بعد خمسين عاماً من الاحتلال.. معاناة العمال الفلسطينيين مستمرة

04 يونيو 2017
العمال يشقّون طريقهم عبر متاهة القضبان والبوابات الإلكترونية(فرانس برس)
+ الخط -
يستيقظ فؤاد مارايتا الساعة 3:30 صباحاً، حين يكسو الظلام مدينته سلفيت بالضفة الغربية المحتلة. يتناول مارايتا القهوة ويضع حقيبة الغداء على كتفه ويستقل حافلة صغيرة، ليبدأ رحلة شاقة إلى عمله حيث يقوم بتركيب البلاط في موقع بناء بالقرب من تل أبيب.

مارايتا (62 عاماً)، من بين عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين يقومون بالانتقال إلى إسرائيل يوميا. فطوال نصف قرن عرقل الاحتلال الإسرائيلي الاقتصاد الفلسطيني، ما يجعل فرص العمل اللائقة في الأراضي المحتلة نادرة.

بدون أي خيار آخر، يضطر الفلسطينيون للعمل داخل إسرائيل، حيث يبلغ متوسط أجورهم أكثر من ضعف ما يحصلون عليه في أراضيهم المحتلة، يعمل هؤلاء في بناء المنازل وإصلاح السيارات وتقديم الطعام.

أصبح تركيب البلاط في إسرائيل تقليداً بالنسبة لأسرة ماراتيا، إذ انتقلت الحرفة من والده الراحل إليه هو وأشقاؤه الأربعة وأحد أبنائه.

تقع سلفيت على بعد 30 ميلاً فقط من تل أبيب، لكن قيود السفر الإسرائيلية تجعله يستغرق رحلة طويلة على الطريق حيث يقضي كثيرا من الوقت يوميا، بالإضافة إلى الوقت الذي يقضيه في عمله الأساسي.

يرى ماراتيا أن الاحتلال لن ينتهي قريبا، بقوله: "إنهم (الإسرائيليون) لن يرحلوا إلى أي مكان". حالياً، يعمل نحو 125 ألف فلسطيني في إسرائيل والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.

وفي أوقات الذروة، تعمل ثلث قوة عمل الضفة الغربية في إسرائيل، إذ يقدر اقتصادها القائم على التكنولوجيا الفائقة بنحو 15 ضعفاً مقارنة بالاقتصاد الفلسطيني. هذه العلاقة غير المتوازنة سوف تلوح في الأفق، إذا ما أعاد الرئيس دونالد ترامب استئناف محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية.

وتعتقد الإدارة الأميركية أن تعزيز الاقتصاد الفلسطيني سيدعم المحادثات المستقبلية، بيد أن الإسرائيليين والفلسطينيين لديهم وجهات نظر مختلفة حول ما يعنيه ذلك.

ويقول الفلسطينيون إن إسرائيل لا بد أن تفك الأغلال الآن، بدلا من ربط التغيير الاقتصادي باتفاق سلام بعيد المنال.

يرى الفلسطينيون أن هذه هي الطريقة الوحيدة لنمو الاقتصاد الراكد الذي تعرقله القيود الإسرائيلية. الاقتصادي الفلسطيني المعروف، محمد مصطفى، والذي ناقش مثل هذه المطالب مع إدارة ترامب يقول: "مشكلاتنا الاقتصادية لا يمكن أن تنتظر".

من جهتها، اقترحت إسرائيل تحسين النظام الحالي، كمحاولة الحد من الاختناقات عند المعابر التي تديرها إسرائيل، والتي يقول الفلسطينيون إنها تحول دون التداول التجاري بشكل تنافسي.


متاهة من القضبان

بعيد الخامسة صباحاً، يمر مارايتا من خلال الجدار العازل بين إسرائيل والضفة الغربية. مئات العمال يشقون طريقهم عبر متاهة من القضبان والبوابات الإلكترونية. يضعون حقائبهم على حزام نقل يعمل بالأشعة السينية على غرار المطارات.

يوم الخميس، حيث الإقبال خفيف نسبياً، يستغرق ماراتيا نحو عشر دقائق فقط. في بداية أسبوع العمل، يضيع مزيداً من الوقت في اجتياز مثل هذه القيود والحواجز.

في البداية، لم تكن هناك حواجز، ولكن مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، بدأت إسرائيل تفرض إغلاقاً أمنياً ونظام تصاريح.

بعد الانتفاضة الثانية عام 2000، شيدت إسرائيل الجدار العازل. يقول الفلسطينيون إن الجدار يعد بمثابة انتزاع للأراضي، لأن امتداده الطويل في الضفة الغربية وليس حدود ما قبل عام 1967 يقطع نحو 10% من هذه الأراضي، يمنع سكان غزة من العمل منذ عام سيطرة حركة حماس على القطاع عام 2007.

بعد اجتياز المعبر، يستقل ماراتيا حافلة أخرى، حيث يجلس خلف أخيه أحمد (52 عاما). الساعة السادسة صباحا، تصل الحافلة إلى مقهى في تل أبيب.. يدردش ماراتيا مع عملاء آخرين، بينما ينتظر صاحب العمل.

الساعة 6:15 يأخذه صاحب العمل ماراتيا. وبحلول الوقت يذهب ماراتيا إلى موقع العمل، حيث يسافر ثلاث ساعات.

يرى الفلسطينيون أن اتفاقا اقتصاديا مؤقتا في منتصف التسعينيات أصبح سيئاً، فقد انكمش اقتصادهم أو شهد ركوداً جراء إغلاقات إسرائيل للمناطق على خلفية الصراعات.

في الضفة، بلغت نسبة البطالة وسط الشباب 40%، و18% بالنسبة لجميع الفئات العمرية.

أما غزة، والتي يقطنها مليونا فلسطيني، فهي أسوأ حالا، فقد أدى الحصار الحدودي إلى منع معظم صادراتها، وبلغت معدلات البطالة 42%، والتي تصل وسط الشباب إلى 60%. 

الساعة 3:30 بعد الظهر، يعطي صاحب العمل ماراتيا أجره الأسبوعي من خلال نافذة شاحنة من طراز بيك أب.


(أسوشيتدبرس)


المساهمون