نفط إيران..القلق من عودة العقوبات يعرقل العقود الجديدة

23 اغسطس 2016
معرض إيراني عن النفط والغاز في مايو/أيار الماضي(فرانس برس)
+ الخط -
رغم مرور ما يقرب من عام، على إعلان الحكومة الإيرانية نيتها توقيع عقود نفطية جديدة مع الشركات الأجنبية لجذب الاستثمارات وزيادة الإنتاج والتصدير، إلا أن هذه العقود لم يتم بعد الانتهاء منها، في ظل جدل حول التعديلات المقترحة على صياغتها.
ويساور القلق بعض المسؤولين والبرلمانيين وكذلك خبراء الاقتصاد، من إمكانية فرض عقوبات اقتصادية مستقبلاً على إيران، الأمر الذي يتطلب تحصين قطاع النفط والغاز وفق العقود الجديدة مع الشركات العالمية.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، ذكرت وزارة النفط أنها ستعلن خلال أسابيع عن عقودها الجديدة لتطوير النفط بهدف جذب مشتري الخام والمستثمرين الأجانب فور رفع العقوبات عن قطاع الطاقة بالبلاد والذي تحدد بمطلع 2016 وفق الاتفاق النووي الذي تم إبرامه مع الدول الكبرى منتصف 2015. وقدرت الوزارة جذب استثمارات في النفط بنحو 25 مليار دولار.
وحضرت نحو 135 شركة من بينها "بي.بي" البريطانية و"توتال" الفرنسية و"ايني" الإيطالية و"ريبسول" الإسبانية مؤتمراً في طهران في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي للاطلاع على عقود النفط الإيرانية الجديدة، لكن طرح هذه العقود تأجل عدة مرات، رغم وعود المسؤولين الإيرانيين المتكررة بالانتهاء منها، كان آخرها التأكيد على إعلانها مطلع يوليو/تموز الماضي.
وما تزال التعديلات التي يجري العمل عليها في عقود النفط الجديدة، مثار خلاف. وقدم وزير النفط، بيجن زنغنه، في جلسة برلمانية غير علنية يوم الأحد الماضي آخر التعديلات، وذكر أن المعنيين حلوا الإشكالات المذكورة في 15 بنداً وهي التي أرسلها مكتب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، لوزارة النفط في وقت سابق.
وقد نشرت وكالة أنباء فارس الإيرانية تقريراً عن مجريات الجلسة، التي جرت بعيداً عن العدسات، فنقلت عن بعض النواب تأكيدهم أن معظم الانتقادات لم تؤخذ بعين الاعتبار، فأكد بعضهم أن 11 إشكالاً في نصوص العقود مازال قائماً، وإن بندين فقط تم تعديلهما بشكل صحيح، وبندين آخرين عدلا بشكل ناقص. وتهدف وزارة النفط لتخفيف الشروط المقدمة في عقود تطوير النفط لاجتذاب المستثمرين الأجانب، الذين أثنتهم العقوبات عن الاستثمار في البلاد لسنوات.
لكن معارضين يرون أن العقود الجديدة تنهي نظام إعادة شراء النفط من الشركات المنتجة المعمول به منذ أكثر من 20 عاماً، والذي يمنع الشركات الأجنبية من حجز احتياطيات أو تملك أسهم في الشركات الإيرانية.


