السودان: شركات الأدوية تحجم عن التوريد انتظاراً لرفع الأسعار

11 فبراير 2018
اختفاء مئات الأصناف من الصيدليات (Getty)
+ الخط -


على مقربة من إحدى الصيدليات في وسط العاصمة الخرطوم، وقف المواطن أسعد مصطفى حائراً، لأن طبيباً كتب وصفةً طبية لوالدته التي ترقد طريحة الفراش في مستشفى قريب، فطاف بتلك الوصفة على كثير من الصيدليات، لكنه عاد بدون أن يجد مبتغاه، ما دفعه للرجوع إلى الطبيب مجدداً لعله يكتب له بديلاً متوفراً.

يقول مصطفى لـ "العربي الجديد" إنها ليست المرة الأولى خلال الأيام الماضية التي يُكتب فيها لوالدته دواء لم يحصل عليه، مؤكداً أنها باتت معاناة إضافية، غير معاناة الارتفاع الجنوني في أسعار الأدوية .

مشكلة مصطفى واجهت كثيراً من المرضى في السودان بسبب اختفاء مئات الأدوية من أرفف الصيدليات، بما فيها أدوية أمراض مزمنة، وذلك في مظهر آخر للأزمة الاقتصادية عقب إجازة موازنة العام الجاري 2018، وعقب جملة من السياسات المالية والنقدية التي اتخذها بنك السودان المركزي خلال الأيام الأخيرة، أبرزها رفع السعر التأشيري للدولار الأميركي من 18 جنيهاً إلى 30 جنيهاً.

واختفى نحو 500 صنف من الأدوية من أرفف الصيدليات، حسب مختصين، وذلك انتظاراً لقرار من السلطات الحكومية تُعلن فيه أسعاراً جديدة للأصناف الدوائية، بحجة أن التسعيرة القديمة لا تتناسب مع قرار بنك السودان رفع سعر الدولار الجمركي والسعر التأشيري.

ومنذ ثلاثة أسابيع، تقوم السلطات الحكومية بحملات مكثفة وسط الصيدليات لمراقبة وضبط أسعار الأدوية، ملزمةً الصيدليات بوضع قوائم بأسعار الأدوية بصورة واضحة، فيما أحيل بعض أصحاب الصيدليات إلى المحاكمة، بتهمة البيع بأعلى من السعر الحقيقي، وصدرت أحكام بالغرامة في حقهم، وهو ما أثار استياءً واسعاً في الوسط الصيدلي.

وقال أصحاب صيدليات، لـ"العربي الجديد"، إن شركات الأدوية مُتوقفة عن بيعهم أدوية جديدة، في انتظار قرار مجلس الأدوية والسموم الحكومي بإعادة تسعيرها، بعد التغييرات في أسعار الدولار التي حددها البنك المركزي.

وقال الصيدلاني محمد خلفية، في وسط الخرطوم، إن سوق الدواء يشهد ركوداً، نتيجة السياسات المتقلبة هذه الأيام في أسعار الدولار، مشيراً إلى وجود نُدرة في بعض الأدوية التي أحجمت شركات الأدوية عن بيعها، خاصة المتعلقة بأمراض المخ والأعصاب.

وأكد حدوث زيادات في أسعار بعض الأصناف بلغت نحو 40%، لا سيما الأدوية المستوردة لمرضى السكري والضغط والفيتامينات.

ويستورد السودان سنوياً أدوية تتجاوز قيمتها 200 مليون دولار، وفق إحصاءات صادرة عن المجلس القومي للأدوية والسموم التابع لوزارة الصحة، بينما تغطي الصناعة المحلية 40% فقط من حاجة السوق.

ويبلغ عدد المصانع العاملة في صناعة الأدوية نحو 27 مصنعاً، تُنتج نحو 232 صنفاً، من بينها أدوية الضغط والسكري والأزمات القلبية والمضادات الحيوية بأنواعها ومخفضات الحرارة وأدوية الملاريا.

وقال رئيس شُعبة الصيدليات عبد العزيز عثمان، في تصريح صحافي، يوم السبت الماضي، إن الشركات المُوردة تحجم من الإيفاء بطلبيات الصيدليات، لأنها في انتظار قرار مجلس الأدوية والسموم بالتسعيرة الجديدة، وفق سعر الدولار الذي لا تقل قيمته عن 30 جنيهاً حالياً.

لكن المجلس القومي للأدوية والسموم أكد، في تعميم صحافي، أن إجراءات تسعيرة الأدوية في المجلس تتم بحسب السعر التأشيري لبنك السودان المركزي.

واعتبر الصيدلي ياسر ميرغني، الذي يشغل أيضاً منصب الأمين العام لحماية المستهلك، أن مشكلة الدواء ماضية نحو حل جذري في غضون ثلاثة إلى أربعة اشهر، موضحاً في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" أن قرار رئاسة الجمهورية الصادر مؤخراً بوقف استيراد الأدوية المصنعة محلياً سيكون له أثر كبير خلال المرحلة المقبلة.

وقال: "هذا القرار بحاجة إلى دعم سياسي، ونتوقع انخفاض أسعار كثير من الأدوية خلال الأيام المقبلة، خاصة التي توجد فيها منافسة".

وبخلاف أسعار الأدوية، تشهد أسعار السلع الأخرى استقراراً نسبياً، مع استقرار الدولار في السوق الموازي الذي بلغ سعره ما بين 33 و35 جنيهاً.

غير أن سوق تذاكر الطيران شهدت خلال اليومين الماضيين قفزات للرحلات الداخلية والخارجية على حد سواء، بعد أن قررت معظم شركات الطيران تغيير أسعارها، بناء على قرار صادر عن سلطة الطيران المدني، قضى برفع سعر الدولار لأسعار التذاكر ونولون البضائع ورسوم خدمات الطيران ليكون 30 جنيهاً بدلاً من 15.9 جنيهاً.

وفي هذه الأثناء، تستمر السلطات الأمنية في المداهمات المكثفة لأوكار تجارة العملة، وقد شملت محال تجارية بالخرطوم يشتبه في نشاطها في هذا المجال، وأوقفت السلطات عدداً من التجار، فيما اختفت مظاهر انتشار سماسرة العملة في وسط العاصمة.

وكانت السلطات النيابية، في أكثر من مناسبة، قد توعدت بتوجيه تهم تخريب الاقتصاد وغسيل الأموال والإرهاب إلى كل من يوقف متورطاً في تجارة العملة، وتكرر التهديد على لسان الرئيس السوداني عمر البشير.


المساهمون