5 ملاحظات حول المساعدات السعودية الأخيرة لمصر

10 ابريل 2016
برنامج حافل للملك سلمان في القاهرة(العربي الجديد)
+ الخط -



اختتم الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز زيارة مهمة لمصر وصفتها وسائل الإعلام في البلدين بالتاريخية. وفي ختام الزيارة، قالت وزيرة التعاون الدولي المصرية سحر نصر، في بيان صدر اليوم الأحد، إن قيمة الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال الزيارة تبلغ 25 مليار دولار.

وإذا ما أضفنا لرقم الوزيرة السابق ثلاثة أرقام أخرى سبق أن أعلنت عنها حكومة مصر خلال زيارة الملك السعودي والوفد المرافق له إلى القاهرة، فإن رقم الاتفاقات والصفقات المبرمة والمشروعات المشتركة التي تم الاتفاق عليها يرتفع إلى 61.65 مليار دولار.

الرقم الأول يتعلق بإجمالي قيمة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة خلال الزيارة والبالغة 22.65 مليار دولار، حسب بيان وزيرة التعاون الدولي الصادر اليوم الأحد، والثاني يتعلق بإنشاء صندوق استثمار مشترك بقيمة 60 مليار ريال سعودي (16 مليار دولار)، كما قالت الوزيرة، والثالث هو حصول مصر على قرض سعودي ضخم بقيمة 23 مليار دولار لتمويل شراء وارداتها من المشتقات النفطية لمدة 5 سنوات، حسب مصادر حكومية.

بالطبع، أنا هنا لا أتحدث عن صفقات أخرى بمليارات الدولارات تحدث عنها الجانب المصري، منها مثلاً إنشاء منطقة اقتصادية حرة، وتطوير 6 كلم من أراضي المنطقة الاقتصادية لإنشاء مدينة صناعية تجارية بمبلغ 3.3 مليارات دولار، وتأسيس مشروعات مشتركة باستثمارات 4 مليارات دولار، وتخصيص قرض سعودي بقيمة 1.5 مليار دولار لإقامة مشروعات إسكان وكهرباء وطرق وزراعة في سيناء من أجل تنميتها، إضافة لضخ استثمارات أخرى في مجال تنمية الصادرات المصرية وغيرها.


بداية، لا أحد ينكر أهمية زيارة الملك السعودي القصوى لمصر، فهي تأتي في وقت حرج يواجه فيه الاقتصاد المصري حالة من التردي لأسباب يعرفها الجميع، ورسالة الزيارة العريضة اقتصاديا تقول إن أقوى اقتصاد في المنطقة يدعم الاقتصاد المصري.

كما أن نتائج زيارة العاهل السعودي ستكون لها تداعيات إيجابية على اقتصاد مصر من زاويتين، الأولى هي التخفيف عن سوق الصرف والاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي، فمصر تخصص سنويا نحو 8.8 مليارات دولار لتمويل واردات الوقود، وفي ظل القرض الضخم الذي أعلنت المملكة عن منحه لمصر وتبلغ قيمته 23 مليار دولار، فإن أكثر من 50% من رقم مخصصات استيراد الوقود سيتم توفيره على مدى 5 سنوات هي مدة القرض.

والزاوية الثانية هي أن الاستثمارات السعودية الأخيرة، في حال الالتزام بضخها في مصر، ستعوّض جزءاً من تراجع إيرادات السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية وقناة السويس، وهو ما يخفف الضغط على سوق الصرف.

هذه إيجابيات لا يمكن إنكارها، إلا أن الراصد للاتفاقات والصفقات التي تم الإعلان عنها خلال الزيارة المهمة للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لمصر يرصد 5 ملاحظات أساسية هي:

1- المبالغة الشديدة من قبل الحكومة المصرية في الأرقام المتعلقة بالاتفاقات والصفقات ومذكرات التفاهم المبرمة بين مصر والسعودية، التي تعيدنا لأرقام مؤتمر شرم الشيخ، والحديث عن جذب مصر استثمارات بقيمة نحو 182 مليار دولار خلال فترة انعقاد المؤتمر.

