خيارات صعبة أمام الرياض... تسعير النفط باليوان يهدد الدولار

05 ابريل 2018
الدولار أمام منافسة حادة بعد بورصة النفط (Getty)
+ الخط -



في وقت يتصاعد فيه إختبار العضلات التجارية بين أميركا والصين، تفتح بكين بورصة للمتاجرة للنفط باليوان في خطوة وصفها بعضهم بالتاريخية، كما تعتزم تطبيق سياسة شراء النفط باليوان وليس بالدولار في جميع مشترياتها خلال منتصف العام الجاري، وهي خطوة سبق أن أشارت إليها "العربي الجديد" في تحليل سابق.

وينظر خبراء أسواق المال إلى خطوة تدشين بورصة العقود المستقبلية الصينية باليوان المدعوم بالذهب التي دشنتها الحكومة الصينية يوم الإثنين قبل الماضي بشنغهاي، على أنها خطوة رئيسية في دعم مكانة اليوان في الاحتياطات الدولية التي لا تزال صغيرة نسبياً مقارنة بالدولار الذي يمثل حالياً نسبة 62.7% من إجمالي احتياطات البنوك المركزية، وذلك حسب بيانات من صندوق النقد الدولي التي نشرت يوم الجمعة عن وضع العملات الرئيسية في الاحتياطات العالمية.

وحسب البيانات الرسمية الصينية الرسمية فقد تمكنت البورصة خلال الأسبوع الأول من افتتاحها من المتاجرة في 15 عقداً آجلاً راوح بين تسليم النفط في سبتمبر/ أيلول ومارس/ آذار المقبل 2019.

كذلك اشتركت 23 شركة وساطة دولية في المتاجرة، وبلغت الصفقات التي تمت المتاجرة فيها نحو 278234 صفقة بلغت قيمتها 115.9 مليار يوان. وهذا يعني نشاطاً كبيراً للبورصة في بداية مشوارها. لكن وضع الصين كأكبر مستورد للنفط يدعم بدرجة كبيرة نجاح هذه البورصة. 
في هذا الصدد يقول هايدن بريسكو، مدير الموجودات بمصرف "يو بي أس" السويسري، "في تحليل على موقع المصرف، هذه البورصة سترفع من وزن اليوان في سوق المال العالمية وتهدد تدريجياً مكانة الدولار".
ويضيف أنها سترفع كذلك من مكانة الصين في المسرح الاقتصادي العالمي وستزيد من اندماجها في أسواق العالم".

من جانبه يقول مدير صندوق التحوط الأميركي، آدم ليفنسون، في تعليقات نقلها موقع "غلوبال ريسيرش"، "إنها خطوة كبرى لأنها ستزيد من وزن اليوان في مشتريات السلع الأولية".

لكن على الرغم من هذه التعليقات يرى مصرفيون غربيون أن الطريق لا يزال طويلاً جداً أمام اليوان لمنافسة الدولار على مكانة العملة الدولية، على الرغم من تدشين بورصة العقود الآجلة للنفط بشنغهاي، لكن بالتأكيد سيزيد ذلك من حصته، لأن النفط من أهم السلع التي تعطي الدولار قوة دولية في تسوية الصفقات العالمية، وبالتالي تحتاج إليه البنوك المركزية في أنحاء العالم لتسديد قيمة صفقاتها النفطية.

في هذا الصدد يرى الاقتصادي، كارل وينبيرغ، في تحليل لموقع "غلوبال ريسيرش"، أن "بورصة شنغهاي لعقود النفط، خطوة أولية، وأن الصين ستجبر دولاً نفطية كبرى، مثل السعودية، على بيع شحنات النفط المصدرة لها باليوان في المستقبل".


وكانت رويترز قد ذكرت قبل أيام أن الصين تخطط لشراء جميع الصفقات النفطية المستوردة باليوان وليس بالدولار في منتصف العام الجاري. وفي حال اتخاذ الصين مثل هذا الإجراء، فإن ذلك سيضع السعودية في ساحة العراك بين واشنطن وموسكو. والتهديد بالنسبة إلى السعودية ينشأ من أن الصين هي التي تغذيها بالمال عبر شراء النفط، في حين تحفظ أموالها وأمنها الولايات المتحدة الأميركية.

وفي الصدد ذاته، يرى المحلل السياسي الروسي الكساندر نازروف أن النزاع التجاري بين أميركا وروسيا سيتطور في المستقبل، وسيجعل من المستحيل الحفاظ على هذه الوضعية ذات الطابع الازدواجي للسعودية التي تبيع جل نفطها للصين ودول آسيا الأخرى، فيما ترتبط أمنياً وسياسياً بواشنطن.

وربما ستجد الرياض في مرحلة ما أن عليها المفاضلة بين مصالحها التجارية القائمة على مبيعات النفط للصين بشروطها التي من بينها اليوان والتخلي عن البترودولار أو خسارة السوق الصيني وربما بعض الدول الآسيوية المتحالفة مع بكين.

ويلاحظ أن أسواق أوروبا والسوق الأميركي لا تستورد إلا حصة ضئيلة من النفط السعودي. ويرى المحلل الروسي نازروف، أن السعودية لا تستطيع تحويل نفطها بالكامل إلى الأسواق الغربية.

