دول تهرب من السندات الأميركية خوفاً من الحرب التجارية

19 يوليو 2018
السندات الأميركية من أكبر المحركات لسوق المال الأميركي (Getty)
+ الخط -
تسابقت المصارف المركزية العالمية خلال شهر مايو/ أيار الماضي، لتسييل جزء من حيازاتها في السندات الأميركية تحسباً لتداعيات الحرب التجارية بين واشنطن وبكين وانعكاساتها السالبة على قيمة السندات.

وتركزت مخاوف البنوك المركزية على احتمال استخدام الصين التي تملك سندات أميركية تقدر قيمتها بحوالى 1.18 تريليون دولار في الحرب التجارية عبر بيع جزء منها.

وكانت كل من وكالة بلومبيرغ وصحيفة "وول ستريت" قد أشارتا في تقارير وقتها إلى احتمال استخدام الصين لخيار بيع السندات الأميركية في حال اضطرت للضغط في الحرب التجارية المشتعلة بين أكبر اقتصادين في العالم.

ويرى محللون أنه، في حال بيع الصين لجزء من هذه السندات، فإن قيمة السندات ستهبط بمعدل كبير وستضغط على مصرف الاحتياط الفيدرالي "المركزي الأميركي"، وربما تدفعه لرفع سعر الفائدة بمعدل أكبر حتى تحافظ السندات على جاذبيتها.

وتعد السندات الأميركية إحدى أهم أدوات التمويل في بلد يرتفع الدين العام فيه إلى أكثر من 21 تريليون دولار ويواصل الإنفاق عبر الاستدانة. وحسب تقرير وزارة الخزانة الأميركية الأخير، فإن البنوك المركزية العالمية باعت في مايو/ أيار الماضي 48.3 مليار دولار.

وكان العائد على سندات الخزينة الأميركية قد ارتفع في مايو/ أيار الماضي إلى أعلى مستوياته، حيث بلغ 3.11%. وأثيرت تساؤلات حول السبب وراء هذا الارتفاع المفاجئ الذي فسرته أخيراً بيانات وزارة الخزانة. 

وكانت التوقعات وقتها، أن السبب وراء ارتفاع الفائدة على السندات هي الصين التي ترغب في الضغط على واشنطن في حربها التجارية. ولكن أرقام وزارة الخزانة الأميركية أثبتت أن بكين بعد أن باعت سندات بقيمة 6 مليارات دولار في إبريل/ نيسان، عادت لتشتري سندات بقيمة 1.2 مليار دولار في مايو/ أيار. وكانت اليابان التي باعت 12 مليار دولار في إبريل/ نيسان، عادت في مايو لشراء سندات بقيمة 17 مليار دولار.

وتشير إحصائيات وزارة الخزانة الأميركية الأخيرة إلى أن روسيا كانت السبب الرئيسي وراء زيادة الفائدة على السندات الأميركية، حيث باعت روسيا تقريباً نصف حيازتها من السندات الأميركية التي انخفضت بحوالى 47.4 % لتصل إلى 48.7 مليار دولار، ثم انخفضت في مايو/ أيار الماضي إلى حوالى 14.9 مليار دولار.

وحسب بيانات وزارة الخزانة الأميركية، تراجعت استثمارات روسيا في سندات الخزانة الأميركية في مايو إلى أدنى مستوياتها في 11 عاماً.

ويشير التقرير الصادر عن الوزارة، إلى أن استثمارات روسيا في الدين الأميركي الخارجي تراجعت في مايو/ أيار الماضي إلى 14.9 مليار دولار، وهو أدنى مستوى منذ عام 2007.

وكانت الاستثمارات الروسية في هذه السندات قد بلغت أعلى مستوياتها في أكتوبر/ تشرين الأول 2010، حينها سجلت 176.3 مليار دولار، لكن موسكو بدأت بخفض هذه الاستثمارات مع توتر العلاقات مع واشنطن على خلفية الأزمة الأوكرانية، وفرض الولايات المتحدة عقوبات ضد روسيا.

وعن سبب تقليص روسيا الاستثمارات في سندات الخزانة الأميركية، قالت محافظ البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، إن البنك يتبع سياسة تهدف لتنويع الاحتياطيات الدولية، مع الأخذ بالحسبان جميع المخاطر، بما في ذلك المالية، والاقتصادية، والجيوسياسية، وذلك وفقاً لما ذكرت وكالة نوفوستي الروسية.

ويلاحظ أن روسيا لجأت للذهب خوفاً من الحظر الأميركي منذ فرض الدول الغربية عقوبات عليها في منتصف عام 2014. ومنذ ذلك الوقت، بلغت مشتريات البنك المركزي الروسي نحو 100 طن من الذهب سنوياً حسب البيانات التي أعلن عنها في العام الماضي.

ويقول خبراء، بحسب ما نقله موقع "فيستي" الاقتصادي، إن الاستراتيجية الجديدة للمركزي الروسي هي إجراء وقائي من احتمال قيام واشنطن بتجميد أرصدة بنكية للحكومة الروسية بحجة العقوبات، إذ تتعذر مصادرة احتياطيات الذهب.

ومن بين الدول الأخرى التي رفعت حيازتها من الذهب وأشار إليها التقرير، السعودية التي رفعت حيازتها من السندات السيادية الأميركية، خلال نفس الشهر، بواقع 2.2 مليار دولار وبزيادة 21% لتصل القيمة إلى 162.1 مليار دولار. وبهذا الرقم يفصل السعودية فارق بسيط عن تايوان، التي جاءت في المرتبة الـ10، حيث بلغت استثماراتها في هذه السندات 164.8 مليار دولار.

وزادت السعودية استثماراتها في السندات السيادية الأميركية منذ مطلع العام الجاري وحتى مايو الماضي، بواقع 18.5 مليار دولار، وإذا استمرت بالوتيرة نفسها فستتقدم على تايوان وتدخل قائمة الدول العشر الأوائل المالكة للسندات الأميركية.

ووفقاً للتقرير تصدرت الصين قائمة دول العالم الأكثر امتلاكاً لديون الولايات المتحدة، وبلغ ما تملكه من السندات 1183.1 مليار دولار، في حين جاءت اليابان في المرتبة الثانية بـ 1048.8 مليار دولار.

وتعتمد الولايات المتحدة على بيع سندات الخزانة الأميركية في تمويل العجز في الميزانية. وتشكل جاذبية هذه السندات للأجانب، أحد أعمدة السياسة المالية والنقدية في أميركا.

وفي الوقت الراهن يشكل الدولار القوي واحتمالات ارتفاع سعر الفائدة أحد مراكز القوة بالنسبة للسندات الأميركية. كما تعد السندات الأميركية واحدة من أكثر الأدوات المالية ضماناً ومن بين الأسرع في التسييل في العالم، ولذلك تحرص الدول على الاحتفاظ بنسبة كبيرة منها.
المساهمون