نذر حرب عملات بين الصين وأميركا... وقلق من احتدام الصراع التجاري

15 ابريل 2018
الصين تدرس خفض عملتها (Getty)
+ الخط -

 

يتزايد القلق في الأوساط المالية العالمية من تطور الصراع التجاري الحالي بين الولايات المتحدة والصين، إلى حرب عملات تستخدم فيها كل دولة أدواتها من أجل فرض المزيد من النفوذ الاقتصادي، ما ينذر بانضمام دول أخرى إلى هذه الحرب.

فبعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، في يناير/ كانون الثاني 2017، أعلن حرصه الشديد على تخفيض العجز التجاري الذي تعانيه الولايات المتحدة من تعاملاتها مع شركائها التجاريين، والذي بلغ بنهاية العام الماضي حوالي 567 مليار دولار.

ولما كانت الصين وحدها مسؤولة عن أكثر من ثلثي هذا المبلغ، وتحديداً 375 مليار دولار، فقد قرر ترامب، على مراحل، فرض رسوم جمركية إضافية على مجموعة من المنتجات التي تستوردها الولايات المتحدة من الصين، وتبلغ قيمتها الإجمالية 150 مليار دولار، ووصلت الرسوم الإضافية في بعض الأحيان إلى 25%.

وردت الصين بفرض رسوم مقابلة على أكثر من 100 منتج تستوردها من الولايات المتحدة، وأعلنت أنها سترد على كل قرار من الولايات المتحدة برسوم مساوية في القيمة على الواردات منها.

وقرر ترامب أيضاً تشديد القيود المفروضة على عمليات الاستحواذ التي تقوم بها الشركات الصينية في الولايات المتحدة، كما أبدى رغبته في الحد من نقل التكنولوجيا الجبري الذي تقوم به الصين من بلاده، وإمكانية لجوئه لمنظمة التجارة العالمية في هذا الشأن.

وفي العام الماضي 2017 انخفضت قيمة صفقات الاستثمار المباشرة المعلنة من الصين في الولايات المتحدة بأكثر من 90%، مقارنة معها قبل عام، بينما جزء كبير من الأموال التي استمرت في التدفق على الولايات المتحدة كانت مرحلة من صفقات العام 2016، وفق تقرير صادر في وقت سابق من إبريل/ نيسان الجاري عن مجموعة روديوم ولجنة العلاقات الأميركية الصينية.


وتحاول الإدارة الأميركية حالياً منع الشركات الصينية من الاستثمار في القطاعات الأميركية الحساسة، مثل أشباه الموصلات وتقنيات الاتصالات اللاسلكية 5G، ومنع ترامب بالفعل عرضاً بقيمة 117 مليار دولار من قبل شركة برودكوم، وهي شركة مقرها سنغافورة ولها علاقات وثيقة مع الصين، للاستحواذ على شركة كوالكوم للتكنولوجيا الأميركية العملاقة.

ولم تفلح أي مفاوضات حتى الآن في وقف التصعيد التجاري بين الدولتين، الأمر الذي يفتح الباب أمام خيارات عدة للخطوة التالية. لكن حتى هذه اللحظة، لم يستخدم ترامب الدولار كسلاح ضد الصين، ولم تصدر أي تصريحات تشير إلى نيته استخدامه، باستثناء ما ردده أكثر من مرة، هو ووزير خزانته ستيفين منوشين، من أن "الدولار الضعيف قد يكون مفيداً للولايات المتحدة".

ويبدو أن الصين هي التي ستأخذ زمام المبادرة في حرب العملات، وقد كانت هناك خطوات جادة، على مدار السنوات العشر الأخيرة، اتخذتها الحكومة الصينية على هذا الطريق، من أجل تعزيز مكانة العملة الصينية (الرنمينبي) على المستوى الدولي. وخففت الصين القواعد التنظيمية حتى يمكن تسوية المزيد من المعاملات التجارية بالرنمينبي، في محاولة لتجاوز الدولار كعملة التسويات الدولية الأولى على مستوى العالم.

كما أنشأت الصين شبكة من بنوك مقاصة الرنمينبي، وعززت تواجدها في أكبر المراكز المالية في جميع أنحاء العالم. ونتج عن ذلك نشاط كبير لعمليات بيع وشراء السندات المقومة بالرنمينبي في هونغ كونغ وأماكن أخرى.

وعقدت الصين العديد من اتفاقيات مبادلة العملات مع العديد من البنوك المركزية الأجنبية، ومنها مصر التي وقعت معها اتفاقية بمبلغ يقدر بما يوازي 2.7 مليار دولار، على أمل أن يصبح الرنمينبي أحد الأصول الاحتياطية العالمية الجديدة، كما نجحت في إقناع صندوق النقد الدولي بأن يدخل الرنمينبي في سلة العملات، التي تحدد قيمة حقوق السحب الخاصة، أحد أهم مكونات الأصول الاحتياطية حول العالم، وأخيراً، أنشأت الصين بورصة للعقود المستقبلية للنفط الخام المقومة بالرنمينبي.