2- سر الحماس الشديد من السعودية لمساندة مصر في هذا التوقيت بالذات، في الوقت الذي تعاني فيه المملكة من تراجع إيراداتها المالية وعجز متفاقم في الموازنة العامة للدولة يبلغ 87 مليار دولار عن العام 2016، كما يتابع الجميع السحب السعودي الضخم من الاحتياطيات الخارجية البالغة نحو 600 مليار دولار، وتطبيق حكومة المملكة إجراءات تقشفية بسبب استمرار تهاوي أسعار النفط. ومن بين الإجراءات زيادة أسعار البنزين والكهرباء والمياه وبعض السلع، وتجميد بعض المشروعات العملاقة، وتأجيل سداد مستحقات شركات المقاولات وغيرها.

3- منحت السعودية مصر قرضا بقيمة 23 مليار دولار وبسعر فائدة 2% سنويا لتمويل عمليات استيراد الوقود منها، صحيح أن هذا المبلغ ضخم إلا أنه لن يخرج من السعودية ليتجه للقاهرة. وحسب الاتفاقية الموقعة بين الحكومتين، فإن القرض الممنوح سيموّل احتياجات مصر البترولية لمدة خمس سنوات بحوالي 800 ألف طن شهريا من المواد البترولية، على أن يدفع صندوق الاستثمار السعودي لشركة أرامكو السعودية قيمة هذه المواد البترولية بشكل فوري، على أن تستعيد الرياض تلك المبالغ من مصر على أقساط وبفترة سماح ثلاث سنوات على الأقل.

4- يمكن تفسير منح السعودية مصر هذا القرض الضخم في ظل عدة اعتبارات اقتصادية معظمها لصالح المملكة، منها أن السعودية تواجه منافسة حادة في بيع منتجاتها البترولية، خاصة مع زيادة إنتاج إيران لمليوني برميل يوميا عقب رفع العقوبات الغربية عنها في يناير/ كانون الثاني الماضي، ولذا ترغب المملكة في المحافظة على الزبائن الحاليين وجذب زبائن جدد، وببيعها هذه الكميات الضخمة البالغة 800 ألف طن شهريا من المواد البترولية لمصر تكون قد ضمنت زبونا لمدة 5 سنوات، وهو أمر يفيد الاقتصاد السعودي وقطاعه النفطي، كما يفيد مصر أيضا حيث يخلق استقرارا في أسعار الوقود داخل السوق المحلي طوال فترة القرض.

5 – تعامل المسؤولون في مصر ومعهم وسائل الإعلام بعدم شفافية مع نوعية المساعدات السعودية الضخمة المعلن عنها، فلم تذكر أي وسيلة إعلامية أن كل الأموال الممنوحة لمصر عبارة عن قروض ستقوم الخزانة العامة المصرية بسدادها، وأن المنح النقدية المجانية غابت هذه المرة عن خريطة المساعدات السعودية.

الملفت في الأمر أنه في الوقت الذي كانت السعودية تعلن فيه عن تقديم مساعدات سخية لمصر، طلبت المملكة قرضاً من الخارج تتراوح قيمته ما بين 6 و8 مليارات دولار قابل للزيادة ولمدة 5 سنوات في إطار سعيها لسد عجز قياسي في الميزانية سببه هبوط أسعار النفط، اضافة إلى إن الاقتراض الداخلي بدأ يقلص السيولة في النظام المصرفي المحلي، كما تراجعت الاحتياطيات الخارجية، ولذا اضطرت الحكومة إلى اللجوء لأسواق المال العالمية لتمويل جزء من العجز.

كما توقع تقرير اقتصادي لمركز الكويت المالي، صادر اليوم الأحد، أن تقترض دول الخليج 390 مليار دولار بحلول عام 2020 لتمويل العجز في موازناتها في ظل الانخفاض الحاد في أسعار النفط، المصدر الرئيسي لإيراداتها.



المساهمون