وتضم العقود الجديدة للشركات الأجنبية بالعمل في الحقول النفطية الفعلية، وباكتشاف حقول جديدة، كما تمنحها حق الاستثمار وفقاً لمناقصات تنافسية. وجاء في النصوص التي تم الإعلان عنها، أن ملكية الحقول القائمة لا تتغير، لكن لم يتم توضيح كيفية توزيع الحقوق بالنسبة للحقول الجديدة التي سيتم اكتشافها، وهو ما يثير قلق البعض.
كما جاء في النصوص أن مدة كل عقد تحدد على حدة، ويتم هذا بناء على عمر الحقل النفطي، أو ما يسمى بعمر المخزون النفطي، ومن غير الواضح ما إن كانت هذه المدة ستطابق مدة العقد، وبهذه الحالة لن يحصل المستثمر المحلي على المكاسب التي سيحصل عليها المستثمر الأجنبي بحسب المنتقدين.
وتباينت ردود الفعل بشأن العقود الجديدة. وقال النائب جواد كريمي قدوسي لوكالة أنباء فارس، إن عدداً من النواب اقتنعوا بكلام وزير النفط، الذي ركز على أهمية عقود من هذا النوع لتستفيد طهران من تبادل التقنيات والخبرات مع الشركات الأجنبية، بما يطور قطاعها النفطي الذي تأثر سلباً بفعل العقوبات، لكن نواباً آخرين مازالوا متخوفين من النتائج البعيدة المدى والتي قد تفرزها هذه العقود.
وفي اتصال مع "العربي الجديد"، قال حسن بهرام نيا، عضو لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني، إن وزير النفط أشار إلى أن بعض البنود المتعلقة بآليات انتقال تكنولوجيا التنقيب والاستخراج قد عُدلت بالفعل، بالإضافة إلى تعديل البنود المرتبطة بآليات دفع الضرائب.

لكن بهرام لفت إلى أن المنتقدين قلقون من عدة نقاط قد تحملها هذه العقود للبلاد مستقبلاً، منها ما يتعلق بضرورة تحديد كيفية الاستفادة من الآبار النفطية المكتشفة حديثاً، فضلاً عن تحديد ملكية الآلات الحديثة، التي تدخل إلى إيران والتي يجب أن تبقى في البلاد، بالإضافة إلى ضرورة اتباع خطوات لتحصين هذا القطاع بحال تم فرض عقوبات اقتصادية مستقبلاً عليه.
وتابع أن هناك مراحل عدة أخرى تنتظر هذه العقود، حيث يجب مقارنتها ومطابقتها مع القوانين، وإذا أيدها البرلمان ستدخل مرحلة التنفيذ العملي بشكل قانوني.
غير أن حقوقيين اعتبروا أن العقود الجديدة تخالف الدستور، كونها تمنح امتيازات كبرى لشركات أجنبية، وهو ما سيضر بالمصلحة الوطنية بالدرجة الأولى، كا ستجعل النفط رهناً للمستثمر الأجنبي.
وقد تحولت اعتراضات الساسة وبعض المسؤولين لاحتجاجات، فخرج عدد من المواطنين احتجاجاً على العقود واعتصموا أمام مقر وزارة النفط مؤخراً.
وذكر محسن رضائي، أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام، أن المجمع يعمل على دراسة العقود، وسيحدد مدى مطابقتها للقانون، وما إن كانت تضر بمصلحة البلاد أم لا، وهذا قبل الدخول بأي خطوة عملية. وبحسب الحكومة الإيرانية، فإن توقيع العقود الجديدة مع الشركات الأجنبية، ضروري لانتشال البلاد من الوضع الاقتصادي الراهن ولنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى حقول النفط الإيرانية.
وقال علي فروزنده، الخبير في قطاع الطاقة، إن بعض الانتقادات الموجة للعقود الجديدة قانونية حقوقية والأخرى اقتصادية، مشيراً إلى أن سبب الاعتراض يرجع إلى التخوف من المساس بالمصلحة الوطنية، ولاسيما أن تجربة إيران مع الغرب في سنوات سابقة كانت مريرة.
وأضاف فروزنده لـ"العربي الجديد" أن هناك مخاوف من فتح المجال كثيراً أمام المستثمرين الأجانب، ما يعني استفادتهم من القطاع أكثر مما سيعود على المستثمر المحلي والشركات الإيرانية. وبحسب النصوص المعروضة عن العقود الجديدة، فإن العقود ستراعي شرط الاستفادة من القدرات المحلية، حيث يتوجب على الشركة الأجنبية أن تمنح 51% من المشروع لشركات الداخل لتساهم في الحفر والخدمات والتأمين.
ورأى فروزنده أن "مبدأ الاقتصاد المقاوم الذي تعمل إيران حالياً على تحقيقه، حيث الاعتماد على الاكتفاء الذاتي ورفع مستوى الصادرات مقابل تقليل الواردات، قد يصبح مهدداً بحال الالتصاق كثيراً بالعقود مع الشركات الأجنبية".

المساهمون