ودأبت الصين لسنوات على تخفيض قيمة عملتها مقابل الدولار، عن طريق تدخل بنك الشعب (البنك المركزي الصيني) في الأسواق، بائعاً للرنمينبي، ومشترياً للدولار، وهو ما أدى إلى ارتفاع احتياطيات النقد الأجنبي للصين إلى مستوى 4 تريليونات دولار، في عام 2014، ولتصبح الدولة صاحبة أكبر احتياطيات نقد أجنبي في العالم، بينما بقيت العملة الصينية دون تحرك، على الرغم من تحقيق فوائض ضخمة في ميزان المدفوعات الصيني لسنوات.


وفي 2011، وافق مجلس النواب الأميركي على قانون يسمح بمعاقبة الدول التي تتلاعب بعملاتها، في استهداف واضح للصين، لكن في عامي 2015 – 2016، تعرضت العملة الصينية لضغوط حقيقية، أدت إلى انخفاضها دون تدخل من الدولة، بالإضافة إلى فقدان جزء كبير من الاحتياطيات.

وفي 2017 وما مر من 2018، استعادت العملة الصينية اتجاهها الصعودي، وهو ما تدرس حالياً الحد منه كرد على إجراءات ترامب الحمائية. لكن لي يانج، مستشار بنك الشعب الصيني السابق، قال في وقت سابق من إبريل/نيسان الجاري، إنه "يستبعد نشوب حرب عملات بين الصين والولايات المتحدة".

لكن تقارير من وكالات عدة، منها بلومبيرغ الاقتصادية، أشارت الأسبوع الماضي إلى أن الصين تقوم حالياً بتقييم التأثير المحتمل لإجراء تخفيض تدريجي لقيمة الرنمينبي أمام الدولار، حيث تقيّم السلطات هناك خياراتها في حالة نشوب حرب تجارية مع الولايات المتحدة.

وأشارت التقارير، التي تطرقت لها أيضا وكالة شينخوا الصينية، إلى أن المسؤولين الصينيين يدرسون تحليلاً ذا شقين، أحدهما معني بتأثير استخدام العملة كأداة في المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة، في حين يدرس الشق الثاني تبعات تخفيض قيمة العملة لتعويض تأثير أي اتفاقات تجارية تحدّ من الصادرات الصينية.

ونصح تايلر دردن، مسؤول الاستثمار في زيرو هيدج، عملاءه الأسبوع الماضي بشراء عقود خيارات البيع للعملة الصينية، والتي يُنصح بشرائها في حالة توقع انخفاض قيمة عملة أو سهم.

لكن الاقتصاد الأكبر لن يقف مستسلماً أمام الخطوات الصينية شديدة التأثير، فبالاضافة إلى الاعتماد على انخفاض قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، لجعل الصادرات الأميركية أكثر جاذبية، مع الضغط على الصين للسماح لعملتها بأن تقوى، تستطيع الولايات المتحدة أن تمنع شركاتها المنتشرة حول العالم، والموجودة بكثافة في الصين، من استخدام الرنمينبي في تسوية تعاملاتها الدولية، كما يمكنها فرض قيود على الاستثمارات في الأصول المالية المقومة بالرنمينبي، أو الضغط على البلدان المرتبطة باتفاقيات مبادلة عملات مع الصين من أجل التخلي عنها وإبرام اتفاقيات بديلة مع الولايات المتحدة، وبالدولار.

وشهدت السنوات الأخيرة نماذج مصغرة من حروب العملات، ففي الفترة من 2009-2011 في أعقاب الأزمة المالية العالمية، انخفضت التجارة الدولية بأكثر من 12%، ما حدا بالعديد من الدول الكبرى لتخفيض قيم عملاتها من أجل استعادة صادراتها، بينما تعالت صيحات الاقتصاديين ورجال البنوك للتحذير من تلك التحركات، وذكرت تقارير اقتصادية وقتها أن الولايات المتحدة والصين انتصرتا في معركة العملات في مواجهة الدول الأوروبية واليابان والعديد من الاقتصادات الناشئة.

وفي 2013، أعلن البنك المركزي في اليابان نيته إطلاق برنامج لشراء السندات اليابانية، ما أسفر عن تخفيض قيمة الين لفترة وجيزة، اعتبرت وقتها حرباً أخرى للعملات، استمرت لفترة قصيرة، إلا أنها كانت مكثفة، الأمر الذي أشعل المخاوف من امتداد حرب العملات وقتها إلى بلدانٍ أخرى، قبل أن يتدخل العديد من محافظي البنوك المركزية، ووزراء المالية لتحذير اليابان، وعدلت اليابان من سياساتها.

وفي عامي 2014 و2015 تعرضت عملات بعض الدول للانخفاض نتيجة للسياسات النقدية التي اتبعتها تلك الدول، إلا أنها لم تكن حرب عملات بالمعنى المتعارف عليه.

المساهمون