نحو 112% من إجمالي الناتج المحلي في العام الجاري، وفق بيانات صندوق النقد الدولي.

وتكلف خدمة هذا الدين، أو لفائدة التي ستدفعها فرنسا للدائنين، نحو 52.2 مليار دولار خلال العام الجاري. ولكن أزمة فرنسا المالية لا تقف عند هذا الحد، بل تمتد أكثر بسبب زيادة العجز في الميزانية الفرنسية خلال العام الجاري بنسبة 5.1%، مما يعني أن حجم الدين سيواصل الارتفاع، لأن الدين ببساطة هو تراكم العجوزات في الميزانية عاماً بعد عام. وهذا ما يقلق المستثمرين في أدوات المال الفرنسية من أسهم وسندات.

ومعروف أن ارتفاع الدين وخدمته السنوية تضرب الإنفاق بالميزانية على الخدمات والاستثمار في التقنية والبنى التحتية. وهذا العامل هو ما دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى أن يلتقي الشهر الماضي المستثمرين الأجانب في مؤتمر مستوحى من دافوس داخل قصر فرساي.

ويقول محللون إن الأسواق المالية يملؤها الرعب من احتمال حصول حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف على المزيد من القوة في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، وهو السيناريو الذي قد يعطل العمل في الجمعية التشريعية، ويحدث فجوات أكبر في ميزانية فرنسا المنهكة بالفعل من خلال طفرة الإنفاق الشعبوي.

وبعد أن دعا ماكرون إلى إجراء الانتخابات التي ستبدأ بعد غد الأحد، كانت الهزات فورية في سوق السندات، كما  انخفض اليورو مقابل الدولار، وخسر مؤشر كاك 40 لسوق الأوراق المالية في باريس نحو 3%، وارتفع العائد على السندات الحكومية القياسية لأجل 10 سنوات، وهو مقياس للمخاطر الاقتصادية والسياسية، إلى مستويات قياسية جديدة.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، عانت فرنسا بالفعل خفض تصنيفها الائتماني من وكالة التصنيف الأميركية "ستاندرد آند بورز"، التي أشارت إلى الانقسام السياسي باعتباره خطراً على الاقتصاد الفرنسي. وفي حين أن فرنسا لم تنحدر بعد إلى فئة المخاطر نفسها، مثل إيطاليا المثقلة بالديون، ينظر مشتري السندات الآن إلى الديون الفرنسية باعتبارها استثماراً ينطوي على مخاطر مماثلة لتلك التي يواجهها البرتغال. 

ناقوس الخطر

في مؤتمر صحافي يوم الأربعاء، سارع ماكرون إلى دق ناقوس الخطر في الأسواق، إشارةً إلى ضرورة حشد الناخبين ضد التجمع الوطني اليميني، حيث ذكّر بأن التذبذبات في سوق الديون ضربت الاقتصاد الحقيقي بسرعة. وفي نهاية المطاف، الحكوماتُ التي تعاني ارتفاع تكاليف الاقتراض وفواتير الديون الكبيرة، لديها أموال أقل للمستشفيات والمدارس ووسائل النقل العام. 

وأضاف ماكرون: "الأسواق في حالة جنون، والشركاء الأوروبيون والدوليون يشعرون بالقلق. ماذا يعني ذلك ما يخص الحياة اليومية للشعب الفرنسي؟ (..) إن الحصول على الائتمان سيكون أكثر تكلفة، والقروض للحصول على السكن ستكون أكثر تكلفة"، مشدداً على أن حكومته الليبرالية لديها "الجدية والاتساق" لإدارة الاقتصاد.

وكان ماكرون قد دعا إلى إجراء الانتخابات بعد تعرضه لهزيمة في انتخابات الاتحاد الأوروبي، على أمل أن يتمكن من حشد جبهة موحدة ضد اليمين المتطرف، لكن الخطر يكمن في أن اليمين المتطرف، حتى لو لم يفز بأغلبية مطلقة، لا يزال قادراً على خلق مأزق سياسي في البلاد.

وتشمل الأهداف الاقتصادية الرئيسية للتجمع الوطني اليميني خفض سن التقاعد من 64 إلى 60 عاماً، وهو ما ينسف تماماً أحد الإصلاحات الاقتصادية التي أطلقها ماكرون. ومن المتوقع أن يعمل التجمع الوطني في حال فوزه بالانتخابات التشريعية على زيادة الإنفاق دون التفكير كثيراً في العواقب، لأنه يأمل أن يرضي الجماهير الفرنسية بأي ثمن لكسب الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في العام 2027. 

ماذا يعني وصول التجمع الوطني إلى الاقتصاد؟

كان وزير المالية  الفرنسي برونو لومير قد تحدث عن العواقب المحتملة لوصول التجمع الوطني إلى السلطة. وقال في مقابلة مع قناة BFMTV، إن "برنامج التجمع الوطني هو برنامج ماركسي بحت وبكل بساطة.. أود أن أعرف من سيدفع فاتورة البرنامج الماركسي لمارين لوبان".

وقال مصرف اليانز الفرنسي في تقرير حديث: "كان الاقتصاد الفرنسي في حالة ركود لبعض الوقت، كذلك الموارد المالية العامة منهكة". وتعاني فرنسا باستمرار عجزاً في الميزانية العامة أكبر من متوسط منطقة اليورو، بل أكثر من ذلك مقارنة بألمانيا. وعلى عكس بعض دول منطقة اليورو الأخرى، لم تُجرِ فرنسا إصلاحات كبيرة على اقتصادها، خصوصاً في سوق العمل، خلال أزمة الديون السيادية الأوروبية في الفترة من 2009-2010. ووفق المصرف، فإن احتمال قيام حكومة شعبوية في فرنسا تسعى لزيادة الإنفاق العام يُعَدّ خطراً على الأسواق.

وطرح رئيس الوزراء غابريال أتال في العام الماضي تخفيض فترات إعانة البطالة لسد النقص في الإنفاق الحكومي. كما أعلنت الحكومة خفض مبلغ إضافي قدره عشرة مليارات دولار للوصول إلى هدف العجز بالميزانية البالغ 4.4% من الناتج المحلي الإجمالي للعام الحالي، ولكن وكالة موديز للتصنيف الائتماني  حذرت من أن هذا الإجراء وغيره من التخفيضات في الميزانية من غير المرجح أن تحل المشكلة أو تخفض العجز إلى أقل من 3% بالميزانية الفرنسية في السنوات الثلاث المقبلة.

وقالت الوكالة إن "عجز الموازنة يسلط الضوء على المخاطر الكامنة في الاستراتيجية المالية متوسطة المدى للحكومة، والتي تقوم على افتراضات اقتصادية وإيرادية متفائلة وقيود غير مسبوقة على الإنفاق". 

المساهمون