وما يدعم وجهة نظرة الاقتصادي وينبيرغ أن السوق النفطية العالمية المستهلكة للنفط باتت تقودها الصين وليس الولايات المتحدة التي تحولت إلى دولة مصدرة. كما أن معظم مبيعات النفط السعودية والخليجية تتجه حالياً إلى آسيا، وببساطة يمكن للحكومة الصينية أن تخيّر السعودية بين قبول اليوان أو البحث عن أسواق أخرى لنفطها.

وتقدر قيمة الصفقات النفطية العالمية في بورصات الطاقة بنحو 1.73 ترليون دولار سنوياً، حسب إحصائيات 2015 ولكنها قد تكون حالياً شارفت على أكثر من 2.5 ترليون دولار مع ارتفاع أسعار النفط وزيادة الاستهلاك العالمي.
ويستهلك العالم حالياً قرابة 100 مليون برميل يومياً من النفط، وباتت الصين من كبار المستوردين للنفط في العالم بعد ظهور ثورة النفط الصخري في أميركا، إذ تستورد الصين نحو 8 ملايين برميل يومياً وتنتج نحو 3.7 مليون برميل يومياً.

وبالتالي من حيث الأرقام، فإنه حال شراء الصين فقط نفطها باليوان، فإن ذلك سيترك نسبة 88% من مبيعات النفط بالدولار. وهي نسبة ليست كبيرة من حيث الأرقام، ولكنها بالتأكيد ستزيد تدريجياً الضغوط على الدولار كعملة احتياط دولية ويضعف قرار الحظر الأميركي على الدول النفطية.

وربما يقود تدريجياً دول "أوبك" إلى التخلي عن تسعير النفط بالدولار الذي اعتمدته في السبعينيات في أعقاب تخلّي الولايات المتحدة عن "المعيار الذهبي"، الذي يحدد قيمة الدولار حسب توقعات محللين، كما أن الفائض التجاري الصيني الضخم مع الولايات المتحدة الذي يبلغ حالياً 374 مليار دولار سيزيد هو الآخر من الضغوط على العملة الأميركية.

وعلى الرغم من هيمنة الصين على تجارة النفط حالياً، إذ أصبحت وجهة التصدير الرئيسية لمنتجي النفط، إلا أن خبراء يرون أن بكين التي تملك احتياطات بالعملة الأميركية تفوق 3 ترليونات دولار، غير حريصة في الوقت الحالي على ضرب الدولار، وإنما تعمل على دعمه عبر بيعها اليوان في السوق الحر وشراء الدولار، وذلك ببساطة لأنها لا ترغب في ارتفاع اليوان بنسبة كبيرة مقابل العملات الرئيسية والإضرار بمستوى تنافسية صادراتها إلى الأسواق العالمية.

وبالتالي يرى محللون أن الصين مهتمة في الوقت الراهن بتمددها التجاري في أسواق العالم أكثر من اهتمامها بإضعاف الدولار، إلا إذا اضطرتها واشنطن لذلك.

ومن المتوقع أن تدعم السوق الصينية أسعار النفط في المستقبل، إذ إنها ستزيد من المنافسة على تسعير النفط وتضيف مؤشراً جديداً للأسعار، ليضاف مؤشر عقودها المستقبلية إلى كل من بورصتي نيويورك ولندن اللتين تحتكران حالياً تجارة النفط.

وما يدعم البورصة الجديدة أن أميركا تحولت من مستهلك ومشترٍ رئيسي للنفط العالمي إلى بائع محتاج للسوق الصينية. وهذا التحول يمنح الصين فرصة أكبر في تحديد توجهات تجارة النفط العالمية وتحديد أسعارها، مع ظهور بورصة النفط الجديدة التي تضمن للمشترين تحويل قيمة صفقاتهم من اليوان الصيني إلى الذهب.

ولا يتوقع معظم خبراء أسواق المال الذين اطلعت على آرائهم "العربي الجديد" أن تشكل مشتريات النفط الصيني باليوان تهديداً للدولار في المدى القريب، ولكنها ستدعم الثقة باليوان كعملة احتياط.

وهذا العامل هو الذي تحتاج إليه الصين في سباقها مع أميركا على تشكيل "النظام المالي الجديد"، إذ إن العملة الدولية التي تحتاج إليها البنوك المركزية وتستخدم في أسعار الصرف تعد من أهم مكونات الدولة العظمى التي يعتمد عليها. ويلاحظ في هذا الصدد أن بريطانيا خسرت إمبراطوريتها حينما فقد الجنيه الإسترليني مكانته حسب محللين.

ومن فوائد البورصة الصينية أنها ستحمي الاقتصاد الصيني من اضطرابات الدولار وأسواق السلع الرئيسية، لأنها ستشتري النفط بعملتها، وبالتالي ستتمكن من السيطرة على التضخم. وذلك وفقاً لما ذكرت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية الناطقة باسم الحكومة الصينية.

يذكر أن أسعار النفط حققت مكاسب يوم الثلاثاء، إذ تبدّد أثر زيادة الإنتاج الروسي والتوقعات بخفض أسعار الخام السعودي بفعل تباطؤ محتمل في الإنتاج الأميركي. وسجلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 63.20 دولاراً للبرميل بارتفاع نسبته 0.3%.
المساهمون